تعود الابنة من المدرسة. فتنظر الأم في حقيبتها لتجد أكياسا لبقايا الحلوى التي اشترتها على مدار اليوم الدراسي. وتسببت في تسوس أسنانها. وبجوار تلك الأكياس تجد السندوتشات التي أعدتها لها في مكانها.
حاولت الأم مع ابنتها في الصف الخامس الابتدائي أن تقنعها بتناول السندوتشات باعتبارها طعاما صحيا، لكنها رفضت. ومرت المحاولات بطرق شتى منها منع المصروف. لكنها طرق لم تأت بنتيجة. فالأزمة أن “كانتين” المدرسة يضم العديد من الأطعمة الضارة. وفي هذا السن يقلد الأطفال بعضهم. فيرفضون الطعام المنزلي ويشترون الحلوى التي تسبب إصابتهم بالأمراض المختلفة لاحتوائها على مواد حافظة”.
تتذكر الأم حين كانت صغيرة ويوزع على الأطفال وجبات مدرسية كانت تضم بسكويت وفاكهة وغيرها من الأطعمة الصحية التي أصحبت تتلاشى مع الوقت. ويحل محلها أطعمة يذهب إليها الطلاب. من خلال “الكانتين” وأيضا أمام المدارس فنجد الباعة الجائلين يبيعون الحلوى بألوان صناعية ضارة، دون رقيب.
منظومة للتغذية المدرسية
تزامنا مع مخاوف الأم وغيرها من أولياء الأمور الذين يشاركونها نفس الهواجس، ظهر الحديث عن “منظومة التغذية المدرسية“. تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، بمشاركة وزارة الصحة التي وضعت بدورها محتويات الوجبة طبقا للفئة العمرية وتحديد الاحتياجات اليومية للطلاب، لتفادي إصابة التلاميذ بأمراض السمنة والتقزم والأنيميا وغيرها.
قانون 25 لعام 1942 كان يلزم الدولة. توفير كلفة التغذية الصحية لطلاب مراحل التعليم الأولية في ربوع البلاد. ولكنه أمر استمر لعدة سنوات لا يطبق.. وزير التربية والتعليم طارق شوقي قال إن برنامج التغذية المدرسية تقدمه الوزارة منذ أعوام بهدف إعداد جيل من الأصحاء مع تقليل هامش الأمراض التي تمثل ضغطا على النظام الصحي. كما أنه يضع في الحسبان نتيجة الكشف على 25 مليون طالب مدرسي ونسب السمنة والتقزم وفقر الدم التي رُصدت ووُثقت لبناء البرنامج على أساسها. وتصنيف الوجبات ومكوناتها بحسب المحافظات وأوضاعها الصحية والاجتماعية.، ومن المقرر بدء تطبيق تلك المنظومة مع بداية العام الدراسي الجديد.
وزيرة الصحة قدمت عرضا حول التغذية المدرسية. أشارت خلاله إلى قواعد تصميم وتوزيع الوجبة المدرسية. موضحة أنه يتم تصميم هذه الوجبات طبقا للفئة العمرية وتحديد الاحتياجات اليومية للطلاب. وذلك اعتمادا على المحددات الصحية لهم. ونتائج المبادرة الرئاسية الخاصة بعلاج أمراض سوء التغذية للأطفال في المدارس.
وأشارت إلى وجود وجبات تصلح للأطفال الذين لم يتم الكشف عليهم وحديثي الدخول للمدارس. وأنه سيتم توزيع الوجبات على الطلاب باستخدام الكارت الذكي. الذي سيفعل بـ QR code المربوط بنتائج مبادرة 100 مليون صحة. بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، مؤكدة وجود تنوع فى أشكال الوجبات، بما يضمن الحفاظ على المحتوى التغذوي..
“منيو” الوجبات المدرسية
استعرضت الوزيرة قائمة بالوجبات المدرسية المقترحة بالتعاون مع شركة “سايلو فودز”. وما تتضمنه هذه الوجبات من عناصر غذائية متكاملة للطلاب طبقاً للحالة الصحية. وبما يضمن حصول النمو الجسماني والتطور العقلي الطبيعي لهم، وفقا للبيانات الصادرة عن الوزارة.
المعهد القومي للتغذية ساهم أيضا في وضع الخطة. وأوضح أن السن من 6 لـ8 سنوات يجب أن يحصل على 400 لـ550 سعر حراري. والفئة العمرية من 9 لـ12 سنة يجب أن تحصل على 450 لـ600 سعر حراري، وفي ما يتعلق بالفئة العمرية من 12 لـ15 عاما يجب أن تحصل على 500 لـ650 سعر حراري. ويجب أن تحتوي الوجبة على كربوهيدرات وبروتين وكالسيوم وفيتامينات ومعادن.
وفقا لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” فإن واحدا من بين كل 3 أطفال في مصر يعانون من “التقزّم”. بينما كانت الأرقام الرسمية وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تفيد بأن نسبة تقزّم الأطفال أقل من 5 سنوات 21 في المئة.
نسب الأنيميا والتقزم والسمنة بين الأطفال
يتمركز ارتفاع نسب الإصابة بالأنيميا في محافظات الوجه القبلي. وسجلت محافظات (أسيوط – سوهاج – قنا – الفيوم – الأقصر – أسوان» والجيزة أعلى نسب إصابات.
وفيما يتعلق بنسب ارتفاع السمنة جاءت محافظات الوجه البحري في الصدارة، وسجّلت محافظات «الإسكندرية – دمياط – القاهرة – الغربية – الجيزة)، والتي تسجل أعلى نسب إصابات السمنة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
أما التقزم فتمركز ارتفاع نسب الإصابة في محافظات الوجه القبلي والمحافظات الحدودية، وسجلت محافظات (مطروح – أسوان – المنيا – الإسماعيلية – شمال سيناء – أسيوط – الفيوم – قنا – بني سويف)، لتسجل أعلى نسب الإصابات.
وزارتي الصحة والتعليم أكدتا أن المحافظات التي بها نسبة الأنيما أكثر من 50%، وقالت إن قائمة الوجبة متنوعة بين اللبن المدعم بالفيتامينات وبسكويت مدعم بالفيتامينات والجبن والفواكه الطازة والمجففة مثل التين والمشمش، بالإضافة إلى وجبات مطهية بها مصدر حيواني.
أما المحافظات التي بها نسب الأنيما أقل من 20%، فتتضمن الوجبة متنوعة من بين البسكويت المدعم بالتمر والحلاوة السمسمية والفواكه الطازة والمجففة، وفي ما يتعلق بالمحافظات الأكثر من 20% تتضمن الوجبة الخبز والبسكويت والبقسماط والجبن الأبيض واللبن والفاكهة، والمحافظات الأكثر من 10% قصر قامة تم عمل مقترح قائمة وجبات متنوعة من وجبات جافة غنية بالمغذيات الدقيقة مثل بسكويت ويفر وسمسمية وحمصية وفولية ومقرمشات بالسمسم.
مخاوف أولياء الأمور
ابتهال أشرف أم لطفلين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية. تعاني من ما تعاني منه باقي الأمهات.
ترى ابتهال أن طرح تلك المنظومة من التغذية يمثل أمرا هاما يحمي أطفالها وغيرهم من الأمراض.
لكنها تتخوف من نقطتين: الأولى الحكايات التي كانت تردد في الماضي حول تسمم أطفال لنهاية صلاحية تلك الأطعمة. ووجود حلويات وأطعمة تضم مواد ضارة في “الكانتين” وأمام المدارس من باعة جائلين.
وترى أنه عند وجود تلك الأطعمة سيذهب إليها الأطفال أيضا ويجب وضع هذا الأمر تحت الرقابة.
التخوف الأول لدى يمكن السيطرة عليه بالاهتمام بالمنظومة. ما يبدو واضحا من التصريحات والدعم الرئاسي لها. ليظل التخوف الثاني من وجود أطعمة لن تساعد على استمرار تلك المنظومة أو قيامها بدورها. وهنا علق مصدر بوزارة التربية والتعليم. أن رقابة ستفرض على كانتين المدرسة وعلى الأطعمة والحلويات التي تعرض بداخله..
أزمة الباعة الجائلين أمام المدارس لم تغب عن البرلمان، ففي الدورة السابقة. قدمت البرلمانية هالة أبو السعد، عضو مجلس النواب، مشروع قانون لمواجهة ظاهرة الباعة الجائلين أمام المدارس.
وتضمن المشروع تقنين أماكن وجود الباعة الجائلين لتخصيص أماكن لهم.
وزير التعليم لم يغفل تلك الأزمة. فوجه في تصريحات سابقة المديريات التعليمية بضرورة التواصل مع رؤساء الأحياء لاتخاذ الإجراءات اللازمة لنظافة الشوارع المحيطة بالمدارس وإزالة الباعة الجائلين من أمامها، وعمم الوزير تصريحاته في منشور وزع على المديريات التعليمة.
أطباء التغذية
وفي مقابل تخوفات الأمهات يوجه أطباء التغذية اللوم عليهن أيضا بسبب ما يرسلهن مع الأطفال.
كما قالت الدكتورة ليندا جاد الحق، استشاري التغذية العلاجية والسمنة، بأن هناك أمهات ترسل مع الأطفال للمدارس سندوتشات بمكونات ضارة، مثل “اللانشون والبسطرمة”، وأيضا العصير المعلب، فيجب أن تكون السندوتشات من الخبز البلدي المفيد للغاية لجسم الإنسان أو التوست حبة كاملة أو حبوب متنوعة.
وتتفق جاد الحق مع من يرى أن الأطعمة التي تباع في الكانتين وأمام المدارس والتي تضم مواد حافظة والكثير من السكر، ضارة جدا بالأطفال، وبجانب دور الدولة في محاولات منعها، يجب أن يكون هناك دور لأولياء الأمور بتوعية الأطفال والبحث عن بدائل دائمة، فيمكن اللجوء للفشار بدلا من الشيبسي المعلب أو صنع البطاطس في المنزل، وتوعية الأطفال بأهمية تناول الطعام الصحي للحفاظ على الصحة والمناعة.