في الوقت الذي تسعى أفريقيا لتنفيذ برنامج طموح في 20 دولة من دول القارة، يهدف إلى غرس أشجار على مساحات تمتد مائة مليون هكتار، أي ما يعادل تقريبا مساحة مصر وذلك قبل حلول عام 2030. أزالت مصر 390 ألف متر مربع من المساحات الخضراء خلال 4 أشهر فقط.
عندما يتخذ مسؤول قرارا باقتطاع شجرة، فإنه لا يعلم حجم الخسارة التي تتكبدها البيئة، حيث نخسر باقتطاع تلك الشجرة امتصاص 21 كيلو جرام من الكربون.
ويُنتظر أن يتسبب تغير المناخ في مئات الآلاف من الوفيات السنوية بحلول عام 2030. وتشمل العوامل التي تسهم في خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية التعرض لتلوث الهواء وقلة النشاط البدني. فثمانية وثمانون في المائة من السكان في المناطق الحضرية معرضون لمستويات من تلوث الهواء الخارجي تتجاوز المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية.
ورغم وجود قوانين تجرم اقتطاع الأشجار، إلا أنه لا يوجد محاضر ضد أي شخص أو مسؤول يزيل شجرة.
ووفقا لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994. المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، الخاص بقطع الأشجار. يعاقب كل من يتعدى على الأشجار بالقطع، بالحبس والغرامة بمبلغ لا يقل عن 5 آلاف جنيه. ولا يزيد على 50 ألف جنيه، مع مصادرة الأدوات والمعدات المستخدمة في ارتكاب المخالفة.
وبحسب منظمة “مبادرة تراث مصر الجديدة”، أزيل 390 ألف متر مربع من المساحات الخضراء في غضون أربعة أشهر، أي ما يوازي أكثر من 50 ملعبا لكرة القدم. وهو ما يفيد باستفحال لتلك القرارات التي تصدر بدون الرجوع إلى وزارة البيئة أو تقديم دراسات لتقييم الأثر البيئي واستيفاء الاشتراطات.
دعوى لوقف قطع الأشجار
وفي أبريل 2020، أقام المحامي المتخصص في قضايا البيئة أحمد الصعيدي، دعوى أمام القضاء الإداري للطعن على قرار امتناع المسؤولين المختصين عن إصدار قرار. بوقف قطع الأشجار وإزالة الحدائق العامة إلا بعد إجراء دراسة لتقييم الأثر البيئي الناجم.
وأوضحت دعوى الصعيدي، أنه تم إزالة مساحته 90 فدانا من المساحات الخضراء بما يقرب من 2500 شجرة، منها أشجار عتيقة بمنطقة مصر الجديدة. بالإضافة إلى مناطق أخرى كجسر السويس ومدينة نصر والعجوزة والحلمية وبعض محافظات الصعيد. وهو ما ينجم عنه ما يسمى بـ “التدهور البيئي” من نقص في نسبة الأكسجين وتزايد انبعاثات السيارات.
وبعد 7 أشهر، حصل الصعيدي على حكم في الشق العاجل من الدعوى بإحالتها لمكتب خبراء شمال القاهرة لتحديد المساحات الخضراء التي تم إزالتها. ودراسة ما إذا تمت مراعاة الاشتراطات البيئية قبل تنفيذ المشروعات التي تطلبت الإزالة. وتحديد الأضرار البيئية المترتبة والتي كشفت عند عدم عرض أي دراسات لاستيفاء الاشتراطات البيئية على جهاز شؤون البيئة. والتي من شأنها مراجعة المشروع وتعديله لتلافي أضرار المشروع البيئية.
كشفت الدعوى التي أقامها الصعيدي عن منطقة مصر الجديدة، مساوئ القرارات التي يتخذها المسؤولون المحليون. والتي شملت مناطق ميدان تريومف وشارعي النزهة وأبو بكر الصديق، حيث تم اقتلاع النخيل وأشجار الفيكوس القديمة. من أجل توسيع طريق السيارات لتتكون من قرابة 12 مسارا بدلا من 6، بالإضافة إلى القرار الأخير بإزالة مشاتل بشارع 250 بالمعادي.
قوانين واتفاقيات لا ترى
وأكدت عدد من المواد القانونية، على حق الفرد في بيئة صحية سليمة وأن حمايتها واجب وطني. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها وفقا للمادة 46 من الدستور.
فيما ألزمت المادة 21 من قانون البيئة كل حي وكل قرية بتخصيص مساحة لا تقل عن ألف متر من أراضي الدولة لإقامة مشتل. وهناك أيضا المادة 162 من قانون العقوبات التي تعاقب كل من أتلف أو قطع أشجارا بالحبس والغرامة، وهو غير معمول به حاليا خلال أعمال التطوير.
ورغم اتفاقية تغير المناخ التي وقعت عليها الحكومة المصرية وتلزم أطرافها بالتصدي للتهديد الذي يشكله تغير المناخ. لا تمتلك وزارة البيئة حق الاعتراض ووقف إزالة الأشجار إلا عن طريق إقامة دعوى قضائية بعد انتهاء الواقعة سواء بناء على شكوى أو العلم بالواقعة بالمصادفة.
في واقعة إزالة أشجار بمحيط أرض مصنع الغزل والنسيج بحلوان، أقامت إدارة الشؤون القانونية بالوزارة. دعوى ضد الجهة التي اقتطعت الأشجار وطالبت بتعويض مادي نظير التصرف في الأخشاب، وتعويض مردود بيئي.
وفي واقعة أخرى، تلقت “البيئة” شكوى برغبة إدارة مستشفى الخانكة للأمراض النفسية. بإزالة 360 شجرة تاريخية تحت دعوى أنها تمثل خطرا على المباني، وبعد تشكيل لجنة لمعاينة الأشجار تبين من خلالها أنه يستوجب إزالته 26 شجره فقط.
رئة خضراء
واعتبر عدد من المتخصصين في المجال البيئي أن التغييرات التي يتم تنفيذها مؤخرا تعتبر “أعمالا تخريبية”. حيث تساهم تلك القرارات في تدمير الرئة الخضراء لأغلب المناطق التي كان يسودها مساحات خضراء واسعة.
ومن جانبها أكدت سوسن العوضي الباحثة في التنمية المستدامة وتغييرات المناخ، أن قطع الأشجار له تأثير سلبي على المناخ. مشيرة إلى أن الظل الذي يحدثه يساهم في تقليل درجات الحرارة إلى 4 درجات مئوية بخلاف المنطقة التي تخلو من الشجر.
سوسن العوضي: الشجر يعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وقطعه بالتأكيد يؤثر على البيئة. ويساهم في رفع حالة الاحتباس الحراري، التي يعاني منها العالم الآن. مخلقا مشكلة الاحترار العالمي بسبب الصناعة وارتفاع نسبة الكربون الذي يخرج من النشاط الإنساني مثل استخدامه للسيارات والصناعة. ووجود الشجر يمتص الكربون ويقلل من نشاط الإنسان.
وأشارت إلى أن خطورة التلوث على تغير المناخ أعلى في المدن التي باتت مغلفة بنسبة عالية من التلوث وارتفاع البصمة الكربونية بفعل قطع الأشجار.
وحتى لا تأتي الكباري والطرق على حساب البيئة لابد من ضم استراتيجية الأخضر ضمن التطوير وتخصيص مناطق خضراء. حيث إنه من الضروري أن يكون داخل المدن الرئيسية وليس المدن الجديدة فقط من وجهة نظر العوضي.
وأكدت الأمم المتحدة في يوم البيئة العالمي، على بذل مزيد من الجهد لتخفيف وطأة تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة. واستعادة النظام الإيكولوجي. من أجل أن تسترد الأرض عافيتها.
تهديدات التغيرات المناخية
بحسب تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2016، كشف آنذاك تخطي نسب التلوث في مصر المؤشرات الدولية بمعدل 7 أضعاف. وذلك نتيجة لكثرة المخلفات وعوادم المصانع والسيارات وغيرها من ملوثات البيئة. كما تحتل محافظة القاهرة المركز الـ 34 في قائمة “أكثر مدن العالم تلوثاً”.
“التغيرات المناخية الحادة تهدد الكثير من دول المنطقة” يقول الدكتور محمد علي فهيم، مدير مركز تغير المناخ بوزارة الزراعة، في تصريحات سابقة له.
وحذر فهيم، من انتشار ظاهرة التصحر في الأماكن المكشوفة بمصر خاصة في المناطق الحدودية المتمثلة في النقاط الفاصلة بين الوادي والدلتا وبين الصحراء. التي تتراوح مساحتها بين 2 إلى 2.5 مليون فدان من إجمالي 8.4 مليون فدان. وتسببت في تهديد محاصيل استراتيجية مثل الزيتون والمانجو التي تقلصت إنتاجيتهما بنسبة 50% لزراعتهما في الأماكن المكشوفة.
وأضاف، فهيم، أنه من الضروري العمل على تكثيف مصدات الرياح وهي عبارة عن حواجز نباتية من الأشجار دائمة الخضرة القابلة للتقليم. حيث تقلل من حدة الرياح قبل وصولها إلى الحقول- التي تحمي المحاصيل من موجات الرياح العنيفة. خاصة في منطقة الصعيد التي أضرت بمساحات من محصول القطن.
والمعدلات العالمية للمساحات الخضراء كمنتج أكسجيني لنصيب الفرد تتمثل في 15 مترا مربعا. أما نصيب الفرد في مصر يتمثل في 1.2 متر مربع للفرد نظرا للزحف العمراني والكثافة السكانية والأماكن العشوائية غير المخططة.
الشجر وامتصاص الكربون
وتقول ريهام رفعت الباحثة في مجال التغير المناخي، إن الشجر يساهم بشكل كبير في الحفاظ على البيئة والتغير المناخي. فالشجر الذي يبلغ عمره 50 عاما وأكثر يساهم في امتصاص 21 كيلو جرام من الكربون، وعدم تواجده يعني عدم التخلص من تلك النسبة.
ريهام رفعت: الشجر يعمل على تخفيف حدة أثار التغير المناخي على البيئة، والتكييف بزيادة الترطيب. كما يساهم في تقليل شدة الرياح فإذا كانت سرعة الرياح 30 كيلو متر (متوسطة الشدة). يساهم الشجر في توصيل من 25 إلى 20% من تلك الرياح.
كما تعمل على خفض قيمة التبخر وهو ما يزيد من إنتاجية المحاصيل الزراعية دون الحاجة إلى إنشاء صوبات مكلفة. فيما تساهم الأشجار في تنقيه الهواء والتخفيف من درجة الحرارة من 6 إلى 10 درجات مئوية، بحسب رفعت.
ارتفاع الحرارة يؤدي للوفاة
وأكد علماء جامعة موناش الأسترالية، أن درجات الحرارة الشاذة المرتفعة والمنخفضة، تتسبب في وفاة أكثر من خمسة ملايين إنسان سنويا.
ويشير الباحثون في مقال نشرته مجلة The Lancet Planetary Health، إلى أن عدد الوفيات بسبب ارتفاع درجات الحرارة الشاذة ازداد في العالم خلال أعوام 2000-2019. وخلال هذه الفترة ارتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار 0.24 درجة مئوية كل عشر سنوات.
وتفيد الإحصائيات الرسمية بأن 9.43% من مجموع الوفيات في العالم مرتبط بارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة. وللتوضيح أغلب هذه الوفيات سببها درجات الحرارة المنخفضة.
وشهدت مصر عام 2015، موجه حارة شاذة، أدت إلى وفاة 55 شخصا ومئات المصابين بالإجهاد الحراري، بحسب وزارة الصحة.
تحذيرات قمة المناخ.. لا عودة
وتشير الباحثة في تغير المناخ ريهام رفعت إلى تحذيرات العلماء خلال مؤتمر قمة المناخ. على أن المنطقة حاليا في مرحلة “اللا عودة” وذلك بسبب الأنشطة الإنسانية الدخيلة. مشيرة إلى أنه في حالة إزالة الأشجار والمساحات الخضراء لا يتم احتساب توابع ذلك الفعل، وهو ما يشير إلى سوء استغلال الموارد ولكننا نقوم باستخدامها بشكل خاطئ. كما تنصح باستخدام المواطنين للمياه لتخفيف الحرارة.