إثر انفجار خزان وقود، في مدينة عكار، شمال لبنان، مؤخراً. تسبب في مقتل 20 شخصاً، وأحدث مقاربة فورية مع حادث انفجار مرفأ بيروت، قبل عام، والأخير مرت الذكرى الأولى له الشهر الماضي، يبدو الواقع اللبناني غائماً وملغماً.
عن الواقع اللبناني ومتوالية الإخفاقات والأزمات التي يقع تحت وطأتها اللبنانيون. يتحدث الناشط في الحراك المدني باسل صالح لـ”مصر 360″.
حرب الطبقة الحاكمة
صالح اعتبر أن ما تشهده بلاده يمثل استكمالا لحرب الطبقة الحاكمة في لبنان على الناس والطبقات الشعبية والفقيرة والمعدومة واللاجئين والعمال غير اللبنانيين–على حد وصفه.
هذه الحرب تتخذ أشكالا مختلفة بحسب الناشط اللبناني، قائلا: بعد مرور عام على الانفجار الذي قوّض المرفأ ونصف بيروت. وأدى إلى إصابة ووفاة وتهجير آلاف الأشخاص. تحاول القوى السياسية الطائفية الإطاحة بالتحقيق من خلال حماية أزلامها من الرؤساء والنواب والوزراء بالحصانات من ناحية. وحماية الموظفين ورؤوس الأجهزة الأمنية، والعسكرية، وغيرهم من الموظفين المحسوبين عليها من ناحية ثانية.
انفجار عكار
ويرى صالح أن انفجار عكار الذي وقع ضحيته عشرات القتلى والجرحى، جاء حينما كانت قوّة من الجيش تصادر، وبشكل شعبوي، كمية مخبأة من الوقود، على يد محتكرين من تجار الأوليجاركية الحاكمة نفسها (نواب ومحسوبين على قوى سياسية متعارضة بالشكل). بغرض بيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية. أو تهريبها إلى سوريا، وحرمان المقيمين في لبنان، خصوصاً الطبقات الفقيرة، منها.
ويتابع: هذا الانفجار جاء بالتزامن مع الانهيار المستشري والمستمر وتردي سعر صرف الليرة مقابل الدولار في بلد يستورد حاجياته بأكملها من الخارج. والانهيار الذي يطال البنيان الاقتصادي والاجتماعي والأمني اللبناني. ونهب أموال المودعين. وممارسة الجريمة المنظمة والعشوائية، ما يزيد الوضع ضبابية وسوداوية، ويمعن في دفع البلاد إلى سيناريوهات خطرة وقاتمة.
مبادرة ماكرون
يتناول كذلك إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “عقد سياسي جديد”. معتبرا أن هذا الإعلان فتح شهية القوى السياسية للحديث عن مبادرات لإصلاح النظام. التي تقودها أطراف تقليدية، بعضها يسعى للالتزام بتطبيق اتفاق الطائف كمرجعية نهائية للحكم مثل فؤاد السنيورة، والبعض الآخر يقف على النقيض من ذلك كما هو الحال مع جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، بينما تراوغ العناصر المقربة من حزب الله، فيحاول البعض تعديل صيغة المناصفة إلى المثالثة.
وبرأي الناشط، فإن ماكرون والخارجية الفرنسية حاولا تعويم النظام، وأن الرئيس الفرنسي انقض عبر مبادرته. على المطالب الشعبية التي رفعتها الانتفاضة لناحية تأليف حكومة مستقلة من خارج الطاقم الحاكم بأكمله.
ويضيف: مبادرة ماكرون أعادت بعض النفس إلى النظام وقواه في لبنان. عندما تفاوضت معهم على أشلاء أهل بيروت بعد انفجار المرفأ، فأعادت محاولة تعويم النظام وقواه دوليًا لكن دون تحقيق أية نتيجة واقعية ملموسة، خصوصًا لناحية تأليف الحكومة”.
القوى السياسية تخطت مرحلة المحاصصة إلى تقاسم البلاد بشكل معلن
ساحة للصراع الدولي والإقليمي
وعن انعكاسات التأثيرات المتباينة للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة بلبنان، ومن بينها الدور التركي الذي تواجهه فرنسا. وتكبح امتداداته وتغوله مع تراجع وخفوت الدور الخليجي، ثم التنافس المحتدم بين إيران والولايات المتحدة على ملفات خارجية تبدو إحدى ساحاته لبنان. يقول صالح: فشل الدور الذي حاولت فرنسا تأديته. ولم يستطع ماكرون تحقيق أي انجاز يمكن أن يصرفه في التركيب السياسي الفرنسي الداخلي. بل لم ينل من القوى الطائفية اللبنانية، ولم يحقق معها أي تقدم ملموس، فأظهرت نتائج الفشل، وبشكل علني، أن عدد اللاعبين الدوليين الذين ينشطون في لبنان لا تعنيهم مثل هذه المبادرة.
ويتابع: كما أظهرت المبادرة الفرنسية أن نقطة ارتكاز النظام وقوته الضاربة. أي حزب الله، يمعن في موضعة لبنان داخل المحور الإيراني ليستخدمه صندوق بريد إلى الدول المعنية بالمفاوضات المتعلقة بملفها النووي. على منوال ما جرى منذ أسبوعين حين تم إطلاق عدة صواريخ من داخل الأراضي اللبنانية إلى الأراضي المحتلة. فعلى الرغم من الطابع العدواني لدولة الاحتلال، إلا أن لحظة إطلاق الصواريخ، وبسياقها، لم تكن تخدم إلا إيران في لحظة تعثرها في ملف المفاوضات.
وزاد: القوى السياسية اللبنانية، والدول التي تدعمها من خلفها، تنشط على الساحة اللبنانية بهدف تحقيق المكاسب. وناهيك أيضًا أن جل تلك القوى الدولية، وعلى رأسها إيران، وإن فكرت في عقد صفقة مربحة لها في لبنان وفي غيره من المناطق. فهي على يقين أنها ستكون مع الأميركي ولا أحد سواه.
يتحدث أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية عن تباين فرنسي أميركي حول لبنان، قائلا: هذا الانكباب الذي حاولت فرنسا ترجمته بنتائج عملية، لم يحقق أي تقدم. ومن الواضح أن العرقلة في تشكيل الحكومة ليست من طرف واحد، بل من أطراف مختلفة لم تستوِ الصفقة في المنطقة لهم بعد، وعلى رأسهم إيران والولايات المتحدة”.
تقاسم يتخطى المحاصصة
انتقلت لبنان من ممارسة المحاصصة إلى محاولة تقاسم البلاد بحسب طالح”. الذي يقول: أعادت المبادرة الفرنسية شهية القوى السياسية إلى تقاسم البلاد بشكل علني. وليس ممارسة المحاصصة بشكل غير مباشر كما حدث خلال تأليف حكومة الانقلاب على الانتفاضة، أي حكومة اللون الواحد التي شكلها حزب الله والتيار الوطني الحر، وبالتواطؤ مع الأطراف الأخرى التي أمّنت لهم نصاب منح الثقة على أجساد الرافضين، أعني حكومة حسان دياب.
يرى صالح أن القوى السياسية المختلفة ذهبت أبعد من مسألة التحاصص. بل استعادت المبادرة بشكل شبه تام. فعدنا إلى سماع الطروحات السياسية التي حكمت الديناميك السياسي ما قبل الانهيار. إذ عاد كل طرف إلى المطالبة بمشروعه القديم الجديد، ليس ابتداءً من الفيدرالية، ولا انتهاءً بالمثالثة، مرورًا بالدولة المدنية وبإعادة تعويم اتفاق الطائف. وزاد: بعض القوى التي حاولت أن تهيمن على الانتفاضة، رأيناها تنادي بإصلاح النظام، أي بإعادة تعويمه من خلال حصر شعاراتها بمطلب الانتخابات النيابية المبكرة. هذا في ظل غياب أي مشروع تغييري مستقل مواجه ترفعه مجموعات وقوى الانتفاضة. باستثناء بعض العناوين العريضة والجبهات السياسية المتشكلة من هنا وهناك. التي لم تحقق أي تقدم يُذكر إلا في انتخابات نقابة المهندسين حين هزمت أحزاب السلطة بأكملها.
لبنان فقد دوره الإقليمي في المنطقة، بعد الشروع في مشاريع التطبيع. فلبنان المصرف والمرفأ والسياحة والمستشفى انتهى.
ويتهم في حواره معنا القوى الحاكمة في لبنان بمحاولة صناعة المستحيل لكي تعيد عقارب الساعة إلى الخلف. أي إلى ما قبل انتفاضة 17 تشرين. والتعامي عن مشكلة أساسية وهي عدم إمكانية إعادة انتاج النظام، وعدم إمكانية العودة إلى الصيغ المختلفة التي كانت سائدة والتي تتعدل شكليًا، أي تغيير القوة الضاربة التي تمثّل نقطة الارتكاز والتكثيف الطائفية داخل النظام.
لبنان يفقد دوره الإقليمي
وحول إمكانية توصيف أزمة لبنان بأنها “طائفية”. أم أن هذه الصفة فقدت صلاحيتها، وبالأحرى كانت تؤدي دوراً وظيفياً، مؤقتاً. يؤكد الناشط اللبناني أن المشكلة التي تغفل تلك القوى السياسية الطائفية عنها هي مشكلة النظام البنيوية، وتجلياتها في المشكلة الطائفية في شكل الدولة.
ويتابع: لبنان فقد دوره الإقليمي في المنطقة، بعد الشروع في مشاريع التطبيع. فلبنان المصرف والمرفأ والسياحة والمستشفى انتهى. بعد أن نهبت القوى السياسية الحاكمة كل مقوماته. كما أن الصيغ الطائفية المختلفة وصلت إلى النهاية، فبعد أن جربت كافة القوى الهيمنة. انتهت بنتائج أسوأ وبدولة أكثر انهيارًا، وصولًا إلى هيمنة حزب الله بالتحالف مع التيار الوطني الحر ورئيس البلاد على الجمهورية الآن، وهو تجل واضح للحظة احتلال بيروت في 7 مايو عام 2008″.
لبنان وصلت إلى مرحلة هيمنة حزب الله بالتحالف مع التيار الوطني الحر ورئيس البلاد على الجمهورية، كتجل للحظة احتلال بيروت في 7 مايو عام 2008.
الحل في اللا مركزية
وهذا ما لم تتلقفه قوى السلطة، وفقاً لـ”صالح”. الذي يقول: ككل سلطة، لا تسمع سوى خطابها، ولا تردد إلا كلامها، ولا تقتنع إلا بمقارباتها التي تمنعها من رؤية أن طبيعة الدولة الطائفية المركزية نفسها هي التي انهارت بشكل يحسم أن هذا النوع من الانتظام المركزي الطائفي لم يعد يجد أي خبزًا له في لبنان. بل لا بد من الذهاب إلى عناوين مختلفة، وإلى شكل من أشكال اللامركزية بالتوازي مع العلمنة والحريات والمساواة في القوانين، وبصيغة من العدالة الاجتماعية تعيد للناس حقوقها وامكانياتها وتحمي فرصها.
الحل في اعتماد سياسات تربوية واقتصادية منتجة. تنقل لبنان من دولة استهلاكية خدماتية إلى دولة لها مرتكزات ومقومات اقتصادية وزراعية تكفي أسواقها الداخلية
وتابع: فوق كل هذه الأمور وغيرها اعتماد سياسات تربوية واقتصادية منتجة. تنقل لبنان من دولة استهلاكية خدماتية إلى دولة لها مرتكزات ومقومات اقتصادية وزراعية تكفي أسواقها الداخلية، وتخفف الاستيراد والاعتماد على الخارج إلى الحد الأدنى، وهذا أيضا ما لم تتلقفه الكثير من القوى الخارجية أيضًا، وعلى رأسهم فرنسا. إذ إن أية تسوية جديدة، وبعد الأخذ بعين الاعتبار كل ما تكلمنا عنه، هي تسوية ساقطة بالضرورة. وسيرفضها الشعب اللبناني عاجلًا أم آجلًا. لأنها ستذهب بالبلاد إلى وضع أخطر بكثير. خاصة وأن كافة المحاولات لمنح الأموال لحكومة تعمل بالذهنية ذاتها، ومتشكلة من القوى ذاتها، هي امعان في الانهيار.
واختتم صالح: القوى التي هي أساس المشكلة لا يمكنها أن تكون جزءا من الحل. كما إن إرسال الأموال لاستثمارها في مشاريع بنى تحتية. على شاكلة مؤتمر سيدر وغيره من المؤتمرات السابقة. تفتح شهية قوة السلطة لعقد صفقاتها، بشكل تحاصصي. هو أبعد ما يكون عن محاولة الإصلاح الفعلية والمنشودة التي يتطلع إليها اللبنانيون.