أكدت منظمة القسط لحقوق الانسان أن السلطات السعودية اعتقلت الناشط عبدالله المباركي في أواخر يوليو الماضي، والمختفي قسرياً منذ ذلك الحين.
ووفقا للقسط اُعتقل المباركي، 44 عامًا، من قبل موظفين يُعتقد أنّهم ينتمون لجهاز المباحث السعودي، الذي يتبع قوات أمن الدولة، بعد مداهمة منزله في مدينة ينبع.
واقتيد بعدها إلى مكان مجهول، وانقطع تواصله بأسرته حتى الساعة، لا يزال مصيره ومكان وجوده مجهولين.
كما لم تعرف أسباب هذه الإجراءات، وإن بدى أن اعتقاله متعلق بنشاطه السلمي على شبكات التواصل الاجتماعي ومطالبته بالحقوق السياسية والمدنية.
الإخفاء القسري..سياسة ممنهجة
وتقول المنظمة إن ممارسة الإخفاء القسري جزء من منهج أوسع يبدأ بالاعتقال التعسفي، يتبعه فترة تطول أو تقصر من الإخفاء القسري وبعدها يظهر المعتقل عند محاكمته، ما يعني أن أغلب المعتقلين في المملكة يمرون بفترات إخفاء قسري. وفي حالات معينة يستمر الإخفاء القسري لفترات طويلة جدًّا، ما يبعث بالقلق حول سلامة ومصير الضحية.
وفي الأشهر الأخيرة طالت حملة الاعتقالات، التي تمثل اختفاء قسرياً، أسماء أخرى منهم الطبيبة لينا الشريف، والمغرد عبدالله جيلان، نتيجة ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي سلميًّا على شبكات التواصل الاجتماعي.
من جانب آخر، وردت للقسط معلومات حول تزايد مستمر للمساعي الانتقامية الممنهجة من السلطات السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السلميين، منها محاولة السلطات السعودية تعريض حياة نشطاء بارزين يقضون محكوميات طويلة بالسجن للخطر، منهم خالد العمير ومحمد القحطاني.
محاولات قتل النشطاء
في السياق ذاته، أشارت المنظمة الحقوقية إلى محاولة قتل تعرض لها الناشط الحقوقي خالد العمير، الذي اعتقل على خلفية نشاطه السلمي بدعاوى منها إطلاق وسم “الشعب يريد دستورًا جديدًا”، وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، ومثلها منع من السفر.
وحسب ما وصل للقسط، تعرض العمير لمحاولة قتل من سجين آخر رغم عدم احتكاكه أو معرفته بهذا السجين من قبل، وذلك في يوم 30 يوليو الماضي، ليختفي ذاك السجين عن الأنظار، فلم يرهُ مجددًا.
وعليه دعت القسط للتحقيق في الحادثة، خاصة وأن السجن به كاميرات مراقبة، تستطيع الجهات المسؤولة منها اكتشاف ملابسات الاعتداء.
وازداد الوضع الصحي للعمير سوءًا بسبب الإهمال الطبي المتعمد، حيث تضاعفت لديه أعراض الضيق في التنفس وغيرها من الأمراض.
الإهمال الطبي المتعمد
كما سبق وأن أوردت القسط أنّ المعتقل الراحل في شهر مايو الماضي، زهير علي شريدة، تعرض للإهمال الطبي مع إصابته بفيروس كوفيد-19، دون أن تتضح ملابسات وفاته حتى الآن.
آنذاك فاجأت السلطات عائلته باتصال هاتفي يطلب منهم تسلم جثمانه، دون إعطاء أي توضيحات، والشريدة، الذي اعتقل على خلفية تغريدات نشرها، شاركَ في إضراب مع مجموعة من السجناء منهم محمد القحطاني وعيسى النخيفي، احتجاجًا على الأحكام القاسية ضدهم، وأعلن قبل وفاته عن نيته بالدخول في إضراب آخر.
وفي الإطار نفسه، تعرض المدافع عن حقوق الإنسان المعتقل محمد القحطاني للإهمال الطبي المتعمد، حيث أصيب هو الآخر بفيروس كوفيد-19 في نفس فترة وفاة شريدة، دون أن تخطره إدارة السجن بهذه الإصابة.
ولا زال القحطاني محتجزًا في عنبر خاص بسجناء الأمراض النفسية، رغم مطالبته المتكررة لسلطات السجن بنقله، ودخوله في أكثر من إضراب عن الطعام احتجاجًا على سوء المعاملة وعلى عدم تجاوب السلطات مع مطالبة بإخراجه من هذا العنبر ووضع حد لحرمانه من الكتب.
وقد دخل في إضراب يوم 9 أغسطس 2021 لينهيه يوم 12 أغسطس مع وعودٍ قدمتها إدارة السجن بالنظر في مطالبه، ليعاود الإضراب مرةً أخرى يوم 15 أغسطس عندما لم يتمخض عن هذه الوعود أي تصحيح لأوضاعه.
وفي واقعة أخرى أوردتها القسط تسبب أحد المرضى النفسيين بإشعال حريق في الجناح الذي يحتجز فيه القحطاني، واستطاعت إدارة السجن لاحقًا تداركه وإطفائه.
كما لا زالت حادثة الإهمال الطبي المتعمد التي أدت إلى وفاة الحقوقي الرائد والعضو المؤسس في جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم” عبد الله الحامد في أبريل من العام الماضي، تثير الكثير من المخاوف من نوايا السلطات في السعودية إلى ممارسة النهج نفسه مع حقوقيين آخرين على حد قول القسط.
خاصة بعد تجاهل السلطات حاجته إلى إجراء عملية جراحية بسبب تزايد تداعيات حالته الصحية وتهديد السلطات له بقطع أي اتصال له بعائلته في حالة إخباره لهم عن وضعه الصحي.
وعلق المدير المكلف لمنظمة القسط، نبهان الحنشي: “تعامل السلطات السعودية يدل على نية مبيتة في الانتقام من النشطاء في السجون، ونحن قلقون على صحة وسلامتهم، ونخاف من تكرر حالات الإهمال الطبي وغيرها من الممارسات التي قد تزيد من أوضاعهم سوءًا أو تهدد سلامتهم وحياتهم، وعلى السلطات التحقيق فورًا في محاولة قتل العمير، والكشف عن ملابسات وفاة زهير شريدة، وضمان سلامة السجناء وصحتهم”.
ودعت القسط السلطات السعودية للسماح للمراقبين الدوليين المستقلين بالوصول إلى منشآت الاحتجاز من أجل تقييم أوضاع السجون وضمان سلامة السجناء، دون قيود أو رقابة منها على تقييمهم.
اضطهاد الحقوقيين بشكل مكثف
ومطلع الشهر الجاري، قالت منظمة العفو الدولية، إن السلطات السعودية كثفت بشكل سافر اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، وصعدت عمليات الإعدام على مدى الأشهر الستة الماضية، بعد هدوء في إجراء محاكمات النشطاء، وتراجع حاد في استخدام عقوبة الإعدام خلال رئاسة السعودية لمجموعة العشرين العام الماضي.
ووثّق التقرير قيام السلطات، منذ أن سلّمت السعودية رئاسة مجموعة العشرين، بمحاكمة ما لا يقل عن 13 شخصاً أو إصدار أحكام أو التصديق على أحكام بحقهم، في أعقاب محاكمات بالغة الجور من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة.
وذلك بعد انخفاض بنسبة 85% في عمليات الإعدام المسجلة في عام 2020، فتم إعدام ما لا يقل عن 40 شخصاً، بين يناير، ويوليو عام 2021 أي أكثر من عام 2020 بكامله.
وذلك بالرغم من تعهد ولي العهد محمد بن سلمان في فبراير الماضي بأن تعتمد السعودية قوانين جديدة، وأن تصلح القوانين القائمة “التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان”. وحدد خططاً لمعالجة أربعة قوانين رئيسية: نظام الأحوال الشخصية، نظام المعاملات المدنية، النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، وحتى الآن لم تنشر السلطات بعد أي معلومات عن أثر هذه الإصلاحات الموعودة.
ويقبع حالياً ما لا يقل عن 39 شخصاً خلف القضبان بسبب نشاطهم أو عملهم في مجال حقوق الإنسان، أو التعبير عن المعارضة في السعودية، وذلك، وفقاً لبحوث منظمة العفو الدولية.