أثارت قضية حنين حسام ومودة الأدهم جدلا واسعا في المجتمع عن استخدام السوشيال ميديا وصناعة محتوى عبر الإنترنت خاصة بعد الأحكام الصادرة ضدهن. وبعد قراءة في أوراق القضية ومراقبة جلسات المحاكمة ومراجعة الفيديوهات محل التحقيق. ودراسة حيثيات الأحكام الصادرة. أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم “دليل السائلين عن قضية مودة وحنين: تقرير بشأن الأحكام المشددة ضد صانعات المحتوى على الإنترنت بتهمة الاتجار بالبشر”.
يعرض التقرير تعليق المبادرة على الأحكام الأخيرة الصادرة بحق كل من حنين حسام ومودة الأدهم، صانعتي المحتوى المؤثرتين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومتهمين آخرين.
ورأى التقرير أن القضية تأتي ضمن سياق أوسع من ملاحقة صانعات المحتوى على الإنترنت -وخاصة على تطبيق تيك توك- والتي بدأت بالقبض على حنين حسام في أبريل ٢٠٢٠، ومازالت مستمرة. حيث توجيه اتهامات لأكثر من ١٥ امرأة وفتاة على خلفية محتوى نشرنه على الإنترنت. وخاصة على تطبيق تيك توك، وتم توجيه اتهام “التعدي على قيم الأسرة” في كل القضايا التي أحيلت للمحاكمة عقب إلقاء القبض عليهن.
استهداف نساء الطبقات الفقيرة
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن النمط الواضح في هذه القضايا هو استهداف شابات من خلفيات اجتماعية فقيرة أو متوسطة يقدمن محتوى لا يختلف كثيرًا عن محتوى من نساء من طبقات أخرى على الإنترنت ويستمر حتى يومنا هذا بلا ذعر من النيابة. ولكن الذعر من محتوى هؤلاء النساء من تلك الطبقات واحتمالية تربحهن منه فتحا الباب أمام نمط جديد. ترسم فيه النيابة لنفسها دورًا مستحدثًا لتنظيم الحياة الخاصة والملبس والتعبير على الإنترنت طبقًا لما تراه النيابة قيمًا وأخلاقًا.
وأضافت أن هذا النمط يرتكز بصورة أساسية على فرض أنماط محددة من السلوك والملبس على النساء والفتيات بشكل خاص. وبانحياز طبقي واضح يمنع الفقيرات منهن مما يسمح به لمن ينتمين لطبقات أكثر رفاهية، وخاصة على الإنترنت. وبذلك فتحت النيابة لنفسها مساحة جديدة لضبط ما أسمته “الأمن القومي الاجتماعي” والذي تبدو بشائره في قضايا نساء تيك توك منذ العام الماضي وحتى الآن.
نمط جديد يجرم التعبير على الإنترنت
واعتبر التقرير قضية حنين ومودة الأولى والتي بدأت أحداثها في أبريل ٢٠٢٠ كانت بداية نمط جديد لتوجه من النيابة العامة لتجريم أشكال من التعبير على الإنترنت بناءً على معايير أخلاقية غير محددة من قبل النيابة ولا القانون.
ويتناول التقرير بالوصف والتحليل دقة الاتهامات التي وجهت للمتهمين وحكم محكمة الجنايات بخصوصها. كما يسعى للإجابة عن أهم الأسئلة التي طُرحت في النقاشات العامة في الآونة الأخيرة. مثل هل هناك عمل بالجنس أو تشجيع على العمل بالجنس في القضية؟ هل هناك استغلال جنسي للأطفال؟ وما هي الأفعال التي يمكن تعريفها كاستغلال مادي للأطفال؟ ما هو الاتجار بالبشر وهل تتحقق أركانه في تلك القضية؟ وهل هن مرتكبات له أو ضحايا له؟
كما تحدث التقرير عن تطبيق لايكي والشركة المالكة له ولماذا اختفت أسماء مديري الشركة من قائمة المتهمين بعد بداية التحقيقات؟ وكيف تتكسب شابات في مقتبل العمر عمومًا من الإنترنت؟
كانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت في يونيو الماضي حكمًا بالسجن ست سنوات حضوريًا لمودة الأدهم وثلاثة آخرين وعشر سنوات غيابيًا على حنين حسام. وغرامة ٢٠٠ ألف جنيه مصري لكل من المتهمين الخمسة، بعدما اتهمتهم النيابة باستغلال أطفال والاتجار بالبشر. بناءً على مواد من قانون العقوبات وقانون الطفل وقانون الاتجار بالبشر، وذلك في القضية رقم ٤٩١٧ لسنة ٢٠٢٠ محكمة جنايات الساحل والمقيدة برقم 2106 لسنة 2020 كلي شمال القاهرة.
انتهاك حقوق النساء والحريات الشخصية
وتؤكد المبادرة المصرية على أن استخدام اتهامات الاتجار في البشر واستغلال الأطفال في غير محلها. كما هو الحال في تلك القضية، يفقد تلك الاتهامات الخطيرة جديتها، ويحولها لمصدر إضافي لانتهاك حقوق النساء والحريات الشخصية وحرية التعبير على الإنترنت.
في يوم ٢١ يونيو ٢٠٢١ أصدرت إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة حكمًا بالسجن عشر سنوات غيابيًا ضد حنين حسام، وست سنوات حضوريًا ضد مودة الأدهم. وهما اثنتان من مستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي المؤثرات (Influencers)، وذلك بتهم الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال وتحريضهم على الانحراف. كما شمل الحكم السجن ٦ سنوات حضوريًا لثلاثة أشخاص آخرين، وغرامة ٢٠٠ ألف جنيه لكل من المتهمين الخمسة.
وفي نهاية يوليو ٢٠٢١، أصدرت المحكمة حيثيات حكمها، والتي جاءت لترسم صورة مفزعة لعصابة للاتجار بالبشر، تسعى عبرها شركات صينية. من خلال مجموعة من العاملين بها من المصريين كوسيط، وباستخدام مؤثرات مثل حنين ومودة، إلى اجتذاب الفتيات. بما أسمته تحريات الأمن وحيثيات الحكم أدوات “تحوي في طياتها بطريقة مستترة دعوة للتحريض على الفسق والإغراء بالدعارة”.
تهم التعدي على قيم الأسرة
قال التقرير إن “الأدلة” -التي يفترض بها إثبات استغلال القاصرين أو البالغين- تلخصت في مجموعة من الفيديوهات التي نشرتها علنًا كل من حنين حسام ومودة الأدهم. على حساباتهما على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي اطلع عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وتظهران فيها وهما ترقصان مع طفل أو طفلة بشكل لا يحتوي أي إشارات جنسية من أي نوع.
وأضاف التقرير أن حكم محكمة جنايات القاهرة جاء كتطور صادم لمراقبي أوضاع حقوق النساء والحريات الشخصية والحريات المتعلقة باستخدام الإنترنت في مصر وخارجها. فتوجيه اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال يظهر كانتقام مباشر من هؤلاء المؤثرات. بعدما كانت محكمة أخرى قد برأت حنين وألغت حبس مودة في تهمة “التعدي على قيم الأسرة” فيما يخص نفس الأفعال التي حكمت محكمة الجنايات بسجنهما المشدد عليها.
وأوضح التقرير أن محكمة الجنح الاقتصادية المستأنفة في ١٢ يناير ٢٠٢١ -أي قبل سنة أشهر فقط من صدور حكم الجنايات المشدد- كانت قد حكمت ببراءة حنين حسام وإلغاء عقوبة الحبس على مودة الأدهم بشأن نفس الأفعال وبالاستناد إلى نفس التحريات وأغلب الأدلة المقدمة لاحقًا في محاكمة الاتجار. وانتهى حكم المحكمة الاقتصادية إلى عدم وجود أي دليل على استدراج أي نساء أو فتيات للعمل بأي نشاط جنسي من أي نوع. بل ذكر الحكم بوضوح أن حنين حسام تحديدًا كانت تدعو لعمل شرعي كوكيلة لشركة بيجو المالكة لتطبيق لايكي.
أحكام لا تستند للقانون
وأشار التقرير إلى أن النيابة العامة -فور صدور أحكام البراءة والتخفيف في تهم “الاعتداء على قيام الأسرة”- أمرت بحبس نفس المتهمين جميعًا. احتياطيًا باستخدام مواد اتهام متعددة من قانون مكافحة الاتجار بالبشر (القانون رقم ٦٤ لعام ٢٠١٠). وقانون الطفل (رقم ١٢ لعام ١٩٩٦ والمعدل برقم ١٢٦ لعام ٢٠٠٨)، وقانون العقوبات. ويوم ١١ مارس ٢٠٢١، أحالتهم جميعًا للمحاكمة أمام محكمة جنايات جنوب القاهرة ليخضعوا لمحاكمة جديدة. بشأن نفس الأفعال وبموجب نفس التحريات والأدلة ولكن بتهم جديدة أمام محكمة مختلفة، وهي المحاكمة التي انتهت بأحكام السجن المشددة.
وقال التقرير “جاءت المحاكمة الجديدة بتهم الاتجار وأحكام الإدانة شديدة القسوة الصادرة عنها لتثير المخاوف مجددًا من خلو القضية بأي شكل من الأشكال من أي أدلة مادية ملموسة على ممارسة المخالفات التي يعاقب عليها قانون مكافحة الاتجار بالبشر؛ بل إن الحكم لا يبدو معنيًا بنصوص المواد القانونية محل الاتهام من الأساس”.
وأضاف أن حيثيات الحكم تثير المخاوف من استخدام القضاء في فرض أحكام أخلاقية شخصية على النساء بسبب ملبسهن أو طريقة استخدامهن للإنترنت كمنصة للترفيه أو الربح. وهي أنشطة كلها مشروعة في حد ذاتها ويمارسها الكثير من “المؤثرين الاجتماعيين” داخل مصر وخارجها. موضحا أن استخدام اتهامات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في غير محلها من أجل “تأديب” النساء أدى إلى إثارة الرأي العام وتضليله وإخفاء طبيعة تلك المحاكمات والتي لا تعدو كونها محاكم تفتيش أخلاقية لهؤلاء النساء في التحليل الأخير.
تأثيرات سلبية
ورأى التقرير أن هذه الاتهامات لها تأثير شديد السلبية على التعامل المجتمعي مع مثل تلك الاتهامات، حيث يقلل من ثقل تلك الأفعال الخطرة في عين الرأي العام. وهو ما يتعارض بدوره مع جهود تبذلها الدولة بالتعاون من منظمات دولية ومحلية للتوعية بجرائم الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.
نهاية عام ٢٠١٩ على وجه التقريب كانت بداية مشاركة بعض مستخدمي منصات فسبوك ويوتيوب فيديوهات حنين ومودة على تلك المنصات. معبرين عن سخريتهم أو غضبهم من المحتوى. وفي الربع الثاني من 2020 زاد عدد مستخدمي تطبيق تيك توك بشكل كبير بسبب إجراءات كوفيد-19 الوقائية. والتي انتهت بقضاء عدد كبير من المواطنين وقتًا أكبر بمنازلهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بالتبعية. كما تغيرت تركيبة مستخدمي التيك توك، فبدأ في استخدامه بعض من مشاهير الصف الأول في مجالات السينما والغناء. وبدأت فيديوهات قدامى مشاهير التيك توك في الانتشار على المنصات الأخرى. بالأساس كمادة للسخرية من صانعيها وخلفياتهم الطبقية والتعليمية، مع التهكم على صغر أعمار مستخدمي تيك توك مقارنة بالمنصات الأخرى. وانتشر بشكل خاص فيديو لحنين حسام تستخدم فيه اللغة الإنجليزية بشكل خاطئ وأصبحت حنين هدفًا دائمًا للسخرية عبر تلك المواقع.