لم يتوقف الأنبا دانييل أسقف الكنيسة القبطية بسيدني عن إثارة الأزمات طوال السنوات العشرة الماضية، مرة مالية، وأخرى روحانية، والغريب أن الرجل رغم مشاكله الكثيرة لا يزال محتفظا بمنصبه حتى وقتنا هذا.
فلا عجب من سماع أخبار خضوعه لتحقيقات شرطية بعد أن تلقت الحكومة الأسترالية شكاوى من الأقباط تتهمه فيها بالاستيلاء على ممتلكات الكنيسة القبطية، حيث سجل أملاك الكنيسة باسمه وتصرف فيها بمعرفته وذلك وفقا لما كشفته صحيفة سيدني مورنينج هيرالد الأسترالية، وهي الأزمة التي تسببت في إيقافه عن الخدمة لثاني مرة في تاريخه وذلك منذ عام ٢٠١٩ .
وسبق وأن تم استبعاد الأنبا دانييل من إدارة شئون الكنيسة في عصر البابا شنودة الثالث، حينما عُرضت المخالفات المالية والإدارية والروحية على البطريرك الراحل الذى اتخذ قرارا باستدعاء الأسقف للقاهرة وأخضعه للتأديب والعزل وقضى عقوبته في مصر ما بين أعوام 2009 وحتى 2012.
لكن رحيل البابا شنودة دفع الأسقف المبعد إلى التقدم بطلب إلى الأنبا باخوميوس قائم مقام الكنيسة آنذاك يطلب فيه عودته للخدمة، فكان له ذلك بعد مباحثات مع شعب الكنيسة في أستراليا، وبعد موافقة المجمع المقدس إلى أن تجددت الأزمات مرة أخرى عام 2018.
لا يسمح القانون الكنسي القبطي بإقالة الأساقفة من مناصبهم فالأسقف متزوج من إيبراشيته ولا يبرحها حتى وفاته، غير أن الأزمات الإدارية استلزمت اللجوء إلى حل بديل وهو تكليف نائب باباوي لإدارة الكنائس مع إبعاد الأسقف المعاقب دون أن يتخلى عن رتبته الكهنوتية، ومن ثم كلف البابا تواضروس الأنبا تادرس مطران بورسعيد بالإشراف على تلك الإيبراشية.
إبعاد أسقف سيدني عن منصبه الرعوي لا يجعله بعيدًا عن سلطة الشرطة الأسترالية، فهو مواطن استرالي أمام القانون، ومن تقدم ببلاغات ضده مواطنون أيضًا من رعايا الكنيسة القبطية بالمهجر. حيث تنتشر الكنيسة في ٦٢ دولة حول العالم من بينها أستراليا وهو التوجه الذي بدأه البابا كيرلس السادس في الستينات حين لاحظ التوسع في هجرة الأقباط فأسس كنائس مصرية في دول المهجر ترعاهم روحيًا وتحفظ إيمانهم الأرثوذكسي وهويتهم القبطية.
وفي وقت سابق كشفت منظمة العدل والتنمية، المهتمة بشئون أقباط المهجر، عن قيام المقدس دانييل بإصدار قرارات تعسفية وإقامة ما يشبه بمحاكم التفتيش بقطع وحرمان بعض الشخصيات الكنسية بسبب تدميرهما لسمعتها فى سيدنى.
وجاء في تقرير المنظمة أن اسقف سيدنى تفرغ لمراقبة تغريدات أقباط الإيبارشية فى مواقع التواصل الاجتماعى وتهديد كل من يشارك الأخبار الخاصة بالفساد المالي والإداري لإبرشية المقدس دانييل، وكذلك التجاوزات التى يقوم بها بعض كهنة الكنيسة فى سيدنى.
تواضروس يبحث عن حل
لم تكن أزمة إيبراشية سيدني التي تصاعدت أمس بعيدة عن أروقة الكاتدرائية، فقد ظل البابا تواضروس مشغولا بالوصول إلى حل منذ عام 2018 وحتى العام الماضي حين أوقف الانبا دانييل عن مهامه الرعوية والإدارية، وأسند المهمة للأنبا تادرس مطران بورسعيد الذى تواصل مع الحكومة الأسترالية عبر لجنة قانونية لحل تلك المعضلة حيث كشفت صحيفة مورنينج هيرالد الاسترالية أن الأنبا دانييل تورط في قروض من البنوك وعمليات بيع وشراء لممتلكات الكنيسة باعتباره الوصي الوحيد عليها قبل أن يعمل الأنبا تادرس على تشكيل لجنة أوصياء بدلا من نظام الوصي الوحيد.
الأنبا تادرس الذى صار نائبا عن البابا تواضروس في إدارة إيبراشية سيدني عمل على تعديل دستور الإيبراشية وأصدر بيانا في ديسمبر من العام الماضي جاء فيه: “كما تعلمون، تم إجراء مراجعة شاملة لقانون ائتمان ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (نيو ساوث ويلز) لعام 1990 ودستور إيبارشية سيدني، وتم اقتراح التعديلات كجزء من عملية الإصلاح لتحسين الإدارة والوظيفة الإدارية لإيبارشيتنا، ويمكن لأعضاء الكنيسة الأقباط الأرثوذكس تقديم ملاحظاتهم على هذا الدستور الجديد وذلك قبل أن يجتمع بنجيب قلدس الممثل عن لجنة أوصياء الكنيسة”.
وأعلن الطرفان الاتفاق فيما بينهما فى عدد من النقاط ومنها مواصلة الحوار والتعاون المشترك والعمل على إصلاح والنهوض بإدارة الإيبارشية على أن تصبح الكلمة الأولى والأخيرة لقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية لكافة القرارات والتغيرات التى يسفر عنها أى إتفاق.
فيما أعلن البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية أمس على لسان متحدثه الرسمي أنه عقد اجتماعا مع الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس والأنبا تادرس مطران بورسعيد المشرف الحالي على إيبراشية سيدني لبحث الأزمة راجيا من الجميع التزام الهدوء حتى تعبر الأزمة بسلام.
بينما أوردت الصحيفة الأسترالية تصريحات على لسان روب تاسيل محامي الأسقف أكد فيها امتناع موكله عن التعليق على ما يجري مؤكدا أن الشرطة تتولى التحقيق. غير أن موكله يتمتع بسمعة طيبة في الكنيسة القبطية التي يخدم فيها كراع وأسقف منذ سنوات بعيدة، وسوف يتخذ الإجراءات القانونية التي تكفل له حماية سمعته ضد محاولات التشويه.
أزمة إيبراشية سيدني
من جانبه، يعتبر فؤاد نجيب، المؤرخ المتخصص في شئون الكنيسة، أن أزمة إيبراشية سيدني تعكس بجلاء ابتعاد الكنيسة عن نهجها في أحقية الشعب في اختيار من يعبر عنه، حيث لم يشارك أقباط أستراليا في اختيار الأسقف ومن ثم بدأت الأزمات بينهما بالإضافة إلى غياب الرقابة على الأساقفة كنسيا، الأمر الذى تسبب في تركز كل السلطات في يد الأسقف مما فجر الأزمة.
فيما كشف أحد الخدام بإيبراشية سيدني أن شعب كنائس أستراليا يطالب منذ عام 2008 باستبعاد الأنبا دانييل وتعيين أسقف بديل بسبب تلك المخالفات المالية والإدارية، إلا أن الكنيسة لم تستجب مما تسبب في انقسام بين مؤيدي الأسقف ومعارضيه ترتب عليه أزمات إدارية متلاحقة انتهت بخضوع الأسقف إلى تحقيقات الشرطة الأسترالية، وهو الأمر الذى يسيء إلى سمعة الكنيسة القبطية في أستراليا.