تتوجه الأنظار شطر العراق حيث تنعقد قمة بغداد بمشاركة مجموعة من الدول، تهدف إلى ترتيب أوراق الشرق الأوسط عبر تخفيف التوترات، وتعزيز الدور العراقي الإقليمي.
يحضر القمة مجموعة من دول المنطقة فضلا عن وجود غربي يمثله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأمير قطر تميم بن حمد. كما يترأس الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، وفد الإمارات، ويمثل رئيس الوزراء الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الكويت.
ويمثل السعودية وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، وتحضر إيران بقيادة وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، بالإضافة إلى وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، إضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتبر في كلمته، أن عقد مؤتمر الشراكة والتعاون في بغداد “بمثابة النصر للعراق”، وأضاف “ندعم سيادة العراق من أجل ضمان أمنه وندعم الشعب العراقي في مجال إعادة الإعمار، ومستمرون في الحرب على الإرهاب”.
قمة بغداد.. أهداف عراقية بحتة
ويأمل العراق من خلال المؤتمر في الحصول على دعم لاستعادة الاستقرار الأمني والاقتصادي واستعادة دوره الإقليمي الغائب منذ زمن بعيد، لإيصال رسالة أن حقبة الدولة الضعيفة التي يدوس عليها جيرانها بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، قد ولت، بحسب تعبير محللة سياسية عراقية لفرانس 24. إذ يلعب العراق منذ فترة دور الوسيط في عدد من الملفات الساخنة في المنطقة، كما أنه أحد المتأثرين بمشاهد الصراع في دول المنطقة.
ويتوقع العراق تحقيق اختراق في عدة ملفات على سبيل المثال مع تركيا، حيث هناك عدد من المسائل العالقة، التي ستتطرق إليها محادثات القمة مثل قضية سنجار، والقصف المتكرر للحدود العراقية، كذلك استكمال المصالحة الإيرانية السعودية التي تلعب فيها بغداد دورا مهما.
كما أن القمة تعيد بغداد إلى محيطها العربي، بعد أن كانت متهمة بالاختطاف من قبل إيران، ولفترات طويلة غاب الزعماء العرب عن العراق، لأسباب أمنية، وأخرى سياسية، وشابت التوترات علاقتها مع عدد من الدول الخليجية.
وتهدف القمة، وفق تصريحات رسمية، إلى العمل على تعزيز الشراكات والمشاريع مع الدول المشاركة في مؤتمر بغداد، كذلك إيجاد مساحة مشتركة للتفاهم بين المحور العربي والإقليمي حول العراق، وتقليص فجوة الخلاف بينهم.
“لا عودة للعلاقات المتوترة والحروب العبثية”
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إنه يرفض استخدام العراق ساحة لتصفية الصراعات، مشددا على أنه “لا عودة للعلاقات المتوترة والحروب العبثية”.
وقال الكاظمي، في كلمة بمناسبة انطلاق المؤتمر: “نرفض أن يكون العراق منطلقا للاعتداء على جيرانه وأن يستخدم لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية”.
ونحو المزيد من الاستقرار، ذكر رئيس الوزراء العراقي أن بلاده تطمح “في دعم كل الأطراف والجيران في ملف إعادة إعمار العراق”، مبرزا أنه تم قطع شوط كبير “في هذا المجال، خصوصا البنية التحتية التي تعرضت لأضرار كبيرة منذ عقود بسبب الحروب والسلاح والإرهاب”.
محاولات العراق لحل الخلافات الإقليمية
حتى الآن نجحت القمة في لقاء بعض الأضداد وفتح مجال للتوافق فيما بينهما، وفي هذا الصدد التقى الرئيس العراقي برهم صالح، كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في قمة ثلاثية مشتركة.
وهو اللقاء الذي أشار إليه مصدر عراقي في وقت سابق لوسائل إعلام، كوسيلة لتقريب وجهات النظر. حيث مرت العلاقات بين مصر وقطر بتوترات استمرت قرابة 8 سنوات، وتحديدا منذ عزل الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي، الذي كانت تدعم قطر حكومته.
واعتمدت كلا من مصر وقطر سفراء جدد بالبلدين خلال الشهرين الماضيين، ونقل وزيرا الخارجية رسائل متبادلة تحمل دعوات بتبادل الزيارات بين الرئيس المصري والأمير القطري، ما يعكس مدى تحسن مستوى العلاقة في الأشهر الأخيرة.
من ناحية أخرى، استمر التقارب الإماراتي القطري الجديد عبر عدد من التصريحات الإيجابية، والتقى الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات، بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، على هامش مشاركتهما في المؤتمر.
وعقب اللقاء، قال بن راشد في تغريدة على تويتر: “الأمير تميم شقيق وصديق.. والشعب القطري قرابة وصهر”. مضيفا: “المصير الخليجي واحد.. كان وسيبقى … حفظ الله شعوبنا وأدام أمنها واستقرارها ورخاءها”.
كانت الإمارات استقبت القمة بزيارة مستشارها الأمني طحنون بن زايد لأمير قطر في الدوحة، لتهدئة الأجواء والتأكيد على عودة العلاقات، وذلك بعد زيارة مماثلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إلى جانب ذلك، القمة تعد أول زيارة رسمية لأمير قطر للعراق، كما أن علاقات بلاده مع السعودية كانت محفوفة بالتوترات، وتحسنت العلاقات في الآونة الأخيرة منذ توقيع إعلان مع المملكة ودول الخليج العربي الأخرى لتخفيف الخلاف المستمر منذ سنوات أو مايعرف باتفاق العلا.
غياب بحريني وسوري
ولكن في الوقت نفسه تعقد القمة في غياب التمثيل البحريني نظرا لتوتر العلاقات منذ سنوات بين الطرفين، خاصة في ظل اتهام المنامة لبغداد بدعم مظاهرات الشيعة بها، كذلك غياب الطرف السوري أيضا عن اللقاء.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح علق على الغياب السوري بالقول “إن العراق لطالما دعا إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وأنها ستكون الغائب الحاضر في المؤتمر”.
الوسيط العراقي ..السعودية وإيران
تتزامن القمة مع انفراجة في العلاقات الدبلوماسية العراقية السعودية خلال الأسابيع الماضية، حيث جرت مناقشات أمنية بين الجانبين، ورشحت المملكة سفيرا غير مقيم لها في بغداد للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين.
وفي مقال منشور بصحيفة المونيتور الأمريكية، كتب الكاظمي: “يتشارك العراق والسعودية في العديد من المصالح المشتركة، حيث يشتركان في حدود 1000 كيلومتر ويواجهان تهديداً مشتركاً يمثله تنظيم داعش. كما أنهما يشتركان في المصالح الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى التاريخ المشترك. وعلى الرغم من هذه المصالح المشتركة، لم ينجح الجانبان في إقامة علاقات جيدة بعد أحداث 2003”.
“لقد أضاع البلدان الفرصة لبناء تعاون إقليمي في الحرب ضد الجماعات المتطرفة، التي لا ترى أنشطتها المدمرة أي فرق بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة” يضيف الكاظمي.
كما خلص في مقاله إلى: “مثلما يحافظ العراق على اتفاقيات تعاون أمني مع إيران والولايات المتحدة، رغم خلافاتهما. يمكنه إقامة علاقات إيجابية وتعاون مع السعودية”.
ولإرساء تلك العلاقات وضمان استقرارها تلعب العراق دور الوسيط في الخلاف الإيراني السعوي، والذي تؤثر مشكلاته على بغداد بعد أن تحولت إلى ساحة إقليمية للصراعات.
ويسعى العراق لرأب الصدع، واستغلال القمة لتقريب وجهة نظر الطرفين، وكان سياسي مقرب من رئيس الوزراء قال لوكالة رويترز إن العراق الذي استضاف اجتماعات خاصة بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في وقت سابق من العام الحالي تلقى “إشارات إيجابية” من طهران ودول الخليج تفيد باستعدادها لمزيد من المحادثات المباشرة.
وكانت الرياض وطهران بدأتا المباحثات المباشرة في أبريل لاحتواء التوترات، في ظل مخاوف الرياض من إحياء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، المحادثات النووية التي قد تفضي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على ايران.
ولكن السعودية أيضا قالت إنها تريد أفعالا يمكن التحقق منها من إيران، كما ان الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، سبق وأن صرح “بأن إيران ازدادت جرأة وإنها تتصرف بطريقة سلبية في الشرق الأوسط بما في ذلك اليمن ولبنان وفي بحار المنطقة”.
وعليه يشكك بعض المراقبين في جدوى هذه المحادثات على اعتبار أن الفجوة بين الفريقين واسعة، وعميقة، فيما يعول البعض الآخر عليها باعتبار أن الملعب السياسي قد تغير، مما يفرض على لاعبيه التنازل بقدر.
الدور المصري
تؤكد القمة كذلك على عودة العلاقات المصرية العراقية إلى مجاريها بعد أن شابها التوتر في أعقاب تغيير الاستراتيجيات في بغداد، والميل تجاه طهران،
وكان الجانب المصري أكد حرصه في أكثر من مناسبة على دعم عودة العراق لدوره الفاعل والمتوازن على المستوى الإقليمي، ولضمان أمنه واستقراره.
كما اأ الرئيس المصري أكد على ثقته في نجاح الدولة العراقية الكامل في الوفاء بالاستحقاق الانتخابي القادم، مشددا على أن مصر ستواصل دعم الحكومة العراقية في جهودها من أجل استقرار العراق واستعادة دوره الإقليمي الفاعل.
مشروع الشام الجديد
وكانت عقدت قمة مصغرة في يونيو الماضي سبقت مؤتمر بغداد، ضمت كل من القاهرة، وبغداد، وعمان. وهي القمة التي تصدرها مشروع “الشام الجديد”، بما يشمله من تعاون في مجالات اقتصادية واستثمارية بين الدول الثلاث، فضلا عن أنه مرشح لضم دول عربية أخرى.
وكان رئيس الوزراء العراقي أطلق تعبير “الشام الجديد”، لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة العام الماضي، وقال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركي إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحا أنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.
وتأسست فكرة مشروع الشام الجديد على هامش عدة مشروعات اقتصادية ضخمة، في مقدمتها تنشيط خط نفط من البصرة الذي يصل إلى سيناء المصرية، عبر الأراضي الأردنية.
كما أن المشروع يعتمد على الكتلة البشرية الضخمة لمصر، مقابل الثروة النفطية الضخمة التي يمتلكها العراق، وتنضم لهما الأردن بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط العراق بمصر.