أثارت رئيسة تنزانيا موجة من الانتقادات بعد قولها إن لاعبات كرة القدم في بلدها لديهن “صدور مسطحة” ولا يتمتعن بما يكفي من الجاذبية كي يتزوجن، ما اعتبره البعض إعادة لإنتاج ممارسات القهر ضد النساء.
للمفارقة فإن سامية حسن البالغة من العمر 61 عاما هي أول امرأة تتولى الرئاسة في تنزانيا. وسبق وأن صرحت بأن البعض شكك فيما إذا كان يجب أن تتولى المنصب لأنها امرأة.
وقالت: “حتى بعض العاملين في حكومتي تجاهلوني في بادئ الأمر باعتباري مجرد امرأة أخرى، ثم ما لبثوا أن تقبلوا قيادتي”.
عام 2013 أطلقت سيدة أمريكية حملة ترفض النسوية، وتعتبرها “حركة سامة” على اعتبار أن قبول سيطرة النظام الأبوي. وضع “طبيعي وضروري ولازم”، وانتشرت بصورة مكثفة تحت وسم “womenagainstfeminism” أو نساء ضد النسوية. كما ساندتها الكثير من النساء.
وفي أوائل القرن العشرين، ومع المطالبة بحق المرأة في التصويت، ظهرت حركات نسائية تناهض هذا الحق في عام 1908. وتعتبر أنه لا مكان لسيدة في مجال السياسة، وأن واجباتها تجاه المجتمع ستتأثر بمشاركتها.
أطلت علينا في مصر السيدة رقية أبو ستيت عبر شاشة إحدى الفضائيات المصرية لتنتقد مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية المثير للجدل.
قد تعتقد بأنها ستنتقد مواده التي تكبل حرية المرأة في الزواج بدون ولي، أو منعها من السفر، ولكنك ستفاجئ بأنها تهاجم القانون لأنه يفرض غرامة على الزوج في حال تزوج للمرة الثانية من دون إعلام زوجته الأولى.
والأمثلة كثيرة على نساء تفوقن على الأقران الرجال في التصرف بذكورية، فهل المرأة عدوة المرأة؟ وكيف نبرر وجود نساء يسعين لتكريس قيم الذكورة وإعادة إنتاج النظام الأبوي؟
المجتمع الذكوري
تعرف “ويكي الجندر” مجتمع الذكورية بأنه المجتمع الذي تنتشر فيه بشكل واسع ثقافة الذكورية والتمييز ضد النساء بناء على جنسهن ونوعهن الاجتماعي. كما تنتشر فكرة وجود أدوار مجتمعية محددة للنساء وأفكار نمطية عنهن في هذه المجتمعات، وهي توفر امتيازات اجتماعية غير مستحقة للرجال بناء فقط على نوعهم الاجتماعي.
وتنبع هذه الامتيازات من الإيمان بتفوق أصيل لجنس على الآخر، ومن ثم حقه في السيادة، وهو عادة ما يكون الرجل في هذه المجتمعات.
ينتج هذا المجتمع بيئة ومناخًا متسامحين مع جرائم قائمة على النوع الاجتماعي، مثل التحرش الجنسي، والاغتصاب. وأشكال أخرى من العنف الجنسي والجسدي والنفسي ضد المرأة، وحتى ضد بعض الرجال الذين لا يلتزمون بمقاييس ومعايير المجتمع التي وضعها للرجل.
وعلى المستوى النفسي يقول عالم النفس رونالد ليفاند في كتابه المعيار الصعب: “غالبًا ما يُنظر إلى الذكورة بأنها معتقد كغيره من المعتقدات التي يعتنقها الإنسان. تستند المعتقدات عادةً إلى الأيديولوجيات الاجتماعية والثقافية، لذا فإن صفات الذكورة ناتجة عن النشأة الاجتماعية، ولا علاقة لها بالجنس البيولوجي للذكور. ومن هنا، اختلفت تعريفات الذكورة باختلاف الثقافات والفترات التاريخية، ولذا يُعد الجنس البيولوجي للذكور مقابلًا لدور الجنس الاجتماعي للإناث”.
إذن فالحاصل أن الذكورة ليست مرتبطة بالجينات أو الهرمونات، وهي ليست ضرورية ولا حتمية للفتيان والرجال، كما يمكن التسلح بها من قبل النساء، فيما يمكن أن نطلق عليه إعادة إنتاج القمع.
الوضع الاجتماعي والاقتصادي
في رأي الحقوقية نيفين عبيد فإن الذكورية النسائية لا تعد عداوة من قبل بعض النساء لبعضهن البعض كما يفضل أن ينمط لذلك الخطاب الشعبوي. معتبرة أن هذا التحليل القاصر محل افتراء، وقول يراد به تشتيت العيون وإبعادها عن تحليل مفصل وعميق لحقيقة الأمر.
وتستكمل عبيد وجهة نظرها في الأمر بالقول “يتعلق الأمر بوضع اجتماعي اقتصادي للسيدات داخل مجتمعاتهن”.
وبحسب عبيد تنشأ المرأة على تبني فكر يكرس لمصلحة الرجال، حاميات للتراث الأسري. بكل ما يحمله من عادات وتقاليد، جميعها تنحاز لثقافة أسرية أبوية.
أما النظام الأبوي فهو مفهوم اجتماعي قائم على السلطوية التي أسندت مبكرا إلى الذكور البالغين. وتواري الدور الأنثوي عبر استغلال جسدها وخصوصيتها المتمثلة في الحمل والرضاعة.
خلق هذا الوضع تقسيما اجتماعيا حصر المرأة في أدوار الرعاية كما تعتقد عبيد، ومع الوقت حافظ المجتمع ذكورا واناثا على تنميط الأدوار انطلاقا من أن مصلحة المرأة أصبحت تقضي بحفاظها على الوضع القائم.
هذا التنميط الذي خلقت معه عبارات مثل “الست ملهاش غير بيت جوزها”، وضرب ثقة النساء ببعضهن البعض. فضلا عن ذواتهن، جميعها عوامل ردت معها المرأة إلى المنزل.
تلفت عبيد إلى أن المنظور الاقتصادي أيضا مهم لتحديد مكانة المرأة ودورها، فعادة ما تتمتع المرأة في الطبقات الميسورة بمساعدة خارجية في تربية الأولاد ومهام العناية بالمنزل وغيرها. والعكس صحيح عبر الطبقات الدنيا، التي حتى وان اختارت الخروج للعمل فهي ملزمة برعاية الأبناء. حيث إنها لا تملك القدرة الاقتصادية لجلب مساعدين لها.
وغالبا ما يفترض المجتمع أن عمل المرأة اختياريا، وأن دورها الأساسي مقره المنزل، فتصبح النساء حتى العاملات منهن. ذو طبيعة ذكورية هيمنت على أفكارهن نتيجة النشأة، ودورها الرعوي.
التربية الأبوية
“نحن لا نولد نساءً، بل نصبح كذلك”، كما قالت الفيلسوفة النسوية الفرنسية “سيمون دي بوفوار”، حيث تتلقي الفتاة منذ طفولتها جرعات مكثفة من التربية الأبوية. تحرمها من أغلب الأنشطة الصبيانية، ونحصرها في أدوار الرعاية، ومعه يكبر حلم الفستان الأبيض، وميلها الفطري للأمومة الذي يصوره المجتمع كدور مقدس محصور فيها.
وجميعها أدوات من شأنها إعادة انتاج القمع، فتصبح المرأة الضحية، والجاني. تقول المحامية، والنسوية لمياء لطفي إن العداء الحقيقي يكون تجاه الأفكار الذكورية، لا النوع سواء ذكر أو أنثى، فكلاهما قد يتبنى نفس الأفكار على حد سواء.
أما أسباب تبني تلك الأفكار من جهة بعض السيدات فقد يكون ذلك نتيجة التنشئة الأبوية التي تجعل بعضهن مجرد ضحية منفذ للأوامر وبالتالي معيدة لإنتاج القمع ليس إلا. وهناك ذوي المصلحة، كحالة الأم التي لديها أبناء من الذكور فتتبنى الأفكار الذكورية الخاصة بمسألة الميراث على سبيل المثال، وفقا للطفي.
ويتم إخضاع المرأة لتلك المنظومة، وتلك الأفكار منذ الصغر، وفقا للطفي من خلال العديد من الممارسات، منها عنف الأب أو الأخ. كذلك الزواج المبكر الذي ينزع عنها أي إمكانية، لتحقيق ذاتها، فضلا عن العنف الذي يمارس من قبل الزوج، أو ذويه، فتكون النهاية انسحاق المرأة وتماهيها مع الوضع.
لمياء لطفي: يحقق المجتمع لتلك المرأة بعض الصلاحيات أو الحماية الظاهرية التي تكتفي بها. بحثا عن توازن يجعلها تستطيع التعامل مع الرجال في حياتها سواء الأب، أو الزوج، وحتى تجد مبررا منطقيا لما يلم بها.
وتقول لطفي “بذلت الحركة النسائية من خلال المجتمع جهدا كبيرا للحصول على استحقاقات عديدة ولكنها لم تصل بعد للوضع المرجو. نتيجة أن التكلفة أكبر من طاقة المرأة وفقط، خاصة في ظل ضعفها الاقتصادي، فكما نقول من ينفق يحكم، فالتغيير يجب أن ينبع من المجتمع ككل بكافة أفراده”.
وفي النهاية اعتبرت لطفي أن الجميع ضحية الفكر التشددي والرجعي، وما نشره ذلك من تجهيل، والذي تعد الذكورية جزء أصيل منه، مشيرة إلى أن نتائج ذلك التفكير يدفع ثمنها المجتمع بأكمله.