تحت عنوان الهروب الكبير من أفغانستان، فر عشرات الآلاف بعد أن وضعت طالبان يدها على سدة الحكم وارتكنت إلى التخاذل الدولي في وضع شروطها لإدارة البلاد. متوعدة مخالفي تلك القواعد غير الإنسانية بالقتل والسحل والسجن وسوء العذاب.
لم يعد أمام المخالفين لقواعد طالبان سوى الهروب من بطش الحركة المسلحة. وأن يهيموا على وجوههم في أرض الله دون وجهة محددة ودون تخطيط لمستقبل. فقط أن يكونوا أكثر أمانا من العيش في كنف الحركة الإرهابية التي أصبحت هي المسيطر بلا منازع وسط تخاذل دولي يشجب ويندد ويستنكر.
تستهدف حركة طالبان الجميع دون استثناء، لا مناص من أن تقع تحت اليد الباطشة لحركة طالبان. النساء والرجال والأطفال، الجميع مستهدف، ولعل وزراء الحكومة الأفغانية السابقة هم أول المستهدفين.
هروب مدرسة بالكامل
في مفاجأة من المفاجآت التي تحملها رياح طالبان التي تقتلع المواطنين الأفغان من أرضهم لتحولهم إلى لاجئين. نجحت شبانة باسيج راسيخ، مديرة مدرسة سولا الداخلية في أفغانستان، التي تضم قرابة 250 طالبة أفغانية. في الهروب من جحيم طالبان واستقراراها في دولة وسط إفريقيا برفقة الفتيات وكادر التعليم.
فور وصول طالبان إلى كابل، استشعرت مدير كلية القيادة الخطر ليس على نفسها فقط. إنما على فتيات المدرسة أيضا، لذا قررت المغادرة الجماعية، وإعادة التوطين في دولة أخرى.
وبعد رحلة هروب صعبة في ظل وجود عدد ضخم من الهاربين استطاعت مدير المدرسة أن تعبر بفتياتها إلى بر الأمان وتصل إلى رواندا في وسط أفريقيا لتستقر هناك.
عامل دليفري بدرجة وزير
اندهش الجميع عندما نشرت صورة وزير الاتصالات الأفغاني السابق، سيد أحمد شاه سادات، أثناء استقلاله لدراجة هوائية خلال عمله في توصيل الطلبات لأحد المطاعم. كيف ومتى تحول وزير في ليلة وضحاها إلى عامل توصيل طلبات يشق طريقه من أجل أن يجد لنفسه وعائلته ما يقتات منه. كيف حال المواطنون الأفغان الذين لا حول لهم ولا قوة؟
التقط الصورة الصحفي الألماني جوزا مانيا شليغل، لتبدأ وسائل الإعلام المختلفة في تناول قصة عامل توصيل الطلبات بدرجة وزير سابق. ويقول شاه سادات: “انتقلت إلى مدينة لايبزغ، بعد أن تخليت عن الحقيبة الوزارية ثم عملت بمهنة توصيل الطعام لصالح شركة ليفراندو الألمانية، بعد أن نفذت نقودي”.
سيد أحمد شاه سادات، حاصل على درجتي ماجستير في الاتصالات، والهندسة الإلكترونية من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة. إلى جانب امتلاكه خبرة تصل إلى 23 عاما في مجال الاتصالات مع أكثر من 20 شركة، كما التحق بالعمل في 13 دولة عربية وغربية. أشهرهم شركة أرامكو وشركة الاتصالات السعودية.
ويؤكد الوزير الأفغاني السابق، أنه يرى العمل في توصيل الطلبات أفضل من أن يسعى للحصول على مال بطرق لا تحفظ له كرامته.
عن ما يحدث في أفغانستان وسيطرة حركة طالبان المسلحة على مجريات الأمور يقول: “سقوط حكومة أشرف غني بهذه السرعة، لم يكن متوقعا”.
ويستعد وزير الاتصالات الأفغاني لاستعادة العمل بمهنته من جديد لكن عليه أولا أن يتقن اللغة الألمانية حتى يستطيع أن ينخرط في سوق العمل.
لا وجود للسينمائيين
في أعقاب سيطرت طالبان على العاصمة كابل، ضجت شاشات التلفاز بمئات الصور لتدافع المواطنين الأفغان هروبا من الجحيم الذي ينتظرهم في ظل حكم حركة راديكالية. ضمت تلك المجموعات مواطنين أفغان من كافة المجالات والتخصصات، الكل يعلم أن مصيره محتوم في ظل حكم الحركة المسلحة.
كان من ضمن هؤلاء المخرجة الأفغانية، صحراء كريمي، التي بثت مقطع فيديو عبر حسابها على موقع انستجرام. خلال هروبها عقب سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابل.
وقالت صحراء في مقطع الفيديو: “اليوم سيكون آخر يوم تخرج فيه المرأة الأفغانية بوجهها وشعرها دون حجاب”.
صدقت صحراء في قولها، إذ إنه خلال الساعات الماضية بدأت ملامح الحياة التي تنتظر المرأة في أفغانستان في الوضوح شيئا فشيئا.
حذرت حركة طالبان جميع الجهات الإعلامية من السماح للمرأة بالظهور في وسائل الإعلام. بالإضافة إلى منع بث الموسيقى وبث أي برنامج فيه صوت النساء.
وأضافت صحراء كريمي في تدوينة لها مرفق معها صورة من مطار كابل: “أريد أن أصرخ كل يوم. لقد تلقينا الطعنات من جميع الجهات، ومصيرنا التشرد، قتلوا وأخذوا وأكلوا وباعوا، لقد تركنا وحدنا يائسين”.
ويذكر أن صحراء كريمي هي المرأة الوحيدة في أفغانستان التي حصلت على شهادة الدكتوراه في السينما. ويعد فيلم “Hava, Maryam, Ayesha” من أبرز أعمالها السينمائية، والذي عرض في مهرجان فينيسيا عام 2019.
مغنية ترتدي النقاب
لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى المغنية الأفغانية إريانا سعيد.. واحدة من النساء اللاتي عملن خلال السنوات الماضية على تقديم صورة للمرأة مخالفة لما يتم تطبيقه من قبل الجماعات الإرهابية. إذ لطالما كانت تنادي بضرورة خروج المرأة للعمل ومزاولتها الحياة دون حاجز وشروط محددة.
إلا أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن، حيث اضطرت “إريانا” إلى ارتداء الحجاب الكامل في محاولتها للهروب من مطار كابل.
روت “إريانا” رحلت هروبها برفقة خطيبها قائلة: “كنت بالفعل أخطط للسفر يوم 15 أغسطس الجاري لكن القدر كان له رأي آخر، إذ وافق اليوم الذي أحكمت فيه طالبان سيطرتها على العاصمة الأفغانية”.
وخلال طريقها إلى المطار خضعت إريانا إلى التفتيش أكثر من 5 مرات.. تقول: “اصطحبنا ابن عم سعيد الأصغر لنتظاهر بأننا أسرة تتجول في الشارع لعدم الإفصاح عن هويتي كمغنية. أثناء المرور أوقف أحدهم سيارتنا لكن فور رؤيته الصبي الصغير اعتقد أننا أسرة تاهت في الطريق فقال لنا اذهبوا بسرعة قبل أن يقبض عليكم”.
في النهاية نجحنا في الوصول إلى المطار وهناك قضينا ليلتين لحين وصول الطائرة المقرر أن تقلنا إلى دولة عربية ثم إلى بريطانيا.