تسود التساؤلات حول ملف اللاجئين الأفغان وإمكانية تحقيق الولايات المتحدة وعودها بشأنه. فيما تساور المخاوف أوروبا خشية تكرار تجربتها في عام 2015. وذلك في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية، واستيلاء حركة طالبان على مواقع الحكم في البلاد.
وفيما يتكدس الآلاف بمطار كابول أملاً في مغادرة البلاد، فإنّ هناك أكثر من مليوني لاجئ أفغاني موجودون بالفعل بالبلدان المجاورة. وما يقرب من أربعة ملايين آخرين يعيشون على الحدود بلا مأوى؛ بسبب الحرب والأزمات السياسية والأمنية. فضلا عن قرابة خمسة ملايين أفغاني غادروا من قبل.
يأتي هذا في ظل غلق الحركة مخارج ومداخل البلاد منعًا للخروج، والسماح فقط بسفر بعض التجار الحائزين على الأوراق الرسمية.
وكان المتحدث باسم طالبان صرح بأن الأفغان لا يريدون مغادرة بلادهم لأهداف سياسية، وأرجع الأمر للمسألة الاقتصادية، وتحسين جودة الحياة. ولكن الأرقام تشي بأن أعدادًا غادرت إلى بلاد مجاورة ذات اقتصاديات متواضعة، فضلاً عن النزوح داخل البلاد وعلى الحدود.
كما تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن أعداد الأفغان الذين سيغادرون بلادهم خلال السنة المقبلة ستتراوح بين 2و5 ملايين شخص. بينما تذهب بعض التقديرات إلى أن مجموع المعارضين لطالبان يقدر بـ14 مليون أفغاني، أي ما يزيد عن ثلث مجموع السكان.
اللاجئون الأفغان والولايات المتحدة
للمفارقة، فإنّ الولايات المتحدة التي تعهدت بتقديم الحماية لحلفائها من الأفغان، والذين يقدر مجموعهم بحوالي 70 ألف شخص، إذا ما تم تعدادهم مع عائلاتهم، أعلنت فقط وصول بعض الآلاف منهم إلى الولايات المتحدة، وصرفها مبلغ نصف مليار دولار لاحتياجاتهم في عملية الهجرة العاجلة.
ومع تدفق أعداد جديدة من اللاجئين إلى الولايات المتحدة عبر مطار كابل, أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أمس إضافة 3 قواعد عسكرية إلى القواعد المشاركة في عملية توطين هؤلاء في الولايات المتحدة.
وستنضم القواعد الثلاث إلى أربعة بدأت بالفعل في استقبال مهاجرين هربوا من أفغانستان. ولكن لن يتاح لهؤلاء اللاجئين حرية التنقل. إذ سيعيشون لفترة من الزمن في قواعد الجيش الأميركي، ريثما تنتهي إجراءات الفحص الأمني وغيرها.
كما أعلن البيت الأبيض أن أكثر من 100 ألف شخص أجلوا من مطار كابل منذ 14 أغسطس. عشية سيطرة حركة طالبان على أفغانستان وعاصمتها، وذلك في أعقاب ساعات من هجوم انتحاري وقع عند إحدى بوابات مطار كابل. وأسفر عن مقتل 13 جنديا أميركيا وعشرات المدنيين الأفغان، وتبناه تنظيم “داعش” الإرهابي.
ويحظى الانسحاب الأمريكي بموجة من الانتقادات المحلية والعالمية، خاصة بعد سقوط كابول في بد الحركة المتطرفة خلال ساعات. وإهدار تريليوني دولار تكلفها دافعو الضرائب الأمريكيين، بهدف دعم الحكومة الأفغانية بمختلف أذرعها الأمنية، التي لم تصمد أمام هجوم طالبان.
اللاجئون الأفغان.. مخاوف أوربية
منذ بداية الأزمة تعيش أوروبا خوفًا من تكرار أزمة اللاجئين التي اجتاحت المنطقة في عام 2015، وأربكت سياساتها لسنوات. كما أن القادة الأوروبيين أبدوا قلقًا من أن القارة قد تواجه تدفقاً هائلاً لطالبي اللجوء من أفغانستان. وهو ما قد يعزز نفوذ اليمين المتطرف الرافض للمهاجرين قبل الانتخابات الحاسمة في ألمانيا وفرنسا.
المخاوف الأوربية تجلت في تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهمها البعض بالعنصرية ومحاولة استمالة اليمين الشعبوي قبل الانتخابات. وذلك عندما حذر في أول كلمة بعد سقوط كابل ممَّا سماه “مخاطرَ” موجة لجوء ثانية قد تجتاح أوروبا.
وأعلن عن “مبادرة” مع الدول الأوروبية للحيلولة دون “موجات هجرة واسعة تغذي التهريب على أنواعه” من أفغانستان. ومساعدة دول الجوار على استقبال اللاجئين.
تجاهل ماكرون في كلمته فتح ممرات آمنة للأفغان الفارين أو منح تأشيرات على نطاق واسع. ولكنه شدد على “حماية من يساعدوننا: مترجمون وسائقون وطباخون وآخرون”.
بالتوازي يعقد وزراء الداخلية الأوروبيون اجتماعاً غدا، وسط مخاوف من تدفق المهاجرين الأفغان. في حين أعلنت سلوفينيا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، على لسان رئيس الوزراء، يانيز يانشا: “لن نكرر الخطأ الاستراتيجي الذي حدث خلال أزمة اللاجئين عام 2015”.
حصص اللجوء
ويعد استقبال اللاجئين الأفغان مسألة غير محسومة بين دول الاتحاد. وهو ما دعا المفوضية الأوروبية لإعطاء مهلة للدول الأعضاء حتى منتصف سبتمبر “لتقديم تعهداتها” في هذا الشأن. بحيث تعلن حصصًا محددة من هؤلاء اللاجئين، بحسب ما أوضح متحدث باسمها في خلال مؤتمر صحفي.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين: “ندعو بوضوح الدول التي شاركت في مهمة حلف شمال الأطلسي (في أفغانستان) إلى تقديم إمكانات الإقامة للعاملين الذين جرى إجلاؤهم”.
وأعلنت المملكة المتحدة أنها ستستقبل قرابة 20 ألف أفغاني على المدى الطويل، بمعدل 5 آلاف شخص كل عام. وستكون الأولوية للأطفال والنساء. كذلك أعلنت كندا أنها ستستضيف نفس العدد من طالبي اللجوء من الأفغان خلال الأعوام القادمة. وأنها ستعطي الأولية لموظفي الدولة والقيادات النسائية.
أستراليا بدورها أعلنت أنها ستمنح 3 آلاف تأشيرة لجوء لطالبي اللجوء الأفغان. فيما أعلنت أوغندا في شرق أفريقيا استعدادها لاستقبال ألفي أفغاني. كما أن بعض الدول الخليجية استقبلت بضعة آلاف خاصة من المتعاونين مع الولايات المتحدة، وبعض الطلبة والنساء والأطفال.
اللاجئون ودول الجوار
في الوقت نفسه تحاول الدول الغربية الاعتماد على دول الجوار، ومساعدتها ماديا لاستقبال اللاجئين. كما أعلنت المفوضية سابقا أنّها رفعت قيمة المساعدات الإنسانية التي يخصصها الاتحاد الأوروبي في عام 2021. وذلك من 57 مليون يورو إلى 200 مليون يورو لأفغانستان والدول المجاورة التي تواجه تدفّق اللاجئين.
ولكن ترفض هذه الدول استقبال المزيد، وكانت بدورها تركيا ممثلة في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضت الأمر خلال اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل. والذي أكد فيه أن بلاده لا تستطيع تحمّل “عبء هجرة إضافيّة” من أفغانستان.
وتستغل تركيا الورقة الأفغانية في إعادة مراجعة اتفاق موقّع في العام 2016 بين أنقرة وبروكسل لوقف تدفّق المهاجرين. والذي يمكن إعادة المهاجرين “غير الشرعيّين” الذين يصلون الاتحاد الأوروبي إلى تركيا. في مقابل تقديم مساعدات مالية لأنقرة من أجل استقبالهم.
أما باكستان الجارة اللصيقة لأفغانستان، فقد أعلنت عن إغلاق حدودها نهائيا مع أفغانستان. كما أن إيران، وعبر وزير داخليتها أحمد وحيدي، قالت إن بعض اللاجئين الأفغان الذين دخلوا الأراضي الإيرانية جراء الأحداث الأخيرة في بلادهم، تمت إعادتهم إلى أفغانستان.
وطاجيكستان، وهي إحدى دول الجوار أيضا، فلا يعرف عدد اللاجئين الأفغان حاليا فيها. ولكن تقارير تحدثت عن عبور مئات الأفغان الحدود إلى طاجيكستان في الأيام الأخيرة، بينهم جنود في الجيش الحكومي. وأعلنت السلطات في يوليو أنها ترتب لاستقبال 100 ألف أفغاني. كما أن جارتها أوزبكستان استقبلت 1500 أفغاني عبروا الحدود، يقيمون في مخيمات هناك.