يبدو أن القضية رقم 173 المعروفة إعلاميا بـ”قضية التمويل الأجنبي”، التي تحقق فيها جهات التحقيق مع عدد من النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، بدأت تأخذ طريقا إيجايبا في سبيل تفكيكها، وستنال حظها هي الأخرى من الاتصالات الجارية بين ممثلي المجتمع المدني وأجهزة الدولة لحلحلة ملف الحبس الاحتياطي.
أبرز هذه المؤشرات الدالة على تفكيك هذه القضية هو القرارات الأخيرة التي أصدرها قاضي التحقيق برفع أسماء عدد من الحقوقيين المدرجين في القضية من قوائم الممنوعين من السفر، ورفع الحظر على الأموال السائلة والمنقولة و من بينهم عزة سليمان ونجاد البرعي، وإسراء عبد الفتاح، وحسام الدين علي، وأحمد غنيم والممثلون عن جمعيات. المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون واقتصاديون، ومحامون من أجل العدالة والسلام، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي.
بصدور هذا القرار يكون عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي تم صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها. فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع -سواء كان الأمر صادرا لعدم وجود جرم مرتكب من الأساس، أو لعدم كفاية الأدلة- 67 كياناً كان قد عني بالاتهام فيها ما يربو على 180 شخصا، وذلك منذ أن قام قاض التحقيق باستكمال مهمة التحقيقات في هذه القضية.
مثول نشطاء ومحامين للتحقيق بعد أعوام ارتبط فيها اسمهم بالقضية وتضررهم من إجراءات أخرى كالمنع من السفر والتحفظ على الأموال دون تحقيق، كان أحد المؤشرات الإيجابية، فرغم أن البعض يعتبر المثول للتحقيق مؤشرا ليس جيدا في بعض القضايا إلا أن الأمور تبدو مغايرة تماما في هذه القضية، حيث ينظر إليه البعض على أنه تحول إيجابي لرفع هذه الاتهامات وإيقاف الإجراءات المرافقة لها عن بعض الحقوقيين، وهو ما حدث بالفعل.
مؤشر آخر على إعادة النظر في هذه القضية هو القرار الذي صدر في مارس الماضي بخروج 20 جميعة من هذا الماراثون، 6 منها لعدم وجه للاتهام، و14 أخرى لعدم كفاية الأدلة.
وفي يونيو الماضي أيضا غادرت 5 جميعات أخرى القضية وسقطت قرارات التحفظ على أموالهم وكذلك منع العاملين بها من السفر، والجمعيات التي صدر بحقها الأمر لعدم كفاية الأدلة هي: المركز الإقليمي للأبحاث والاستشارات، والمكتب العربي للقانون، ومؤسسة عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني، و Appropriate Communication Techniques (ACT)، كما صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأن جمعية واحدة لعدم الأهمية وهي: مؤسسة المجلس العربي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان.
ووصل عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي تم صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع في هذه القضية تحديدا، سواء كان الأمر صادرًا لعدم وجود جرم مرتكب من الأساس. أو لعدم كفاية الأدلة أو لعدم الأهمية، 63 منظمة وجمعية وكياناً.
بئر النشطاء
ولسنوات طويلة، ظلت القضية 173 بئرا كبيرا تٌسقط فيه الحكومة كل من يشتبه في حصوله على تمويل أجنبي لممارسة عمل سياسي، سواء كان تحت غطاء حقوقي أو تنموي. لذا كانت إثارة القضية من حين لآخر بقرار إحالة أو منع من السفر والتصرف في الأموال دلالة نقيس بها درجة تفهم الحكومة ومدى توجسها من تحركات العاملين في المجتمع المدني.
بدأت وقائع هذه القضية منذ يوليو 2011، حين قررت الحكومة فتح ملف تمويل منظمات المجتمع المدني، من خلال تشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في التمويل الأجنبي.
وفي يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. أما العاملين المصريين الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد القومي الديمقراطي، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحافة، ومؤسسة كونراد أديناور.
عودة فتح القضية من جديد
أعيد فتح هذه القضية مرة أخرى في 2016، حيث أدرج عدد من المحامين الحقوقيين ضمن قوائم الممنوعين من السفر ومنعهم من التصرف في أموالهم، استنادا إلى تحريات أمنية بأن نشاطهم يضر بالأمن الوطني.
شملت القائمة أسماء بارزة مثل جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومحمد زارع، مدير مؤسسة القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهدى عبد الوهاب، المديرة التنفيذية للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة.
وتضمنت القائمة: مزن حسن، المديرة التنفيذية لـمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، وناصر أمين، مؤسس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ورضا الدنبوقي المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وإسراء عبد الفتاح، مديرة المعهد المصري الديمقراطي، وحسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير، من المعهد المصري الديمقراطي.
وفي ٢٠ ديسمبر 2018، أصدرت محكمة جنايات القاهرة الدائرة الخامسة عشر برئاسة القاضي محمد علي الفقي، وعضوية القاضيين محمد يحي رشدان وأسامة يوسف أبو شعيشع ، حكماً في الجزء الاول من القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١، قضي ببراءة واحد وأربعين متهم جميعهم من العاملين في” المعهد الجمهوري للشئون الدولية “و “المعهد الوطني الديمقراطي” و “مؤسسة بيت الحرية” و” مؤسسة كونراد اديناور” من تهم انشاء وإدارة منظمات ذات صفة دولية دون الحصول علي ترخيص، فضلاً عن تسلم وقبول أموالاً ومنافع من مؤسسات وهيئات خارج جمهورية مصر العربية بما يخل بسيادة الدولة المصرية نتيجة مباشرة ـنشطتهم وما يقدم لهم في سبيل ممارسته في مصر، من تمويل أجنبي غير مشروع.
وأقامت المحكمة حكمها بالبراءة على أسباب من بينها ” إن تعامل الجهات الرسمية الحكومية مع الجمعية أو المنظمة يضفي علي عملها صفة قانونية باعتبار أن وجودها في العلن بدون اعتراض معناه أن الدولة توافق على عملها”.
نية لغلق الملف
وسبق أن صرح رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، أن الدولة لديها نية لغلق هذا الملف، مشيرًا إلى أنه كان يحاول دومًا التحدث عن ضرورة وجود آذان تسمع الأصوات، مع تأكيد على أن هناك عديد من الجمعيات ترحب بالإشهار والإجراءات اللازمة للعمل تعمل مظلة القانون.
ويرى السادات، الذي يلعب دورا بارزا في أزمة معتقلي الرأي من خلال من مبادرة الحوار الوطني، أن البداية من الممكن أن تكون من خلال توفيق أوضاع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني. وذلك لأنه من حق الدولة متابعة تلك المؤسسات، والتأكد من أن أنشطتهم مشروعة، وليست ضد الدولة.
نجاد البرعي: لم نفعل شيئا ضد القانون أو الحكومة
ويرى المحامي نجاد البرعي أن القرار جاء مفاجئا له، قائلا: “كان لدي تصورات أن القضية لابد أن تغلق، ولكن كنت أظن بأن دوري سيأتي آخر القائمة”.
وأكد البرعي في تصريحات لمصر 360، أنه لم يكن لديه شك في براءته وبراءة الحركة الحقوقية بأكملها. موضحا: “لم نفعل شيئا ضد القانون أو الحكومة، كنا نعمل لصالح البلد، فنحن لسنا سياسيين، هدفنا الأول أن تلتزم الحكومة بالدستور والقانون”.
وشدد على أن التمويلات التي تم الحصول عليها إلى أنها كانت تأتي عن طريق البنوك وتحت نظر الحكومة، وكذا المشاريع التي تم العمل عليها.
ويقول البرعي: “القضية في الأساس لم يكن لها معنى، وأتمنى أن تغلق القضية بالكامل وتشمل الجميع، حتى يتم بناء البلد والجمهورية الجديدة”.
ووجه البرعي الشكر للأجهزة الأمنية ممن ساعدوا للوصول لتلك الطريقة وعملية وجود انفراجه حقيقية، متمنيا أن تستكمل جهودهم حتى الوصول لصيغة مناسبة لتحقيق تعايش مجتمعي
عزة سليمان تتمنى رؤية نهاية النفق
“أتمنى أن أرى نهاية النفق”، قالت المحامية عزة سليمان، التي تم منعها من السفر لمدة 5 سنوات، على إثر قضية التمويل الأجنبي.
وأضافت سليمان: “أتمنى أن تنتهي القضية وتتاح لي حرية السفر والعودة بدون مضايقات وبصورة طبيعية ويتم التعامل معي وفقا للدستور”.
تعرفت سليمان من خلال الأخبار على قرار منعها من السفر كذلك مثلما حدث مع قرار رفعها من قوائم المنع، فتقول: “لم أبلغ رسميا من المحكمة ولم أستوعب الأمر حتى الآن”.
وتشير إلى أنها عانت من الأذى بشكل نفسي ومعنوي، متسائلة: “من شوه صورتنا هل يقبل بالاعتذار الآن؟”. وأضافت “لم تكن أحلامنا تجاه الدولة سوى الخير والأخذ بالقانون والدستور”.
إغلاق القضية بأكملها هو المطلب الأساسي الذي اتفق عليه الحقوقيون ومن أدرجوا في تلك القضية.
وفي السياق نفسه، بوضح المحامي أحمد راغب، وكيل الناشطة إسراء عبد الفتاح. أنه بموجب هذا القرار القضائي سقطت كافة الإجراءات المترتبة عليه ومنها قرار إدراج إسراء على قوائم الممنوعين من السفر والذي صدر في 24 ديسمبر 2014.
وأشار راغب إلى توجيه اتهامات سابقة لموكلته على ذمة تلك القضية وأخلي سبيلها بجلسة 9 أكتوبر من عام 2018 بكفالة مالية.
حسام الدين علي.. قضي الأمر
المدافع عن حقوق الإنسان ورئيس المعهد المصري الديمقراطي، حسام الدين على، يقول “بعد 7 سنين عجاف قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.. لا وجه لإقامة الدعوى”.
فوجئ حسام في 27 فبراير 2016، بمنعه من السفر إلى الولايات المتحدة تنفيذا لقرار قاضي التحقيق. وكان يفترض أن يغادر لحضور مؤتمر دولي نظمته وزارة الخارجية الأمريكية حول مكافحة الفساد من خلال التشريعات.
وفي 20 مايو 2018، تم التحقيق مع حسام على ذمة القضية، ووجهت له اتهامات بالإضرار بالأمن القومي، وتلقي أموال من هيئات خارج مصر، وإدارة فرع لمنظمة دولية بدون ترخيص، وأخلي سبيله بكفالة ماليه قدرها 20 ألف جنيه.
وفي نفس السياق، أطلق مركز القاهرة في نوفمبر 2019 وبالتزامن مع بدء فعاليات الاستعراض حملة تعريفية تحت عنوان “حقوقيون ممنوعون من السفر” تضم معلومات أساسية عن 11 مدافعًا عن حقوق الإنسان ساهموا في تقارير المراجعة الدورية الشاملة. لكنهم لم يتمكنوا من تقديم نتائجهم وتوصياتهم خارج مصر بسبب منعهم من السفر.
وأضحت الحملة التعريفية أن هؤلاء النشطاء من ضمن قائمة أطول تضم 34 حقوقيًا تم منعهم من السفر خلال السنوات الخمس الماضية. بسبب مشاركتهم النشطة في توفير المعلومات للأمم المتحدة في سياق عملية المراجعة الدورية السابقة لملف مصر الحقوقي في 2014.
توصيات حقوقية
وسبق أن أوصى مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، في ورقة بحثية له، بالمبادرة بإغلاق التحقيقات في القضية 173 لسنة 2011 وفقًا للإجراءات المنصوص عليها قانونيًا بما يضمن رفع حظر السفر المفروض على عدد من المتهمين فيها، ورفع تجميد الأموال المفروض على بعض المنظمات الحقوقية أو قيادات تلك المنظمات.
كما أوصت الورقة بالتوقف الفوري عن الملاحقة والاستهداف الأمنيين للمنظمات الحقوقية المصرية العاملة في الداخل والمبادرة بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا على خلفية نشاطهم داخل هذه المنظمات.
الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني
الحوار والعقل والتعقل
يطالب المحامي أحمد فوزي، عقب قرار قاضي التحقيق بشأن 4 جمعيات حقوقية. أن يكون ذلك توجها لإغلاق ملف القضية 173، وتصفية ملف المحبوسين احتياطيا. ووصف فوزي قرار تصفية تلك الملفات بالمتعقل، مؤكدا أنه لا حل لمشكلات البلد وأزماتها إلا من خلال الحوار والعقل والتعقل.