هناك أمر جيد وآخر غير ذلك في قرار وزارة التربية والتعليم، السماح للاجئين وطالبي اللجوء الذين انتهت صلاحية وثائقهم، بالتسجيل في نظام التعليم العام المصري، وذلك للعام التالي على التوالي.
الأمر الجيد أن هؤلاء الطلبة، خاصة القادمين من سوريا واليمن والسودان وجنوب السودان، لن يضيفوا إلى مأساة التهجير واللجوء، مأساة أخرى بفقدان فرصتهم في التعليم «بشكل متساو مع نظرائهم المصريين» كما أعلن بيان المفوضية العليا للاجئين في مصر المرحب بالقرار، أما الأمر غير الجيد، أو لنقل أنه الأمر الذي يستحق النظر فيه، هو تلك الطبيعة المؤقتة للقرارات، التي قد تجدد سنويا وقد لا تجدد، وهو أمر ينبغي أن نبدأ في رؤية أنه لا يليق بمصر، لا بماضيها العريق، ولا بمستقبل نتطلع عبره إلى «جمهورية جديدة».
من المفارقات، أنه كلما انتمت دولة إلى دنيا الرفاه والعالم الأول، كلما كانت أكثر تسامحا في أمر اللجوء والحصول على الجنسية طبقا لقواعد قانونية واضحة لا تتوقف عند العِرق والنسب، قدر ما تهتم باحترام المهاجر للقانون وإنتاجيته في المجتمع ودفعه للضرائب، بينما تنشأ العراقيل وتشتد الصعوبات في كثير من دول العالم الثالث التي قد يعيش فيها «الأجنبي» عمره كله من الميلاد للممات في بلد ما، من دون أن ينال «شرف» جنسيته، وليس ببعيد حصول مخرجنا العظيم محمد خان على الجنسية المصرية بعد أن تخطى السبعين عاما وقبل وفاته بوقت وجيز، وهو الذي ملأ تاريخنا السينمائي والثقافي – بل والوطني – بأجمل وأهم الأعمال الفنية.
وبالطبع، فإن تلك العراقيل استندت في كثير من الأحيان إلى مواقف ذكورية وعنصرية، فقد انتظرت المرأة المصرية طويلا جدا حتى استطاعت أن تمنح أبناءها جنسيتها، بينما يستطيع الأب المصري – بالطبع – أن يمنح جواز سفره إلى أبنائه ولو تزوج عشر مرات من عشرة بلدان، وإلى هذه اللحظة فإن الزوج المصري يمكنه منح جنسيته إلى زوجته أو زوجاته، بينما تعجز الزوجة المصرية عن منح زوجها جنسيتها، وهو تمييز واضح على أساس الجنس، فضلا عن تسببه في العديد من المشكلات في علاقة الأب «الأجنبي» بأبنائه من الأم المصرية، خصوصا في ظل قرارات الإقامة واللجوء المؤقتة التي قد تتغير بين مساء وصباح.
إذا كانت مصر الآن تعبر عن حلمها بمستقبل مشرق ودولة قوية، فإن أنواع التمييز تلك ينبغي أن تنتهي، وقرارات قبول أطفال اللاجئين في المدارس ينبغي أن تكون بديهية ودائمة وليست خبرا في صحيفة يستوجب الترحيب، بل من حق مصر أن تكون – كما كانت في زمن ليس بالبعيد جدا – وطنا يجذب الخائفين والمطاردين والمفكرين والمضطهدين، وطنا يمنح إقامته وجنسيته حسب قوانين مدنية حديثة تبتعد عن الانتماءات العرقية والقبلية التي انتهت في العالم المتقدم.
ليس فقط لأن ذلك ضروري في أي بلد يريد أن يتمم انتقاله إلى القرن الحادي والعشرين، وليس فقط لأن ذلك جزء من دور مصري كان قائما وفقدناه، ولكن أيضا لأن التجربة أثبتت أن هؤلاء الذين وفدوا إلى مصر بدءا من منتصف القرن التاسع عشر لعبوا دورا شديد الأهمية في صناعة نهضتها في الأدب والصحافة والفن والسياسة، فضلا عن عملية إغناء المجتمع نفسه، الذي فقد تنوعه بعد ذلك عبر تجريف امتد لعشرات السنين، حتى لم يعد يقبل وجود مواطنين مختلفين في التفكير أو الانتماء الديني أو حتى الرياضي، إن كل قرار حضاري – كتجديد قبول اللاجئين في المدارس – يستلزم الترحيب به، لكن الحضارة لا يجوز أن تكون مؤقتة.