في خطوة تهدف على ما يبدو لمحاربة “النصب” العقاري الذي تزايد خلال السنوات الماضية، ربطت الجهات الحكومية ربط التسويق بالبناء. تلك الخطوة أثارت أزمة لقطاع عريض من المطورين الذين يعتمدون بصفة أساسية على مقدمات الحجز في تمويل أعمال التطوير.
وفي منتصف أغسطس الماضي، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة عدم الإعلان عن أيِّ مشروعات سكنية إلا بعد الانتهاء من تنفيذ 30% منها.
وتعتمد كثير من الشركات العقارية على مقدمات الحجز من العملاء باعتبارها التمويل الأرخص. ودأبت على تدشين حملات إعلانية ضخمة لبيع الوحدات عبر الماكيتات والرسومات الهندسية وبمعدلات تصل إلى نصف الوحدات. وحتى قبل أن تحفر شبرًا واحدًا من الأساسات.
وغالبا ما يكون الرسم في الماكيت مخالفًا للحقيقة، مثلما يقول محمد عبده الذي اشترى وحدة سكنية في مشروع لأحد المطورين الكبار في السادس من أكتوبر. وكان أمام الوحدة مساحة واسعة كجراج للسيارات وتبين عند الاستلام أن المنطقة يمر بها أسلاك للضغط العالي.
تزيد المشكلة في العقارات التي تتم إعادة بنائها في شوارع قائمة. فدائماً يتضمن الماكيت مساحات خضراء وانتظار سيارات وليس لها وجود في الواقع لرغبة المقاولين في استغلال كل شبر من الأرض. وذلك بعدما سجل المتر مستوى 5 آلاف جنيه في بعض الأماكن.
حماية أطراف الصناعة
ووفقًا لوزارة الإسكان، فإن القرار يهدف إلى ضمان حقوق الحاجزين وجدية المطورين في تنفيذ المشروعات. بعدما جمع بعضهم مبالغ من العملاء ووظفوها في شراء أراضٍ جديدة، وتوسعة محفظة الأصول على حساب العميل.
وضبطت الأجهزة الأمنية خلال الفترة الأخيرة مقاولين متهمين في قضايا تم الحكم فيها لصالح العملاء. من بينهم مقاول بالقاهرة صادر بحقه 176 حكمًا في قضايا “مبانٍ”، بإجمالي مدد حبس 68 سنة وغرامات 10 ملايين جنيه. وآخر في القليوبية محكوم عليه في 115 قضية بإجمالي حبس 115 سنة وغرامة 258 مليون جنيه. وثالث في الإسكندرية هارب من 264 حكما قضائيًا بالحبس لمدة 73 سنة في عدة قضايا.
المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، يقول في تصريحات تليفزيونية إن إلزام الشركات ببناء 30% تستهدف حماية أطراف الصناعة التي تتضمن وزارة الإسكان والعملاء والمطورين. بما يصب في النهاية لصالح حماية القطاع العقاري أحد محركات النمو الاقتصادي. خاصة بعد وجود شركات جديدة قد لا تمتلك الخبرة الفنية أو الملاءة المالية الكافية لتطوير المساحة التي حصلت عليها.
فورة عقارية
ساهمت الفورة العقارية في تأسيس عدد كبير من الشركات الجديدة التي حصلت على مساحات من الأراضي في المدن الجديدة. وقد تواجه بعضها عجزًا في تنفيذ المشروع حال عدم تقدير عوامل التكلفة والربحية والمنافسة الشرسة التي تتضمنها السوق العقارية حاليًا. والعدد الكبير من المدن الجديدة التي يتم تدشينها حاليًا وتنافس بعضها بعضًا.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال السنوات الماضية، شكاوى لمواطنين يتهمون شركات عقارية بالخداع، بسبب تأخير مواعيد التسليم المتفق عليه بالعقود. بجانب حصول بعض المقاولين على النسبة الأكبر من ثمن الوحدات السكنية من دون الشروع في أية أعمال إنشائية.
وجددت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، أكثر من مرة تحذيراتها، للمواطنين من شراء وحدات سكنية أو غير سكنية من شركات داخل العاصمة الإدارية إلا بعد التأكد من حصولها على القرار الوزاري، والرخص البنائية للمباني بأنواعها المختلفة.
وطالبت الشركة أيضًا العملاء بضرورة التأكد من بدء المطور في أعمال التنفيذ. وذلك طبقا للبرنامج الزمني لكل مشروع، ومتابعة أولا بأول مع توالي سداد الأقساط. وأوضحت أن حجز أي وحدة عقارية هو علاقة ثنائية بين المواطن والمطور وليس لها أي تدخل فيها، فالسوق مفتوحة للجميع.
“الكاش باك“
وحال طلب العملاء استرداد أموالهم “الكاش باك” لعدم جدية الشركات تتعرض لخصم مبالغ تتراوح بين 8 و10%. وذلك من إجمالي المبالغ التي طلبوها وفق العقود التي تقرها جميع الشركات، ولا تخل من ذلك البند تحديدًا. وبعضها يضع بندا إضافيًا يتعلق بإرجاع الأموال بنفس طريقة دفعها من العميل. بما يعني أنه قد يستغرق وقتًا يعادل سنوات الدفع لإعادة أمواله مجددًا.
لكن تدور مخاوف من أن يؤدي القرار لتباطؤ نمو بعض الشركات، خاصة التي تعتمد على عوائد المبيعات لدخول مشروعات جديدة. كما يتوقع أن يساهم القرار في إقبال الشركات العقارية على التمويل البنكي، من أجل الإنشاءات إلى الحدود الدنيا المقررة. وبالتالي رفع قيمة الوحدة السكنية التي سيتم تحميلها قدرًا من فوائد الديون.
ورأى أسامة سليم، خبير عقاري، أن القرار يحمي حقوق العملاء. لكنه أكد في الوقت نفسه أن تنفيذ 30% من إنشاءات المشروع قبل البيع سيحدث جمودًا بالسوق العقارية. بالإضافة إلى توقف العديد من المشروعات العاملة حاليًا..
لكن يرى عدد آخر من المطورين أن التغييرات الجديدة ستفرض على المطورين تعديل آليات العمل، وتسريع معدلات التنفيذ للتسليم الوحدات. ومن ثمّ توفير السيولة اللازمة، ما يؤدي لتنشيط التمويل العقاري، خاصة أن تقليل مدة التسليم، سيؤدى لارتفاع أسعار الوحدات السكنية.
مقترحات لتدارك أزمة التمويل
واقترح سليم وضع قواعد تلزم المطور بالتنفيذ وفقًا لمساحة المشروع كتنفيذ 20% من الإنشاءات خلال عامين. وفي حالة عدم الالتزام يتم سحب الأرض. واقترح البعض حلاً وسطًا بفتح حساب مصرفي باسم المشروع لإيداع أموال العملاء ويتم الصرف منه وفقا لمراحل التنفيذ. وذلك لحماية صغار ومتوسطي المطورين الذين لن يستطيعوا الوفاء بالالتزامات الجديدة، وقد يخرجون من المنظومة.
تقول بسنت فهمي، الخبيرة المصرفية، إن هناك بعض المستثمرين تعودوا على العمل بأموال المودعين والعملاء. وبعض الشركات في مصر عليها التزامات ومديونيات كبيرة لا تتناسب مع حجم الاستثمارات التي تم ضخها في المشروع.
وأكدت أنها تؤيد قرار ربط التسويق بالبناء لضمان التزامات الشركات تجاه مموليها ممثلين في البنوك والعملاء. مع تفعيل الرقابة من شركات التنمية العقارية والبنوك في متابعة التنفيذ على أرض الواقع.
يمثل الوصول لعلاقة وسطى بين الحفاظ على أموال العميل وحماية المطورين ضرورة ملحة، في ظل فرص العمل التي يوفرها القطاع العقاري والمقدرة بالملايين بصورة مباشرة وغير مباشرة. باعتبار أن صناعة البناء تدفع معها نحو ١٠٠ صناعة أخرى للانطلاق.