قرر أدهم الالتحاق بمدرسة الحلي، والبعد عن ما وصفه بـ”موال الثانوية العامة”. ليختصر الطريق، ويلتحق بأحد مدارس التعليم الفني بديلا عن طريق الثانوية العامة المحفوف بالصعاب كما وصف. ليشجعه على هذا القرار والده، ضاربا بمحاولات التقليل من التعليم الفني أو الصناعي، التي تردد حوله في المجتمع عرض الحائط.
أدهم الطالب بالصف الثالث الإعدادي قدم أوراقه بالمدرسة وقبل بها، ليبدأ عامه الجديد. شجعه على هذا القرار عبد العزيز والده، رغم رفض والدته في البداية لفكرة التحاقه بالتعليم الفني، تفاديا سمعة “الفني” كما يردد في الكثير من العائلات. ولكن السنة الماضية كانت قاسية على طلاب الثانوية العامة. من حيث النظم الجديدة. وفي النهاية لا يجد الطلاب بعد تخرجهم فرص عمل بالأسواق، ليصبح التعليم شكلا وليس علاقة تناسبية مع سوق العمل”.
دراسة تتبني المواهب
يحب أدهم المشغولات اليدوية. فبدأ هو ووالده البحث عن مدرسة تنمي موهبته. حتى وجدا مدرسة الحلي، وقدم بها :”حاولنا إقناع والدته أن المستقبل يتعلق بالتعليم الفني والصناعي. خاصة مع التصريحات المستمرة من وزارة التربية والتعليم ورئيس الجمهورية حول الاهتمام بهذا المجال من التعليم، وفي النهاية سيدرس الولد مهنة يحبها ويمكنها الاحتراف بها عند التخرج”.
افتتحت وزارة التربية والتعليم المصرية عام 2019. أول مدرسة لتعليم صناعة الحلي والمجوهرات. التي فتحت أبوابها، لاستقبال دفعتها الأولى، لتخريج شباب وفتيات قادرين على المنافسة في مجال الحلي والمجوهرات، بأيادي مصرية.
مدة الدراسة بالمدرسة المصرية ثلاثة سنوات. وتتنوع المقررات الدراسية بها. بين جزء نظري لدارسة العلوم الأساسية والثقافية. وجزء آخر عملي، على أرض الواقع بالورش الخاصة بصناعة الحلي والمجوهرات.
مدرسة الحلي
لا يعرف الكثير عن مدرسة الحلي، ربما لعزوف قطاع كبير عن التعليم الفني والصناعي، والاتجاه للثانوية العامة والجامعات، حتى لو كانت خاصة.
ورغم المصاعب التي تواجه طلاب الثانوية العامة كل عام، إلا أن التوجه نحو التعليم الفني أو الصناعي المرتبط باحتياجات السوق ما زال يغفل عنه قطاع كبير.
المجالات المندرجة تحت قطاع التعليم الفني في مصر. هي التعليم الفني الصناعي، التعليم الفني التجاري، التعليم الفني الفندقي، التعليم الزراعي.
ووفقًا للنشرة السنوية للتعليم قبل الجامعي للعام الدراسي 2017/2018 الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. تبلغ قوة العمل طبقًا للحالة التعليمية بالنسبة الى التعليم المتوسط فني وعام حوالي 34.8%. بينما تبلغ 4.6% لحملة المؤهل فوق المتوسط وأقل من الجامعي.
ريتال أشرف، التحقت بمدرسة تعليم فني العام الماضي. واجهت أسرتها التي رفضت في بداية الأمر الالتحاق بالتعليم الفني كباقي الأسر. لكنها أصرت على دراسة ما تحب.
“بحب تصميم الحلي والمشغولات، وبحثت عنها كتير وفي النهاية وجدت مدرسة لتعليم أصول هذا الفن، رفض والداي التحاقي بالمدرسة، وحاولا الضغط علي للالتحاق بالثانوي العام ثم التخرج من أحد كليات القمة، لكنني تمسكت بما أحب، حتى رضخ والداي في النهاية والتحقت بالمدرسة، التي ستضع قدمي على بداية طريق تعلم المهنة التي أحبها”.
11 مدرسة
وزير التعليم المصري، طارق شوقي، قال إنه تم إطلاق إشارة البدء في مدرسة الحلي، كواحدة من النماذج التي تخلق كوادر بهذا المجال، لخلق جيل واعي بصناعة كادت أن تندثر بالأسواق المصرية، وهي صناعة الحلي والمجوهرات، حتى يتمكن هذا الجيل من إنتاج مشغولات تنافس بالأسواق العالمية والمحلية، وذلك ضمن خطة وزارة التعليم المصرية، في إطلاق العديد من المدارس، التي تتبع خطة التكنولوجيا التطبيقية، والتي تخضع لمعايير دولية.
وخلال عامين فقط، أطلقت وزارة التعليم 11 مدرسة تعتمد على التكنولوجيا التطبيقية بمختلف محافظات مصر، وبمختلف التخصصات والمجالات الصناعية والزراعية والتجارية والفندقية التي تطبق لأول مرة بمصر مثل تخصص الحاسبات والمعلومات وتكنولوجيا الإنتاج الزراعي والداجني وصناعة الحُلي والمجوهرات وإدارة وتشغيل المطاعم. وتخصص الكهرباء والميكانيكا والتبريد والتكييف ونجارة الأثاث والميكاترونيات وتشكيل المعادن.
المدرسة ضمت في دفعتها الأولى 200 طالب وطالبة. تم اختيارهم وفق اختبارات ومقابلات شخصية وضعتها الوزارة. كما تم اختيار فريق التدريس عن طريق استمارة إلكترونية. وضعت على الموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم المصرية. وأجريت مقابلات أيضا مع أعضاء هيئة التدريس. لاختيار فريق قادر على تدريس منهج جديد، ومعاصر، يفيد الطلاب، الذين سيفيدون سوق العمل بعد تخرجهم.
مدرسة الحلي والتحدي
إطلاق المدرسة كان بمثابة تحدي ولكنه قوبل بردود فعل إيجابية. فبحسب بيانات وزارة التعليم المصرية، تم اختيار 200 طالبا فقط للدفعة الأولى من أصل 1000 طالب تقدموا للالتحاق بالمدرسة. وهذا الرقم يدل على شعف ورغبة الطلاب في التعرف على مجالات جديدة، وتعلم حرف وتنمية مهارات تؤهلهم لسوق العمل.
المهندس ياسر محمود، مدير التصنيع في المدرسة يقول إن الدراسة تقسم لجزئيين علمي وأدبي. يتم دراستهم مناصفة بالأسبوع، 3 أيام لكل جزء منهما. وفي المرحلة الأولى يتم تدريب الطلاب على سحب المعادن، وكيفية تشكيلها. ويتم التعامل في الفترات الأولى على معدن الفضة، والتدريب عليه.
“تركيب الأحجار، سحب الشمع، تطويع الفضة، التلميع والتلحيم، تحويل الذهب من سبائك لمشغولات”. جميعها خطوات يتم التدريب عليها عمليا في المدرسة، حتى خروج المنتج بشكله النهائي. كما أن المدرسة تضم الطلاب من الجنسين. فصناعة الحلي يمكن تميز النساء بها، وأيضا الرجال. لتخريج جيل من الكوادر يعيد صناعة اندثرت مؤخرا بالسوق المصري.
نصر محمد عبد القادر، مدير المدرسة، أوضح أن المدرسة تضم 13 فصلا، ومقامة على مساحة 9 آلاف و844 مترا مكونة من مبنى 3 أدوار وبها مكاتب لشؤون الطلبة وصالات وملاعب متنوعة والعديد من الورش. وتضم ورش التدريب أحدث اﻷجهزة والمعدات في صناعة الذهب والمجوهرات، كما يحصل الطلاب على مكافأة شهرية تتراوح بين 300 و600 جنيه فور التحاقهم بالمدرسة، والدراسة فيها تنقسم لثلاثة محاور دراسية أساسية وهى: العلوم الأساسية والثقافية، والعلوم الفنية في مجال التخصص، والتدريب العملي.
حاجة سوق العمل
الأرقام تشير لحاجة السوق لأيدي عاملة في شتى المجالات. فوفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وصلت مساحة الأراضي المنزرعة عام 2017/2016 إلى 9.1 مليون فدان منهم 59.2 ألف فدان تم استصلاحهم فقط في عام 2017/2018.
وصلت عدد المنشآت الصناعية في الربع الرابع من عام 2018 الى 3163 منشأة، 314 منشأة بالقطاع العام / الأعمال العام بنسبة 9.9 %مقابل 2849 منشأة قطاع خاص بنسبة 90.1%. بعدد مشتغلين قوامها 883940 مشتغلًا بين قطاع عام وخاص. وفي المقابل تهدف استراتيجية مصر 2030، لمراعاة العرض والطلب بسوق العمل، وأيضا الاهتمام بالتعليم الفني.
تعد مدارس التكنولوجيا التطبيقية تطويرًا جوهريًا لمنظومة التعليم والتدريب المزدوج في مصر. التي يتمحور هدفها الأساسي حول إنشاء وتشغيل مدارس فنية بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص.
ويبلغ عدد المدارس التطبيقية 17 مدرسة. بينما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي زيادتها الى 50 مدرسة. من بينهم مدارس B-TECH للتكنولوجيا التطبيقية. ومدرسة الإنتاج الحربي للتكنولوجيا التطبيقية. ومدرسة العربي الثانوية للتكنولوجيا التطبيقية، مدرسة السويدي الثانوية للتكنولوجيا التطبيقية، مدرسة إيجيبت جولد الثانوية.
تدعم سفارة الولايات المتحدة في القاهرة من خلال شراكة مع الحكومة المصرية والقطاع الخاص مشروعاً جديداً لتطوير التعليم الفني والتدريب المهني لتعزيز فرص العمل والتنمية الاقتصادية. فقد أعلن مسؤولوا الحكومة المصرية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عن إطلاق البرنامج المشترك الجديد “تعزيز ريادة الأعمال وتنمية المشاريع”.
أزمات التعليم الفني
تتمل أزمات التعليم الفني في ارتفاع كثافة الفصول في بعض المحافظات عن أخرى، والنقص الملحوظ في عدد المدرسين.
وكشف أحد التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات. عن ارتفاع كثافة الفصول في بعض المحافظات. فبلغت بالتعليم الفني الزراعي (٥١) طالبًا في الفصل في محافظة الجيزة. و(٤٤) طالبًا في محافظتي الإسكندرية وقنا. إضافة إلى وجود عجز في أعداد مدرسي المواد الثقافية، والفنية النظرية، والمواد العلمية، بمعدل ٣٧٤٨٧ مدرسًا عام ٢٠٠٤.
وتناول التقرير تطبيق نظام تعدد الفترات الدراسية بهدف تقليل كثافة الفصول. رغم سلبيات ذلك على العملية التعليمية، حيث بلغت نسبة المدارس التي تتبع نظام تعدد الفترات الدراسية ٦.٦١% بالتعليم الزراعي خلال عام ٢٠٠٤.
وتحدث التقرير أيضا عن وجود عجز كبير في إجمالي أعداد مدرسي المواد الثقافية بالتعليم الفني. وعددهم ٨٦٩٨ مدرسًا بنسبة ٦.١٥%.
وشمل العجز ١٣ محافظة في مدرسي المواد الفنية النظرية وعددهم ١٦٥٩٤ مدرسًا بنسبة ٥.٢٧%. وجميع مدارس التعليم الزراعي في كافة المحافظات عدا جنوب سيناء. وبلغت نسبة العجز في محافظة أسيوط ٩.٦٩%، والإسماعيلية ٧.٦٧%، وشمال سيناء ٣.٦٥%، وبني سويف ٧.٦٢%.
نظرة جديدة
الاستراتيجية الجديدة تتضمن تطوير هذا النوع من التعليم. ليتم تطبيقها في العام 2024/2025. وتتضمن الخطة، تشغيل الهيئة المصرية الوطنية لضمان الجودة والاعتماد البرامج التعليم التقني والفني والمهني (اتقان) بعد إقرار مجلس النواب لقانونها. وإنشاء وتشغيل مركز لتعزيز ضمان الجودة في مدارس التعليم الفني داخل الوزارة. بالتعاون مع الجانب الألماني والجهات الدولية الأخرى الداعمة للتعليم الفني. لإعداد المدارس للتقدم للاعتماد من هيئة ضمان الجودة الجديدة (إتقان)، بجانب تشغيل أكاديمية معلمي التعليم الفني، وكذا إنشاء وتشغيل عدد (5) فروع لها في مراكز التميز التي ستنشأ بالمحافظات بالتعاون مع الجانب الألماني. وكذا التوسع في إنشاء المزيد من مدارس التكنولوجيا التطبيقية بمعدل (۱۰) مدارس على الأقل سنويا.
وأوضحت وزارة التربية والتعليم. أنه نظرا لنجاح مبادرة إدخال التأسيس العسكري وأثرها في انتظام الطلاب في الحضور وارتفاع درجة انضباطهم وانتمائهم للوطن. سيتم التوسع في تطبيقها بمعدل (۱۰۰) مدرسة إضافية سنويا ليصل إجمالي عدد المدارس إلى (۲۲۹) مدرسة في بداية العام الدراسي ۲۰۲۲/۲۰۲۱.
إضافة إلى اقتراح تعديل قانون التعليم الحالي الصادر عام 1981. فيما يتعلق بمواد التعليم الفني لإدخال الامور المستحدثة مثل منهجية الجدارات والتعليم المزدوج ومدارس التكنولوجيا التطبيقية، وتغيير أسلوب التقييم.
وكذلك تعديل المادة (15) من قانون الاستثمار الحالي الصادر عام ۲۰۱۷. لتحفيز القطاع الخاص على المشاركة في إنشاء مدارس تكنولوجيا تطبيقية. فضلا عن زيادة عدد مدارس التعليم الفني بما يتوافق مع المناطق الصناعية والمشاريع القومية التي يتم تنفيذها حاليا.
بجانب التوسع في عملية الرقمنة عن طريق استحداث منصة تعليمية خاصة بطلاب التعليم الفني لتوفير احترافي يخدم البرامج الدراسية المختلفة وهو ما يساعد على التحول نحو التعليم المدمج، إضافة إلى مشروع الهوية الرقمية للطلاب وإصدار الكارت الذكي.