مع تبقي ثلاثة أسابيع على الانتخابات الألمانية، تسود المناخ السياسي حالة من الحذر والتقلب، تبدو واضحة في استطلاعات الرأي المُتغيرة، والتي يحاول القائمون عليها التنبؤ بمستقبل أكبر قوة في أوروبا، بعد ما يزيد عن عقد ونصف من الاستقرار تحت حكم المستشارة أنجيلا ميركل، والتي تستعد لترك السلطة. لتبدو ستة عشرة عامًا من حكم المرأة الحديدية ماضيًا آمنًا، في مواجهة مستقبل غامض.
ووفق النظام الانتخابي الألماني، لا يقوم المواطنون بالتصويت بشكل مباشر، لكن أعضاء البرلمان “البوندستاج” هم من يقومون بانتخاب رئيس الحكومة بعد الاقتراع. يبدو المشهد هذه المرة واقعًا في نهاية مفاوضات ائتلافية ستكون عسيرة، مع عدد كبير من الخيارات المحتملة بسبب عدم وجود حزب واحد بارز، لينتظر أبناء أكبر اقتصاد في أوروبا وقتًا قلقًا من المفاوضات المعقدة لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، ربما أكثر من المفاوضات التي أعقبت انتخابات العام 2017 والتي انقضت بعدها عدة أشهر قبل التوصل إلى اتفاق.
بدء التصويت بالبريد
الأزمة التي تواجه الاتحاد الحاكم هي أن التصويت بالبريد بدأ بالفعل، وبينما أجرت محطة “ARD” مؤخرًا استطلاع رأي، حصل فيه المرشح الديمقراطي أولاف شولتس على 41% من الأصوات، متقدمًا بفارق كبير على مرشح المعسكر المسيحي أرمين لاشيت الذي لم يحصل سوى على 16% من الأصوات؛ جاء استطلاع آخر أجراه معهد “كانتار” بتكليف من مجلة FOCUS قد أظهر أن طرفي الائتلاف الحاكم الحالي في ألمانيا، الاشتراكيون والتحالف المسيحي، يقفان على قدم المساواة في سباق الانتخابات.
كذلك في استطلاع الرأي الأسبوعي الذي يجريه معهد “فورسا” لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من محطة RTL التليفزيونية تفوق الاشتراكيون لأول مرة منذ 15 عاما على التحالف المسيحي، حصد الاشتراكيون 23% في مقابل 22% للتحالف المسيحي؛ وتساوت النتائج بين الاثنين في استطلاع “إنسا” لصحيفة BILD.de. لكن في استطلاع لمعهد “يوجوف” نشرت نتائجه الجمعة 27 أغسطس الماضي، حصل الاشتراكيون على نسبة تأييد بلغت 24%، بزيادة قدرها 8% مقارنة بالاستطلاع الأخير الذي أجراه المعهد في نهاية يوليو الماضي، في مقابل تراجع شعبية المحافظين بـ 6%، ليحصل على 22%؛ بينما استقرت نتيجة حزب الخضر عند 16%، كما ارتفعت شعبية الحزب الديمقراطي الحر 1% ليصل إلى 13%، فيما تراجعت شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا”، اليميني الشعبوي إلى 11%، واستقرت شعبية حزب اليسار عند 8%.
محاولة استبقاقية
وفي محاولة استباقية لطمأنه الشعب الألماني والحصول على دعم الناخبين خلال الأيام القليلة القادمة، قدّم لاشيت، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ما وصفه بأنه “فريق المستقبل”، المكون من أربع سيدات وأربعة رجال، مُعتمدًا على عدد من الخبراء المعروفين في مجالات التعليم الرقمي، مكافحة الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، والشركات الناشئة، في محاولة لتقديم نفسه باعتبار لديه خطة واضحة لمستقبل البلاد بعد ميركل.
لاشيت، الذي يحاول الصعود على مجد ميركل، وجّه اتهامات لمنافسه أولاف شولتس بأنه “يحتفظ بغموض شديد” لأنه لم يُعلن بعد عن فريقه، مع اتهامات أخرى بالتحالف مع اليسار لقنص مقاعد البوندستاج ومنصب المستشارية، مُستغلًا الانتقادات التي وجهتها المستشارة الألمانية مؤخرا لنائبها في الحكومة بأن التحالف مع اليسار معناه انحراف كبير عن المسار الذي كانت تتبعه خلال الفترة الماضية؛ رغم محاولة شولتس استغلال منصبه كوزير للمالية ونائب للمستشارة، وتقديم نفسه للشعب الألماني باعتباره امتداد لها. لكن تلك الانتقادات التي خرجت للعلن لن تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي الذي دعم ميركل طيلة الأعوام السابقة.
فريق المستقبل
وأكد لاشيت أن فريق المستقبل يعكس تنوع البلد والاتحاد، بعدما ضم الاقتصادي القوي فريدريك ميرز، وبيتر نيومان أحد أشهر الخبراء في الإرهاب المتأسلم والذي يعمل على مراقبة مشهد الإرهاب الأوروبي واستراتيجيات تجنيده، كذلك دوروثي بار وزيرة الدولة للتعليم الرقمي، وكارين برين وزيرة التعليم في شليسفيغ هولشتاين، والمعروفة بأنها المرأة الأمامية في اتحاد الوسط، وهي الحركة الليبرالية المضادة لاتحاد القيم المحافظ. كذلك يضم الفريق سيلفيا بريهر نائبة زعيم الاتحاد المسيحي، وهي متخصصة في السياسة الزراعية ومستقبل المناطق الريفية، ومعها باربرا كليبش وهي خبيرة اقتصادية في مجال الأعمال؛ كذلك لم ينس الإشارة إلى احتواء المهاجرين، فضم فريقه جو شيالو وهو ابن عائلة دبلوماسية تنزانية لعضوية البوندستاج في دائرة سبانداو / شارلوتنبورج نورد، وهو رائد أعمال في مجال الموسيقي.