بعد عشرين عامًا على الحدث الذي غير وجه العالم، أصبح الإفراج المحتمل عن تفاصيل جديدة حول الفاعلين بالحدث، هي جل ما تتطلع إليه أهالي ضحايا هجوم 11 سبتمبر، والذي كافحت الحكومة الأمريكية لسنوات لإبقائها سرية.
وتحت ضغط الضحايا وأسرهم، وجه الرئيس جو بايدن في الثالث من الشهر الجاري، وزارة العدل والوكالات الفيدرالية الأخرى لرفع السرية عن بعض الوثائق من تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في الهجمات الإرهابية. وهو ما اعتبره الأهالي بحسب موقع “يو اس توداي” الأمريكي “نقطة تحول” محتملة لتسليط الضوء على ما إذا كان المسؤولون الحكوميون السعوديون قد دعموا الخاطفين وكيف.
وذكرى 11 سبتمبر هي ذكرى الهجوم على برجي التجارة العالمية، ووزارة الدفاع الأمريكي وهو الهجوم الذي أخلف 3000 قتيل، وأشعل حربا على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ربما لم تنتهي رحاها إلى اليوم.
ولطالما اتهم الأهالي الحكومة السعودية بالتورط في الهجوم، كما قاموا بمقاضاتها، وكان فريق قانوني يمثل الناجين وعائلات الضحايا السلطات السعودية بمحاولة إسكات العديد من الشهود في دعوى تتهم المملكة بالتورط في الهجمات، واتهم أهالي الضحايا السلطات السعودية بتهديد 4 من الشهود بينهم الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي.
واستناداً إلى ذلك، طلب الفريق القانوني للمُدعِين حماية هويات الشهود في المعركة القضائية، التي طال أمدها، وإبقاءها سرية.
ولطالما نفت الحكومة السعودية أي تورط لها في الهجمات وقالت مؤخرًا إنها ترحب بقرار رفع السرية عن بايدن، وقالت السفارة في بيان في الثامن من سبتمبر “أي مزاعم بأن السعودية متواطئة في هجمات 11 سبتمبر كاذبة تماما”.
وتابعت: “المملكة العربية السعودية تعرف جيداً الشر الذي يمثله تنظيم القاعدة من خلال أيديولوجيته وأفعاله، إلى جانب الولايات المتحدة، لم تدخر المملكة أي جهد في التعامل مع الرجال والمال وعقلية الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله “.
وقالت السفارة إنها تأمل في أن “يؤدي رفع السرية الكامل عن أي وثائق” تتعلق بالهجمات إلى “إنهاء المزاعم التي لا أساس لها ضد المملكة بشكل نهائي”.
وبحسب التسريبات الحالية لا يتوقع أن يسفر الكشف عن الوثائق المزمع عن اثبات تورط السعودية في الهجمات.
في الوقت نفسه دعا حاكم ولاية نيوجيرسي السابق ورئيس لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، أن ثلاثة أرباع الوثائق التي تم تصنيفها سرية بشأن هجمات سبتمبر “لا ينبغي أن تكون كذلك“.، داعيا إدارة بايدن إلى رفع السرية عن جميع الملفات شديدة السرية المتعلقة بأسوأ هجوم إرهابي في أمريكا خاصة أولئك الذين يفحصون احتمال تورط مسؤولين حكوميين سعوديين.
لكن كين قال في تصريحات لصحيفة “الغارديان” البريطانية إن تقرير لجنة التحقيق “لم يجد أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين مولوا بشكل فردي تنظيم القاعدة”.
وأضاف: “جميع الوثائق التي قرأتها، بما في ذلك تلك التي تريد العائلات الآن الإعلان عنها، لم أجد أي شيء يشير إلى أي مشاركة من قبل مسؤولي الحكومة السعودية”.
إيران..وعلاقات ممتدة مع القاعدة
وتابع بالقول: “أنا قريب من العائلات، وأتعامل معهم بشكل جيد لكني أقول لكم: لا أعتقد أنهم سيحصلون على أي شيء. لقد وجدت المزيد من المعلومات حول تورط إيران المحتمل أكثر من السعودية”.
وقد تحدثت عشرات التقارير الصحفية والاستخبارية عن شبكة من العلاقات القوية التي تربط القاعدة بطهران.
وعلى مدار سنوات نفت إيران أي صلة لها بتنظيم القاعدة، لكن عملية اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله “أبو محمد المصري”، وابنته مريم (أرملة حمزة نجل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن)، برصاص مجهولين في شوارع العاصمة الإيرانية طهران، حيث كان يختبئ منذ سنوات، أعادت توجيه أصابع الاتهام إلى الإيرانيين بدعم تنظيم القاعدة الذي تصنفه الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.
القصة كشفتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في نوفمبر عام 2020، ونقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية قولهم: إن “عملاء إسرائيليين قتلوا المصري مع ابنته مريم أرملة حمزة نجل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن”.
وكانت عملية اغتيال الولايات المتحدة لأسامة بن لادن عام 2011، كشفت عن وثائق سرية في مخبئه بأبوت آباد في باكستان، وقد رفعت واشنطن عنها السرية، إضافة إلى تقارير أخرى كشفت عنها وزارة الخزانة الأمريكية، بيّنت حجم العلاقات القوية التي تجمع القاعدة بإيران.
وقبل عشرين عاما زار زعيم القاعدة أيمن الظواهري، إيران سراً، وكان حينها أمير حركة الجهاد الإسلامي المصري، كما ان اللجنة الأمريكية التي حققت بالهجمات رصدت اتصالات مستمرة بين مسؤولي الأمن الإيرانيين وكبار الشخصيات في القاعدة، بين التسعينيات وبداية الألفية الثانية.
ومع وصول القوات الأمريكية إلى أفغانستان فر المئات من قيادات الصف الثاني وعناصر من تنظيم القاعدة وعوائلهم نحو إيران، حيث جهزت لهم السلطات مخيمات داخلها، في الوقت الذي اختبأت فيه القيادات العليا بباكستان.
كما أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو السابق، كشف عن معلومات سرية تتعلق بتعاون طهران وتنظيم القاعدة، مؤكداً في كلمة مصورة له أن “إيران أصبحت أفغانستان الجديدة، وباتت ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة”، مؤكدا أن إيران لديها علاقات قوية مع القاعدة منذ 3 عقود.
منفذو 11سبتمبر سافروا إلى إيران
ولفت إلى أن العديد من منفذي هجمات 11 سبتمبر سافروا إلى إيران، “رغم أنه لا يوجد أي دليل على مشاركة إيران في التخطيط لهذه الهجمات”.
وكشف عن محتوى رسالة من بن لادن بحوزة البحرية الأمريكية يقول فيها إن إيران “هي شريان القاعدة، وإنه لا ينبغي محاربتها”.
في الوقت نفسه يقول محققون سابقون في 11 سبتمبر إنه ليس من الواضح حتى الآن حجم المعلومات الجديدة المحورية التي سيتم الكشف عنها بموجب أوامر بايدن، بالنظر إلى أن مسؤولي المخابرات الأمريكية لا يزال بإمكانهم السعي لحماية التفاصيل الرئيسية بناءً على قوانين الخصوصية أو مخاوف الأمن القومي.
لكن بحسب شبكة “يو اس توداي” الإعلامية فإن هناك بالفعل مجموعة كبيرة من المعلومات التي تشير إلى أن المسؤولين السعوديين من المستوى المنخفض على الأقل كان لهم دور ما في دعم اثنين من الخاطفين التسعة عشر.
كما يعلق الأهالي آمالهم على الحصول على تفاصيل جديدة من تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي المسمى “عملية انكور” ، والذي بدأ بعد سنوات من إغلاق تحقيقات أخرى وركز بشكل خاص على مسألة التواطؤ المحتمل للمملكة العربية السعودية.
السعودية المتهم الأول!
وطالما تم ربط الهجمات بالسعودية ليس فقط من اجل أسامة بن لادن، ولا لأن 15 منفذا من بين 19 مهاجما هم من حملة الجنسية السعودية، بل بحسب التحقيقات الفيدرالية فان أول اثنين منهما وصلا إلى لوس أنجلوس في كاليفورنيا في يناير عام 2000، توجها حالا إلى مسجد تنفق عليه السعودية.
وعندما انتقلا إلى سان دييغو بحثا عن مساعدة طالب سعودي في منتصف العمر طالما شك “إف بي آي” أنه عميل سعودي، وبعد تقييم الأدلة توصل المحققون في مرحلة ما بعد الهجمات أنه لا يوجد دليل يربط السعودية بها أو أنها دعمت المهاجمين، وربما ساعد مسؤولون في الحكومة المهاجمين بدون معرفة أنهما كان إرهابيين ويخططان لقتل آلاف الأمريكيين.
ويرد على ذلك بان الحكومة السعودية طردت بن لادن من المملكة وجردته من جنسيته قبل وقت طويل من هجمات 2001 على الولايات المتحدة، كما ان العقل المدبر المزعوم ، خالد شيخ محمد، هو بالأساس مواطن باكستاني.
ووفقًا للتقرير النهائي للجنة الحادي عشر من سبتمبر ، اعتمد تنظيم القاعدة على “مجموعة أساسية من الميسرين الماليين الذين جمعوا الأموال من مجموعة متنوعة من المانحين وغيرهم من جامعي التبرعات ، وخاصة في دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديدا”.
كما تم توجيه جزء كبير من تمويل القاعدة من خلال الجمعيات الخيرية، والتي حظي بعضها بدعم ومشاركة الحكومة السعودية، وفقًا لتقرير 11 سبتمبر ووثائق أخرى.
ويشير التقرير إلى أن القاعدة “وجدت أرضًا خصبة لجمع التبرعات في المملكة العربية السعودية ، حيث تنتشر الآراء الدينية المتطرفة ، وكان العطاء الخيري ضروريًا للثقافة ويخضع لرقابة محدودة للغاية”.
لكن بينما اعتبرت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة “المصدر الرئيسي لتمويل القاعدة” ، لم يجد محققو اللجنة “أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين قاموا بتمويل التنظيم بشكل فردي”.
وقالت اللجنة “لا يبدو أن أي حكومة غير طالبان كانت تدعم القاعدة ماليا قبل 11 سبتمبر ، على الرغم من أن بعض الحكومات ربما احتوت المتعاطفين مع القاعدة الذين غضوا الطرف عن أنشطة جمع التبرعات للقاعدة”.
سر الـ 28 صفحة
عندما نشرت لجنة مكونة من الحزبين الرئيسين في الكونجرس تحقيقها في الهجمات، حجبت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش 28 صفحة على أساس أنها معلومات حساسة تمس الامن القومي للبلاد.
وقد أثارت هذه الخطوة، من بين أمور أخرى، شكوكًا عميقة بأن الولايات المتحدة تحمي المملكة العربية السعودية وتحالف أمريكا الاستراتيجي مع الدولة الغنية بالنفط.
فيما بعد وافقت إدارة أوباما على رفع السرية عن تلك الصفحات مع بعض التنقيحات، وكشفت عن أخبار جديدة تزعم أن اثنين من المسؤولين السعوديين ذوي الرتب المنخفضة في كاليفورنيا ساعدا اثنين من الخاطفين عند وصولهما إلى الولايات المتحدة وهما نواف الحازمي وخالد المحضار ، وقد كانا على متن رحلة الخطوط الجوية الأمريكية التي اصطدمت بالبنتاغون.
وتقول الوثيقة: “كان بعض الخاطفين في 11 سبتمبر على اتصال بأفراد قد يكونون على صلة بالحكومة السعودية وتلقوا الدعم أو المساعدة منهم”.
الأول هو عمر البيومي، الذي قدم “مساعدة كبيرة” للحازمي والمحضار بعد لقائهما في لقاء صدفة مفترض في مطعم ، بحسب الصفحات التي رفعت عنها السرية.
في ذلك الوقت، كان البيومي على اتصال بكيانات حكومية سعودية في الولايات المتحدة وتلقى أموالاً من شركة سعودية مرتبطة بوزارة الدفاع في المملكة، والتي زعمت مصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ربما كان ضابط مخابرات سعودي.
وتقول وثيقة أخرى رفعت عنها السرية: “زاد هذا الدعم بشكل كبير في أبريل 2000 ، بعد شهرين من وصول الخاطفين إلى سان دييغو”.
وبحسب الوثيقة ساعد البيومي الخاطفين في العثور على شقة ، وشارك في توقيع عقد الإيجار ودفع مبلغ التأمين، كما يُزعم أن البيومي ربطهم برجل آخر ، هو مظهر عبد الله ، الذي ساعدهم في الحصول على رخص القيادة وساعدهم في العثور على مدارس طيران ، من بين أمور أخرى.
ولكن في خطاب متناقض مع الأحداث أرسل إلى الكونجرس عام 2005، قال مديرا وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي إن ليس لديهما دليل على أن البيومي ساعد “عن قصد” الخاطفين أو أنه كان ضابط مخابرات سعودي.
وقالت الرسالة إن الحكومة السعودية وأجهزتها “تم اختراقها واستغلالها” من قبل أفراد متعاطفين مع القاعدة ، لكنها سلطت الضوء على تعاون المملكة مع الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
أما الشخص الثاني الذي يُزعم أنه ساعد الخاطفين هو فهد الثميري، والذي كان مسؤولاً في القنصلية السعودية في منطقة لوس أنجلوس وإمام مسجد في كولفر سيتي بولاية كاليفورنيا. وتشير وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن المسجد قد بُني بتمويل من ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز حينها، وكان معروفًا بآرائه المعادية للغرب.
وعندما وصل الخاطفان لأول مرة إلى الولايات المتحدة ، “كلف الثميري على الفور شخصًا بالعناية بهما خلال فترة وجودهما في منطقة لوس أنجلوس” ، وفقًا لجزء من وثيقة منقحة تم رفع السرية عنها.
ووفقًا لتحقيق مشترك أجرته مجلتي New York Times و ProPublica في تحقيق عن عملية انكور ، كلف الثميري رجلاً إريتريًا بمساعدة الحازمي والمحضار ، معتبراً إياهما زوار “مهمين للغاية”.
لكن التقرير قال أيضا إن عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي منقسمون حول أهمية دور الثميري. الذي نفى شخصيا ، أثناء استجوابه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي ، أنه قابل الخاطفين على الإطلاق.