لا تخلو وسائل الإعلام من أخبار متواترة، تفيد بوقوع مجازر بحق قرويين في الكونغو الديمقراطية. لكن أحدث تلك البشائع مقتل 30 قرويًا بالمناجل والخناجر والهراوات شرق البلاد.
هذه الواقعة جاءت بعد أسبوع من حادثة توغل في وحشيتها، عندما غار مسلحون على قرية واختطفوا كل من فيها: نساء ورجال وأطفال. وعلى بعد بعد 3 كيلومترات أطلقوا الرجال والنساء، واحتفظوا بـ11 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاما، بينهم خمس فتيات.
هؤلاء هم مسلحو “القوات الديمقراطية المتحالفة” التي كانت في الأصل تتألف من متمردين أوغنديين يعارضون نظام الرئيس يويري موسيفيني. لكن حاليًا بات يقدمها تنظيم “داعش” على أنها فرعه في وسط إفريقيا. ومنذ 1995 يقيم هؤلاء في شرق الكونغو الديمقراطية، بعدما توقفوا عن مهاجمة أوغندا منذ سنوات. بينما يعيشون من عمليات التهريب قرب منطقة بيني.
لا تتخذ الجماعة أسلوبًا تقليديًا في القتل والتعذيب على غرار بقية الجماعات الأخرى بالقارة السمراء. لكنها لتجأ لأبشع الأساليب سواء بآلات حادة وعمليات قتل بطيء ومعذِّبة. أو عمليات خطف لمن هم دون الحُلم، والتنكيل بالضعفاء، وترك أشلاء الجثث المقطعة إربًا في الطرقات. هذه الأساليب جعلت هذا التنظيم واحدًا من أكثر الجماعات غموضًا.
مهد التنظيم.. “القاعدة” كلمة السر
بدأ نشاط القوات الديمقراطية المتحالفة خلال التسعينيات في جبال روينوري بغرب أوغندا واعتبرتها الحكومة منظمة إرهابية. وانتقلت فيما بعد إلى المناطق الحدودية بين أوغندا والكونغو الديمقراطية.
وتتشكل هذه القوات من تحالف لبعض عناصر “الجيش الوطني لتحرير أوغندا”، ومسلحي التبليق المسلمين، وبعض مليشيات القوات الرواندية المسلحة. بالاضافة إلى من تمكنوا من تجنيدهم خلال هجماتهم على المدن ومن تم استقطابهم من الأهالي.
بنهاية عام 1998 جرى تفكيك التحالف في مهده كنتاج للهجمات الأوغندية، ولكنه عاد ولملم أشلاءه في مطلع الألفية الثانية. وأرجع الخبراء ذلك لتقاربه مع تنظيم “القاعدة” في تلك الفترة المبكرة من تكوينه دون معلومات أكثر وضوحًا عن هذا الترابط.
وأشارت التقارير الأممية الواردة بشأن القوات الديمقراطية المتحالفة إلى أن أعدادهم كانت متفاوتة من فترة لأخرى ولكنها في العشر سنوات الأولى سجلت نحو 1500 مقاتل.
ومع حلول عام 2010 نشط عملها في الكونغو، وقاموا بعدد من العمليات الهجومية في منطقة “بيني” القريبة من الحدود الأوغندية. وشردوا نحو 100 ألف مدني في الكونغو خلال العام نفسه، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة آنذاك.
المساومة على الطعام
مع اشتداد هجمات المسلحين التي كانت تطال جماعات الإغاثة ومقدمي المساعدات، توقفت المعونات الدولية التي كانت تساهم بشكل رئيسي في تمكين المواطنين من تجاوز محنهم. وجرى تعليق أعمال أغلب الجهات الدولية العاملة في هذا المجال بما فيها أطباء بلا حدود؛ نتيجة أعمال العنف المتوالية. والحرص على عدم التماس مع حالة العنف القائمة، وهو ما أدى إلى نقص واضح في الغذاء والدواء.
لدى تلك المرحلة عقد المسلحون اتفاقا مع الأهالي بالتعاون معهم مقابل الغذاء. بل تطور الأمر إلى هروب الشباب والعمل مع المليشيات مقابل تأمين أسرهم من الهجمات وأعمال القتل.
وتتمتع المناطق الحدودية الواقعة بين الكونغو وأوغندا، خاصة جبال روينزوري بتضاريس جاذبة للجماعات المسلحة والميليشيات. وتنتشر بها الغابات والأحراش، وهي ذات طبيعة يصعب على القوات النظامية المسلحة الوصول إليها.
“داعش” والقوات المتحالفة
تكشفت علاقة الجماعة بتنظيم “داعش”، في العام 2018، عندما عثرت القوات الكونغولية على مواد مكتوبة تعود لتنظيم “داعش” بحوزة بعض عناصر القوات الديمقراطية المتحالفة. كما جرى رصد تحويلات مالية من “داعش” لصالح تلك القوات من خلال منسقها المالي وليد أحمد زين.
هنا غيرت القوات الديمقراطية المتحالفة اسم الحركة؛ ليصبح “مدينة التوحيد والموحدين”، حسب تقارير استخبارية. وأعلن تنظيم داعش في أبريل 2019 أن لديه ولاية تتبعه في وسط أفريقيا. ونشر مقطع فيديو لمقاتليه في الكونغو، دون الإعلان عن هويتهم، وما إن كانوا هم أنفسهم “القوات الديمقراطية المتحالفة” أم لا.
القائد موكولو.. كاثوليكي سافر إلى الخليج وعاد “مسلمًا متطرفًا”
بدأت الكثير من الجهات الدولية العمل على تحجيم نفوذ الجماعات المسلحة في الكونغو الديموقراطية؛ نتيجة الأعباء التي يتكبدها المواطنين هناك من جهة وتعطل كامل الاستثمارات الخاصة بهم على الصعيد الآخر.
أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية مؤسس “القوات الديمقراطية المتحالفة”، جميل موكولو، على قائمة الإرهاب. و”موكولو” كان كاثوليكيا سافر إلى إحدى دول الخليج وفق بعض التقارير، واعتنق الإسلام ثم أصبح مع الوقت متطرفا. بعد تدريبه في معسكرات أفغانية وباكستانية، ووضع على لوائح المنظمات الإرهابية من الاتحاد الأوروبي في عام 2012.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في منتصف عام 2014 عقوبات ضد القوات الديمقراطية؛ بعد استهداف الأطفال في عملياتها العسكرية العنيفة. فضلا عن أعمال الاغتصاب والتهجير القسري والقتل والخطف.
وتشير “هيومن رايتس ووتش” إلى أن عدد الجماعات المسلحة النشطة في الكونغو يقدر بنحو 120 حركة. بدأت مسيرتها إبان بالحروب التي اجتاحت المنطقة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2003.
بين العنف ونزوح الآلاف.. مسار القوات المتحالفة
عانى السكان من ويلات هجمات قوات التحالف المتطرف، واضطروا للهروب من أجل النجاة بأرواحهم من ذلك الجحيم. فلم تقتصر الأعمال على القتل بل تعمد المسلحون ترويع المواطنين بترك أشلاء الجثث في الشوارع والتشهير ببعضها. وذلك بهدف إثارة حالة الفزع في نفوسهم، وهو ما أجبر الآلاف على النزوح.
ويأتي تاريخ أول هجوم لقوات التحالف في عام 1996، وتلاه انفجار أكثر عنفاً في أبريل 1998، استهدف مطعمين في “كمبالا”. ثم تلى ذلك مجموعة من الهجمات المتتالية على المراكز التجارية.
وتمددت الهجمات لتشمل معسكرات قوات الدفاع الشعبية في أوغندا، ومراكز الشرطة، والمباني التعليمية بشكل عام. فقتلوا 80 طالبا من كلية كيتشوامبا بكابارول، و 30 آخرين من كلية ميالندى في كاسيسي.
وشنوا هجمات عامي 2013 و2014، طالت نحو 35 قرية، راح ضحيتها أكثر من 400 شخص ما بين أطفال ونساء ورجال. ولم يفرقوا بين النوع أو السن. واعتبر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2015 أن أعمال قوات التحالف ترقى لمستوى جرائم الحرب لوحشيتها وانتهاكها للقانون الإنساني.
وفي عام 2019 قامت القوات النظامية المسلحة بالكونغو بمجموعة من العمليات العسكرية على نطاق واسع ضد الميلشيات المنتشرة شرق الكونغو الغني بالمعادن والذي يعد منطقة تمركز للعمليات والهجمات الإرهابية.
حتى النازحون تلاحقهم عناصر التنظيم في مخيماتهم. وفي أحدث تقاريرها (يونيو 2021)، أفادت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأن الهجمات الدموية التي شنتها “القوات الديمقراطية المتحالفة” أجبرت حوالي 6 آلاف شخص على الفرار من مواقع نزوح متعددة في مقاطعة إيتوري شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.