رغم الدعم الكبير الذي توفره الدولة، ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي، لعلاج المدمنين الراغبين في التعافي من المخدرات، بالمجان، إلا أن ذلك لم ينه معاناة شريحة تفشل في الحصول على العلاج خارج المنظومة المجانية.

عادة ما يلجأ أبناء الشرائح الاجتماعية الفقيرة إلى العلاج المجاني بسبب التكلفة الباهظة في مراكز العلاج الخاصة، لكن الانتظار هو ما قد يدفع البعض إلى العدول عن قرار التعافي، إذ مازالت تتحكم الملاءة المالية في حصولك على العلاج، حتى لو كان هذا علاجا من الإدمان.

يقول أحد الشباب الذي حاولوا التسجيل في مراكز علاج الإدمان بالمجان، المتعاونة مع وزارة التضامن الاجتماعي، إنه انتظر وقتا طويلا، وبسبب التكدس اضطر إلى الانتظام في جلسات متابعة خارجية، سواء بزيارة بشكل أسبوعي أو المتابعة الهاتفية مع أحد الأطباء.

وتتيح وزارة التضامن نظام المتابعة عبر مراكز علاجية تتعاون معها لتغيطة طلبات المقبلين على التعافي ضمن حلمتها الناجحة “انت أقوى من المخدرات” التي شارك فيها نجم الكرة المصرية محمد صلاح، لكن نظام المتابعة أحيانا ما يؤدي إلى نتائج عكسية. او على الأقل لا يفي بالغرض.

لم تحقق هذه الطريقة نتيجة إيجابية مع الشاب الذي تحدث إلينا، شريطة عدم الكشف عن اسمه، إذ وجد نفسه بعد 3 جلسات يلتقي أصدقاء السوء، حسب وصفه، ممن عرفهم خلال الطريق إلى الإدمان ليفشل في “التبطيل”.

يحكى أنه لم يكن يخطر على باله يوما تحوله إلى مدمن، فجأة الحياة تحولت إلى جحيم، سقطت في هوة سحيقة، أقضي يومي في حالة من النشوة وعندما يتمكن مني التعب ويصيب جسدي الإنهاك، ألقي به على السرير ويدور في ذهني سؤالا واحدا.. كيف سأحصل على الجرعة التالية؟

مراكز علاج باهظة الثمن

تختلف طرق علاج الإدمان في مصر من مركز علاج إدمان إلى آخر، البعض يذهب للعلاج الدوائي والبعض الآخر يعتمد على الحجز حيث يستطيع الطبيب السيطرة على أعراض انسحاب المخدر الجسدية التي يعاني منها المريض بمجرد التوقف عن تعاطي المخدر.

وخلال هذه المرحلة تكون تكلفة علاج الإدمان في مصر داخل المراكز يومية، وتتراوح ما بين 250 إلى 1500 جنيه حسب ما إذا كانت الغرفة فردية أم جماعية، حيث تضع مراكز علاج الإدمان هامش ربح كبير، ويتراوح أسعارها بداية من 1500جنيه مصري لليوم إلى 5 آلاف جنيه، ونظرا لأن الفترة العلاجية تكون في الغالب 6 أشهر داخل أغلب مراكز علاج الإدمان، وهي مبالغ ضخمة بالنسبة إلى المدمنين وعائلاتهم، ولا تتوافر إمكانية العلاج الذي قد يستمر لشهور لشريحة كبيرة من المدمنين. 

للعلاج من الإدمان فاتورة ضخمة

خلال السنوات الثلاث الماضية، حاول أ.أ مرارا أن يحصل على العلاج لكن تكلفته الباهظة كانت سببا وراء عدم علاجه حتى الآن.

يعاني الشاب من الإدمان منذ ثلاث سنوات، عرف الطريق من خلال شقيقه الأكبر – مدمن – عندما شاهده لأول مرة وهو يأخد الجرعة، وظن أنه سيخوض التجربة ويخرج منها سريعا، إلا أنه اكتشف أن الجرعة الأولى وما تمنحه من نشوة تشبه إلى حد كبير شباك الصياد الماهر التي ما أن يلقيها حتى تمسك بتلابيب الفريسة، وهو ما حدث معه، حتى كتابة هذه الكلمات ما زال يعاني من الإدمان. 

الغريب أن هذا الشاب كانت تجربته لم تش أنه سينتهي به المطاف كمدمن ييحث عن علاج. شاب رياضي يلقبه أصدقاؤه برونالدو لمهاراته العالية في كرة القدم.

“كنت كل يوم ّذهب إلى أحد ملاعب كرة القدم لأمارس هوايتي المفضلة، اليوم استيقظ كل صباح لأبحث عن الجرعة الثانية” يقولها الشاب بحسرة.

يحكي أن خضع للعلاج ذات مرة ف يمركز علاجي بحي الهرم، مقابل2000 جنيه في الأسبوع، وفوجئ بعد 3 أيام بأحد المرضى الذين يتلقون العلاج في نفس المركز يعرض علي جرعة ويخبربه أن هناك المزيد إذ امتلكت المال، انتكس وعاد لسابق عهدي، وبعد أن أدركت فداحة خطأه طلبت الخروج فورا.

حاولت أسرته أن تجد له مركزا آخر للعلاج، لكن الأسعار كانت خرافية، أحدهم أخبر عائلته أنه سيحصل على العلاج بجانب خدمة فندقية لمدة 3 أشهر، وسيكون على عائلته أن تدفع بشكل أسبوعي 15 ألف جنيه، وهو ما يعد رقما تعجيزيا.

واستطرد: “كان والدي يملك شقة في حي الهرم، عمد إلى بيعها من أجل توفير المال اللازم لرحلة العلاج، مكثت في المصحة قرابة شهرين، شعرت بتحسن كبير، خرج المخدر من جسدي بالكامل، وشعرت بأني أفضل الآن كثيرا، لكن الخسائر التي خلفتها ورائي كانت كبيرة”.

أصدقاء السوء في الانتظار

عاد إلى حياته الطبيعية، مارس كرة القدم، وعمل جاهدا للبحث عن عمل، لمساعدة عائلتي التي صرفت أموال كثيرة من أجل علاجي، ضغوط الحياة وأصدقاء السوء كانوا متواجدين من حولي في كل اتجاه. 

ضمن بروتوكول علاج الإدمان ينصح بعدم عودة المدمن إلى موقع اعتاد على تناول جرعته فيه، إذ يبدأ الأمر من جديد، يقول: “أ.أ”: “لم يكن في استطاعة عائلتي أن تنقل إلى حي سكني، رحلة العلاج ارهقتهم ماديا، لذا بقيا في نفس الحي، لأجد نفسي أعود تدريجيا إلى ذات الدائرة من جديد”.

لا تعكس هذه التجارب كل الواقع، فهناك 73 ألف مدمن تم علاجهم خلال الـ 7 أشهر الأولى من العام الجاري، و318 مريضا ترددوا على المراكز العلاجية، وفقا لوزارة التضامن الاجتماعي.