أعاد مجلس الأمن الدولي تحريك ملف سد النهضة، من خلال تفويض الاتحاد الأفريقي لقيادة جولة جديدة من المفاوضات. وفيما سجلت إثيوبيا تحفظها، رحبت مصر والسودان بتوصية المجلس. وذلك في الوقت الذي أزاحت الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الأفريقي حاليًا عن مبادرة قالت إنها تهدف لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.
مجلس الأمن يدعو لاستئناف المفاوضات
اعتمد مجلس الأمن، الأربعاء، بيانا رئاسيا يدعو فيه أطراف سد النهضة الإثيوبي إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي. وقال البيان الرئاسي: “مجلس الأمن ليس جهة الاختصاص في النزاعات الفنية والإدارية حول مصادر المياه والأنهار”. كما دعا المجلس أطراف سد النهضة إلى استئناف المفاوضات، مشددًا على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015.
وقال المجلس في إعلان قدمت مشروعه تونس إن الاتفاق يجب أن يكون “مقبولا من الجميع. وملزما حول ملء وتشغيل” سد النهضة “ضمن جدول زمني معقول”.
ولم يحدد البيان الرئاسي أي مهلة للوصول إلى الاتفاق. لكنه أضاف أن “مجلس الأمن يشجع المراقبين الذين تمت دعوتهم لحضور المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي، وأي مراقبين آخرين قد تقرر مصر وإثيوبيا والسودان بالتراضي دعوتهم بشكل مشترك. وذلك لمواصلة دعم المفاوضات بهدف تسهيل حل القضايا الفنية والقانونية العالقة”.
مصر والسودان ترحبان
ورحبت مصر، مساء الأربعاء، ببيان مجلس الأمن. وأكدت حسب بيان لوزارة الخارجية “أن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن حول سد النهضة. وعلى ضوء طبيعته الإلزامية (…) يفرض على إثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزِم حول قواعد ملء وتشغيل” السد.
وأكدت الخارجية أن “البيان يمثل دفعة هامة للجهود المبذولة من أجل إنجاح المسار الأفريقي التفاوضي، وهو ما يفرض على إثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزِم. وذلك حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة على النحو الوارد في البيان الرئاسي لمجلس الأمن”.
كما جدد السودان دعوته لاستئناف المفاوضات بين الدول الثلاث تحت رعاية الاتحاد الإفريقي. وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في لقاء بنظيرها الكونغولي بالخرطوم الأربعاء إن “السودان يتطلع إلى أن تستأنف الأطراف العملية التفاوضية تحت قيادة الاتحاد الإفريقي في أقرب الآجال. وشددت على ضرورة أن يتم تغيير المنهجية غير الفاعلة التي وسمت جولات التفاوض الماضية”، حسب ما نقلت وكالة أنباء السودان.
إثيوبيا تتحفظ وتهاجم تونس
ولطالما عارضت إثيوبيا بحث قضية السد في مجلس الأمن الدولي. والأربعاء أسفت وزارة الخارجية الإثيوبية لإقحام هذه الهيئة في “قضية تتعلق بالحق في المياه والتنمية التي تقع خارج نطاق صلاحياتها”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي إن “زلة تونس التاريخية في تقديم قرار المجلس تقوض مسؤوليتها الجسيمة كعضو مناوب في مجلس الأمن الدولي على مقعد إفريقي”. إزاء ذلك جدّدت بيلين سيوم المتحدثة باسم أبيي أحمد، التأكيد على موقف الحكومة المؤيد لمفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي.
وقالت سيوم في مؤتمر صحفي إن “إثيوبيا لا تزال على موقفها الثابت بأننا نسعى إلى حل ودي”. وشدد على ضرورة أن يكون برعاية إفريقية، مؤكدة التعامل بـ”إيجابية” مع “هذه الدعوة الجديدة لمواصلة المحادثات”. كما قالت إن إثيوبيا لا تسعى إلى إلحاق الضرر بالدول المجاورة لا سيما “إخواننا وأخواتنا” في السودان ومصر.
تونس ترد على ادعاءات إثيوبيا
والخميس، أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانا للرد على الادعاءات الإثيوبية ضدها، بعد صدور بيان مجلس الأمن. وقالت إن تونس “تقدمت بهذا البيان الرئاسي في إطار التزامها ببعديها الإفريقي والعربي، ومن منطلق مسؤوليتها في مجلس الأمن، وتجسيما لإيمانها بضرورة خدمة السلم والأمن وتعزيز قيم الحوار والتفاوض”.
وأضافت الوزارة أن “تونس حرصت طيلة مسار المفاوضات حول مشروع البيان على التواصل مع كل الأطراف المعنيّة ومع أعضاء مجلس الأمن على مستويات مختلفة. وذلك لتقريب وجهات النظر وبلوغ اتفاق متوازن يراعي مشاغل كل الأطراف ومصالحها. ويضمن حقها في التنمية ويبعد المنطقة عن أي توترات”.
وتابعت: “تونس تعبّر عن استغرابها ممّا تضمّنه بيان وزارة الخارجية الإثيوبية الصادر يوم 15 سبتمبر 2021. الذي تضن تشكيكا في التزام تونس في الدفاع عن القضايا الإفريقية في المحافل الدولية وخلال عضويتها بمجلس الأمن”. واستطردت: “يهم الوزارة أن تؤكد أنه تم- منذ بداية التفاوض حول مشروع البيان- التنسيق المحكم والتشاور المستمر مع كل الدول المعنية، وأن هذه المبادرة لم تكن موجهة ضد أي طرف، بل الهدف منها تشجيع الدول المعنية على استئناف المفاوضات بشكل بناء، بالإضافة إلى تثمين الدور المحوري للاتحاد الإفريقي وتعزيز دعم المجموعة الدولية له في رعاية هذه المفاوضات والتوصل إلى حل توافقي”.
مبادرة كونغولية وجولة ثلاثية
في هذه الأثناء، أجرى كريستوف لوتوندولا، وزير خارجية الكونغو الديمقراطية الذي تترأس بلاده الاتحاد الإفريقي، الأربعاء، مشاورات في إثيوبيا والسودان. والتقى لوتوندولا، في أديس أبابا، رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ووزير خارجيته ديميكي ميكونين. وجرى بحث استئناف المفاوضات الخاصة بسد النهضة، بحسب تغريدة لوزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي على تويتر.
وجاء في التغريدة أن وزير الخارجية الكونغولي أحضر معه “ملفاً” أعده خبراء من بلاده والاتحاد الإفريقي، يتضمن مقترحات طرحها فريق من جمهورية الكونغو الديمقراطية “لتضييق نقاط الخلاف”.
وقال وزير الري الإثيوبي إن بلاده “تقدر جهود جمهورية الكونغو الديمقراطية”. كما أشار إلى أنها “ستنظر في الملف وتستعد للمفاوضات”. وانتقل بعدها وزير الخارجية الكوغولي إلى الخرطوم، حيث التقى وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي. بحسب وكالة الأنباء السودانية “سونا”.
السودان يطالب بتغيير المنهجية غير الفاعلة
ونقلت الوكالة عن الصادق المهدي القول إن بلدها “تشارك بحسن نية” في جولات التفاوض الخاصة بقضية سد النهضة. وذلك بهدف الوصول لاتفاق يحفظ مصالح الجميع، معبرة عن تطلع السودان لاستئناف المفاوضات تحت قيادة الاتحاد الإفريقي. لكنها طالبت بضرورة “أن يتم تغيير المنهجية غير الفاعلة التي وسمت جولات التفاوض الماضية”.
كما طالبت الوزيرة الأطراف المعنية “بمستوي عالٍ من الإرادة السياسية، وذلك في إطار من المسؤولية والجدية للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة”.
مصر تدرس مقترحات الكونغو
وعندما وصل القاهرة والتقى وزير الخارجية سامح شكري. قال الأخير إن مصر تلقت رؤية وخطة عمل من الكونغو، الرئيسة الحالية للاتحاد الإفريقي، ترسم مسار المفاوضات حول سد النهضة خلال الفترة المقبلة.
وأضاف، في كلمة بمؤتمر صحفي مشترك، مع نظيره الكونغولي، الخميس، أن اجتماعهما ركز على قضية سد النهضة. وذلك في إطار الرئاسة الكونغولية للاتحاد الإفريقي. وفي إطار ما دعا إليه مجلس الأمن أمس إلى استئناف المفاوضات، موضحا أن خطة العمل التي قدمتها الكونغو، سيتم تحديد الإطار الزمني لها عند إطلاقها.
ولفت سامح شكري إلى تركيز دعوة مجلس الأمن الدولي حول استئناف مفاوضات سد النهضة، على عنصر الوقت بذكره مرتين. وذلك من خلال الاستئناف السريع للمفاوضات، ومرة أخرى بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في وقت قريب. كما تابع أن ذلك يدل على حرص أعضاء مجلس الأمن للوصول إلى حل لأزمة سد النهضة، وذلك في إطار زمني محدود وليس في إطار مفتوح يتيح مزيد من الإجراءات الأحادية التي تعرقل الأمر.
وأشار إلى تطلع مصر لتلقي الدعوة في أقرب فرصة لاستئناف المفاوضات، مؤكدًا ثقة مصر في قيادة الكونغو الديمقراطية لعملية التفاوض، وأن مصر ترى لدى الرئيس الكونغولي، فليكس تشيسكيدي، الجدية والإرادة للوصول إلى اتفاق لتسوية مشكلة سد النهضة التي تستمر على مدار عقد من الزمان.