قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصـري في اجتماعهـا، أمس الخميس، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25% و9.25% و8.75% على الترتيب، والإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75%.
بهذا المستوى، يظل سعر الفائدة المصرية هو أعلى عائد حقيقي في العالم. بعد قرار المركزي إبقائه على المستوى ذاته للشهر السابع على التوالي. كإجراء تحوطي من التأثير المحتمل لقرار متوقع للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في الأسواق الناشئة الأسبوع المقبل. وذلك بحثًا عن مؤشرات تقليصه برنامج التحفيز.
سعر الفائدة الحقيقي
وسعر الفائدة الحقيقي هو الفرق بين سعر الفائدة المعلن من قبل البنك المركزي المصري ومعدل التضخم. وتقدم مصر أعلى عائد في هذا المجال، بين أكثر من 50 اقتصادًا تركز عليها وكالة بلومبرج الأمريكية.
من المتوقع أن يبدأ البنك المركزي الأمريكي التخلي عن برنامج لشراء سندات بقيمة 85 مليار دولار شهرياً. وذلك لخفض أسعار الفائدة ودعم الاقتصاد المحلي. وهو ما يفتح الباب أمام ارتفاع العائد على أدوات الدين الحكومية بالولايات المتحدة وموجة تشديد السياسة المتوقع في الاقتصاديات المتقدمة.
ويخشى البنك المركزي المصري من أن يقود قرار المركزي الأمريكي لتقليص جاذبية أدوات الدين المصرية. سواء أذون الخزانة قصيرة الأجل أو السندات طويلة الأجل.
ضبابية عالمية
وقال محمد أبو باشا، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار المجموعة المالية “هيرميس” إن قرار لجنة السياسة النقدية جاء وسط حالة عدم اليقين على الصعيد العالمي وبيئة التضخم المحلي المستقرة إلى حد كبير، وتقارير الوظائف التي تلقى بظلال من الشك حول موعد حدوث التناقص التدريجي، في شراء الأصول من قبل البنك المركزي الأمريكي.
ويعتبر الاستثمار في أدوات الدين المصرية أمرًا مفضلاً للمستثمرين الأجانب الذين يمتلكون 33 مليار دولار من السندات والأوراق المالية المحلية. والتي عوَّضت عائدات السياحة التعافي الكامل من كورونا.
ووفق “أبو باشا”، فإن سياسة التناقص التدريجي لـ”الاحتياطي الفيدرالي” ستُعلن بداية نهاية أسعار الفائدة المنخفضة. تلك التي أفادت الأسواق الناشئة على مدى العقد الماضي. وهو ما يفرض على الأخيرة قدرًا من التحديات خاصة التي تعتمد بشدة على تدفقات رأس المال لتمويل عجزها المزدوج.
ويطبق 22 بنكا مركزيا حول العالم أسعار فائدة صفرية على الودائع لمدة ليلة واحدة. فيما تطبق ثلاث دول أخرى فائدة سالبة لمواجهة الانكماش أو الركود أو ضعف النمو الاقتصادي فيها. بينما رفعتها البنوك المركزية في دول مثل البرازيل وروسيا والمجر والمكسيك بالفعل هذا العام لمواجهة ضغوط التضخم وانخفاض قيمة العملة.
وتتراوح الفائدة بين 10 و58.7% لدى 22 دولة حول العالم في مقدمتهم فنزويلا. لكن مصر تتميز بمعدل متوازن على المستوى المتوسط للتضخم العام المستهدف البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) خلال الربع الرابع من عام 2022، ما يجعل العائد مرتفعا حال مقارنته بدولة مثل فنزويلا التي ارتفع فيها التضخم عام 2020 بنسبة 3000%.
جذب تدفقات المستثمرين الأجانب
وقال سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في “تش إس بي سي هولدينج” لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، إن العائد المرتفع في مصر يستمر في جذب تدفقات المستثمرين الخارجيين. والتي من المرجح أن تظل مصدرًا مهمًا للتمويل حتى تخف ضغوط الحساب الجاري.
بحسب حيثيات قرار البنك المركزي، استمر النشاط الاقتصادي في التعافي، وإن كان بدرجات متفاوتة على مستوى القطاعات والدول المختلفة. وذلك نتيجة التفاوت في معدلات التطعيم ضد فيروس كورونا بين الدول. كما أن تعافي النشاط الاقتصادي العالمي يعتمد على تطورات انتشار جائحة كورونا وقدرة بعض الدول على احتواء انتشار الجائحة. خاصة في ظل ظهور سلالات جديدة للفيروس.
الارتباط باستقرار سعر خام البترول
يرتكز قرار السياسة النقدية بمصر على استمرار الأوضاع المالية الداعمة للنشاط الاقتصادي العالمي باستقرار سعر خام البترول برنت بشكل عام. وذلك رغم استمرار الأسعار العالمية للسلع الغذائية وبعض السلع الأولية الأخرى في تسجيل مستويات مرتفعة مقارنة بالأعوام الماضية.
ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة المحلية بنحو 1% عن المستهدف بمشروع الموازنة العام للدولة لارتفاع قيمة العجز الكلي نتيجة ارتفاع فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو 9 مليارات جنيه سنويًا في المتوسط (9 مليارات لكل 1% ارتفاع). لكن في الوقت نفسه يؤدي التخفيض إلى تآكل ودائع صغار المودعين الذين يعتمدون على الفائدة في الإنفاق على حياتهم.
وتقدر الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في مشروع الموازنة الجديدة 2021/2022 بنحو 579.5 مليار جنيه. وهي تعادل 8.2% من الناتج المحلي مقابل 566 مليار جنيه تعادل 8.3% من الناتج المحلي للعام المالي الحالي. بزيادة قدرها 13.5 مليار جنيه.
تمثل الفوائد في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الجديد نحو 31.5% من إجمالي المصروفات العامة البالغة 1.8 تريليون جنيه. وتنبع في الأساس من حاجة الوزارة لموارد إضافية لسد العجز الكلي للموازنة في ظل تزايد النفقات عن الموارد.
المديونية الحكومية
ويبلغ إجمالي التمويل المطلوب بالموازنة العامة 475.5 مليار جنيه، بجانب أقساط القروض المحلية والخارجية المقدرة بنحو 593 مليار جنيه. لكن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، يؤكد تراجع المديونية الحكومية بنسبة 20.5% من الناتج المحلى على مدار 3 سنوات من 108% من الناتج المحلى في يونيو 2017إلى 87.5% في يونيو 2020.
وقال الوزير، في بيان صحفي مؤخرا، إنه لولا جائحة كورونا لوصلت النسبة إلى 82%. ولفت إلى أن العام المالي المقبل سيتم خلاله خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي بنحو 79%. وأشار إلى ارتفاع رصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي بشكل كبير ليتجاوز 40 مليار دولار في أبريل 2021. وهو ما يغطي أكثر من 7 شهور من فاتورة الواردات السلعية والخدمية.
وتخطط الوزارة للإبقاء على دين أجهزة الدولة إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 88% بنهاية 2021/2022. وذلك مقابل 83% في 2020/2021 و87% في 2019/2020، في ارتفاع تم تبريره بتداعيات فيروس كورونا الاقتصادية.
مستقبل عوائد أدوات الدين المصرية
وأكد بنك الاستثمار “إتش سي”، في دراسة وصل لـ”مصر 360” نسخة منها، أن حركة أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة الأخرى ستحدد وتيرة الانخفاضات المستقبلية في عوائد أدوات الدين المصرية حاليا. وتركيا تقدم 19% عائد على سندات الخزانة أجل العام واحد. وبالتالي عائدًا حقيقيًا يبلغ 5.45% (باحتساب صفر% ضرائب وتوقعات بلومبرج للتضخم التركي عند 13.4% لعام 2022). وذلك مقارنةً بالعائد الحقيقي في مصر البالغ 3% (باحتساب 15% ضرائب على أذون الخزانة المفروضة على المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين وتوقعات التضخم عند 8% تقريبا لعام 2022.
ويقول نادي عزام، الخبير المصرفي، إن قرار المركزي المصري تثبيت أسعار الفائدة يعد قرارا مناسبا. فالارتفاعات التي شهدها التضخم خاصة في السلع الغذائية لا تزال في المعدلات المستهدفة (من 5 إلى 9%). كما تسعى مصر للحفاظ على جاذبية الأوراق الحكومية التي مثلت موردا للعملة الصعبة في خضم تأثر قطاع السياحة بكورونا.
وأضاف أن المستثمرين بأدوات الدين لديهم سمة ثابتة في المقارنة بين الأسواق لمعرفة الأعلى منها في العائد الحقيقي قبل دخولها. وبالتالي تمثل مصر مكانا مربحًا لتلك النوعية من المستثمرين، لن لا يعني ذلك رفع الفائدة من أجل جذبهم حفاظا على المديونية الحكومية. بينما يضر الخفض صغار المودعين الذين يعتمدون على فائدة في الإنفاق والعيش.