5 قطاعات تجارية بمصر عانت حالة ركود غير مسبوقة تجاوزت 50% في بعض الأوقات خلال عامي 2020، و2021 مما أدى لأوضاع “كارثية” تهدد هذه القطاعات والعاملين بها.
وتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4% في عام 2021، بعد انكماش بلغ 4.3% في العام الماضي ــ وهو يعد رابع أشد ركود عالمي في فترة 150 عاماً الماضية. والذي لم يتجاوزه سوى الركود الذي صاحب الحربين العالميتين وفترة الكساد الكبير.
وقال تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية في يناير الماضي “لكي يحدث تعاف خلال هذا العام، فمن المفترض أن تفضي تدابير المكافحة إلى الحد من معدلات الإصابة الجديدة. وأن تكتسب عملية التحصين باللقاحات زخماً بحيث يتسع نطاقها لتغطي جميع أنحاء العالم بحلول نهاية العام المقبل”.
الملابس.. وتغير الأولويات
قالت عضو مجلس إدارة شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، سماح هيكل: “قطاع الملابس قبل 5 أعوام لم يعاني أي ركود وقبل كورونا مباشرة وصلت نسبة الركود لنحو 30%. بينما آلت الأوضاع الآن لركود لا تقل نسبته عن الـ 50%، وربما أكثر من ذلك في بعض الفترات المتباينة.
ولخصت هيكل الأسباب التقليدية في تحديد أولويات الأسرة المصرية، موضحة “البعض يرى أن شراء الملابس رفاهية يمكن الاستغناء عنها في ظل الظروف الصعبة. وأن هناك أولويات أخرى منها الطعام، والمصاريف المدرسية، والعلاج، والدروس الخصوصية”.
واعتبرت سماح هيكل، أن الأعباء زادت على كاهل الأسر المصرية نتيجة أزمة كورونا، لذلك فالأولوية الآن أصبحت للإنفاق على العلاج أو الوقاية من الإصابة بزيادة الإجراءات الاحترازية من مطهرات وكمامات وغيرها من المستلزمات التي تحتاج للمال.
ورأت عضو مجلس إدارة شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، سماح هيكل، أن تلقي اللقاح قد يساعد على التعافي من الأزمة، متوقعة حدوث انتعاش بالأسواق بعد تلقي اللقاح خلال الفترة المقبلة. وأكدت أن أصحاب المصانع من جانبهم يسعون لتجاوز تلك المرحلة المتأزمة بتثبيت الأسعار، ولو تحملوا تكلفة ارتفاع الخامات في الموسم الجديد لكنه الأفضل من استمرار الوضع الراكد في الأسواق.
الاحتياجات الأساسية أهم من الادخار
أما بالنسبة للذهب فلم يعد هناك فائض للادخار أو الرفاهية، حيث يرى سكرتير عام شعبة المشغولات الذهبية بغرفة القاهرة التجارية، نادي نجيب. أن السبب الرئيسي لتراجع مبيعات الذهب وحالة الركود التي طالت، جاء لعدم وفرة السيولة المالية لدى المستهلك، بالتزامن مع دخول المدارس ومستلزماتها، فضلاً عن ارتفاع تكلفة المعيشة.
واعتبر نادي نجيب، أن الأعباء المعيشية جعلت كثير من الأسر تتراجع عن فكرة الشراء وأصبحت قاصرة على الأفراح التي تشهد تحولا في المشتريات أيضاً. فالبعض أصبح يلجأ لكتابة قيمة جرامات الذهب في قائمة المنقولات والاكتفاء بشراء جزء رمزي من شبكة العروس.
وأضاف أن الأسواق تأثرت بانتشار فيروس كورونا وارتفعت الأسعار العالمية أو في ارتفاع معدل الإنفاق على الصحة والدواء. مشيرا إلى أن الحالة الوبائية أفقدت الكثيرون ثقتهم في وجود مستقبل يستحق الادخار وبات التركيز على شراء الاحتياجات اليومية دون التفكير في تأمين الغد.
تغير ثقافة الاستهلاك
في قطاع الخضروات والفاكهة يبدو الأمر غير مألوف بالمرة فقد تغيرت إلى حد كبير ثقافة الاستهلاك لدى المصريين في ظل الجائحة. وركزت مشترياتهم على الاحتياجات الأساسية ولم يعد المستهلك يفكر في الغد.
ويشرح بقدر كبير من التفصيل، نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة بغرفة القاهرة التجارية، حاتم نجيب، الذي اعتبر أن هناك حالة غير مسبوقة من الوفرة الإنتاجية في الأسواق المصرية. وهو ما طمأن المستهلك إلى حد كبير وجعله لا يفكر في التخزين أو فيما يخبئ له الغد من نقص محتمل في هذا المنتج، لذلك لا يشتري سوى احتياجاته اليومية فقط.
وأرجع حاتم نجيب، تراجع المبيعات في الفترة الأخيرة أيضاً إلى الضبط الأمني والرقابي للأسواق، قائلا: “لم يعد هناك من يستطيع استغلال المواطن بالمنع أو الاحتكار بل باتت كل المنتجات مطروحة وبوفرة فبالتالي لا توجد مخاوف تجعل المواطن يلجأ للتخزين وهو ما يتسبب عادة في أزمات السوق”.
ويرى نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة، حاتم نجيب، أن للظروف الاقتصادية والأعباء المالية دورا هاما في تغيير ثقافة الاستهلاك قائلا: “أصبح هناك من يشتري ثمرة واحدة بقدر حاجته وظهر وزن الربع والنصف كيلو بعد أن كان متوسط الشراء الفرد من 3 لـ 5 كيلو”، وأوضح أن التصنيع الغذائي له دور في تراجع المبيعات فقد أتيح أيضاً للمستهلك السلعة البديلة ذات الجودة الموازية والمناسبة”.
الإسمنت.. ووقف البناء
الإسمنت واحد من القطاعات التي تعاني من نسبة ركود مرتفعة قدرها التجار بنحو 70%، حيث باتت معاناتهم أكبر من احتمالها ويحتاج إنقاذ هذا القطاع إلى تدخل مباشر من الدولة.
ويرى رئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد الزيني، أن السوق يعاني بالفعل من ركود لسببين أحدهما خارجي مرتبط بوضع الاقتصاد العالمي الراكد تأثراً بجائحة كورونا. الذي ألقى بظلاله على مختلف القطاعات المحلية ومنها مواد البناء والإسمنت على وجه التحديد، والآخر محلي مرتبط بقرار وقف تراخيص البناء الذي أثر على السوق وأدى إلى وضع غير مسبوق من الركود الناتج عن تراجع حجم الطلب.
واعتبر أحمد الزيني، أن نسبة الركود في المحافظات تجاوزت الـ 60% لارتباط العمل الخاص بالتجار هناك بنطاق المحافظة. مشيراً إلى أن واحد من الحلول التي يمكنها حل أزمة القطاع تكمن في ضرورة توفيق أوضاع نحو 50% من المصانع المنتجة التي أصبحت منتهية الصلاحية بعضها لم يتم تحديثه منذ عام 1926 وحتى الآن مما جعل نسبة إنتاجها لا تتجاوز الـ 10% فقط.
الأدوات المنزلية.. والاحتكار
أكد أشرف هلال رئيس شعبة الأدوات المنزلية، أن نسبة الركود في القطاع خلال الوقت الحالي تجاوزت الـ 60%. معتبراً أن تلك الحالة ليست بجديدة فالسوق يعاني من وضع مشابه منذ أكثر من عامين.
وأرجع نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، فتحي الطحاوي، هذا الركود بسبب ارتفاع الأسعار وهو ما أثر سلباً على القوة الشرائية. وذلك قبل فترة كورونا كان ناتجاُ عن القرارات الاقتصادية ومنها القرار رقم 43 وقرار الفحص المسبق الذي رفع معدل الاحتكار في السوق المحلي لبعض المنتجات. أما بعد كورونا فالوضع الاقتصادي أثر بالتبعية على باقي القطاعات وقد تأثر قطاع الأجهزة المنزلية بشكل مباشر بغلق قاعات الأفراح، وتقليل نسبة إشغالات الفنادق والكافيتريات والمطاعم.
وأكد الطحاوي، أن الوباء أدى إلى ارتفاع قيمة المواد الخام لأن الكثير من المصانع لا تعمل بكامل طاقتها سواء في أوروبا أو أسيا أو الصين. كما أن تكلفة الشحن ارتفعت بشكل مبالغ فيه بعد استقرارها عند 1800 لـ 2000 دولار وصلت الآن إلى 15000 دولار للكونتينر الواحد.
قدم نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، فتحي الطحاوي، مقترحا بعودة المعارض المتخصصة التي تقوم بها المؤسسات الحكومية والنقابات مرتين في العام بالتعاون مع البنوك على أن تتراوح نسبة الفائدة من 3 لـ 5% وفترة السداد من 3 لـ 5 سنوات.
وقال “يمكن لوزارة التضامن الاجتماعي أن تقوم بالشيء نفسه مع أصحاب المعاشات ولن يبقى إلا القطاع الخاص وبشكل منفرد يمكن لمؤسساته إقامة اتفاقات شبيهة مع البنوك وبالتالي تنتعش الأسواق ويدفع المستهلك بأقساط تتناسب مع سيولته المالية”.
وأضاف فتحي الطحاوي، أن هناك حل مواز يمكنه إنعاش الأسواق يتمثل في قيام الحكومة بمراجعة القرارات الأخيرة الخاصة بالاستيراد. ومن ثم ينكسر احتكار وتحكم بعض الأشخاص في سلع بعينها ويتم توفير مناخ عادل للمنافسة فتنخفض الأسعار.