يحتفل العالم باليوم الدولي للسلام الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتباره يوما مخصصا لتعزيز قيمه. وذلك في خضم صراعات استراتيجية عسكرية، وسلسلة من الأزمات المتتالية.
وبحسب الأمم المتحدة فإن العالم في هذا اليوم يلتزم بسياسة اللاعنف عبر وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة. وكان الأمين العام أنطونيو جوتيريش دعا في مارس الماضي لوقف إطلاق النار على مستوى العالم. حيث أصدر مجلس الأمن بالإجماع في فبراير 2021 قرارًا يدعو الدول الأعضاء إلى دعم “وقف إنساني مستدام” للنزاعات المحلية.
كما يجب مواصلة احترام وقف إطلاق النار على الصعيد العالمي لضمان حصول الأشخاص المحاصرين في النزاع على اللقاحات والعلاجات الضرورية للبقاء.
ويأتي هذا العام لليوم الدولي للسلام تحت عنوان “التعافي بشكل أفضل من أجل عالم منصف ومستدام”، يتم التركيز فيه على التعافي بشكل أفضل من أجل عالم أكثر إنصافًا وسلمًا.
وقد دعت الأمم المتحدة إلى الاحتفال بالسلام بالوقوف في وجه أعمال الكراهية على الإنترنت وخارجها. وبنشر التعاطف واللطف والأمل في مواجهة الوباء، وتحويل عالمنا إلى عالم أكثر مساواة، وأكثر عدلا وإنصافا وشمولا واستدامة وصحة.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من أجل “الاحتفال بمُثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب”. وبعد عشرين عام، حددت الجمعية العامة 21 سبتمبر تاريخا للاحتفال بالمناسبة سنويا ’’كيوم لوقف إطلاق النار عالميا وعدم العنف من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية وللتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله‘‘.
دعوة للاحتفال
وتدعو الأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء والمؤسسات التابعة لمنظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وغير الحكومية والأفراد إلى الاحتفال باليوم الدولي للسلام بصورة مناسبة. بما في ذلك عن طريق التعليم وتوعية الجمهور والتعاون مع الأمم المتحدة في تحقيق وقف إطلاق النار على النطاق العالمي.
وقد أشارت الأمم المتحدة إلى مشكلة عدم وصول اللقاحات إلى كل دول العالم، موضحة أن “الوباء يصيب الفئات المحرومة والمهمشة أكثر من غيرها، وتلقى أكثر من 687 مليون شخص. جرعات لقاح كوفيد-19 على مستوى العالم، حتى أبريل من العام الجاري، لكن أكثر من 100 دولة لم تتلقَ جرعة واحدة”. كما لفتت إلى أن الأشخاص المحاصرين في النزاعات، يتعرضون للخطر لأنهم يفتقدون خدمات الرعاية الصحية».
بينت الأمم المتحدة المشكلات التي صاحبت الوباء، قائلة «ترافق ظهور الوباء مع تصاعد في وصمات العار والتمييز والكراهية. التي تزيد كلفة الأنفس، فالفيروس يهاجم كل ذلك دون الاهتمام بالمكان أو العقيدة، وفي مواجهة هذا العدو المشترك للبشرية، يجب أن نتذكر أننا لسنا أعداء بعضنا بعضاً”.
وتطرقت المنظمة الدولية إلى مشكلة التغير المناخي قائلة: «علينا أن نحقق السلام مع الطبيعة، فعلى الرغم من قيود السفر والإغلاق الاقتصادي، فإن تغير المناخ لم يتوقف مؤقتاً، وما نحتاجه هو اقتصاد عالمي أخضر ومستدام، ينتج فرص عمل، ويقلل الانبعاثات ويبني القدرة على الصمود أمام تأثيرات المناخ».
الولايات المتحدة والصين.. الحرب الباردة
دعت الأمم المتحدة إلى السلام قائلة: “لكي نتمكن من التعافي من الدمار الذي أحدثه الوباء، يجب أن نحقق السلام فيما بيننا”.
وبحسب منظمة العفو الدولية يشوب العالم عدد من النزاعات المسلحة، بما في ذلك النزاعات التي تنخرط فيها أطراف متحاربة داخل دولة واحدة. وتلك التي تنخرط فيها قوات مسلحة من دولتين أو أكثر.
وألحقت هذه النزاعات الضرر بملايين البشر بطرق لا حصر لها، بما في ذلك قتل المدنيين، وترك الناجين مصابين أو مشوهين، أو التعذيب، أو الاغتصاب، أو التهجير القسري، أو الإساءة على نحو خطير. وبحلول نهاية 2019، كان 79,5 مليون شخص قد نزحوا قسرياً في مختلف أنحاء العالم بسبب الصراع المسلح، وهو أكبر عدد تم تسجيله على الإطلاق، بحسب المنظمة.
من جانب آخر جاءت دعوة الأمم المتحدة للسلام بين دول العالم على مقربة من تحذير الأمين العام للأمم المتحدة من احتمال نشوب حرب باردة جديدة، حيث ناشد في مقابلة مع الأسوشيتد برس، الصين والولايات المتحدة لإصلاح علاقتهما “المتوقفة تماما”، قبل أن تتوسع المشكلات بين الدولتين النافذتين وتنسحب إلى بقية دول العالم.
وتحدث جوتيريش قبيل الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، المقرر هذا الأسبوع، والذي سيعقد للمرة الأولى في مقر المنظمة بمدينة نيويورك، بعد جائحة كورونا.
وقال جوتيريش إنه ينبغي على القوتين الاقتصاديتين الرئيسيتين في العالم أن تتعاونا بشأن المناخ وأن تتفاوضا بعزيمة أكبر حول التجارة والتكنولوجيا. حتى في ظل الانقسامات السياسية المستمرة حول حقوق الإنسان والاقتصاد والأمن عبر الإنترنت والسيادة في بحر الصين الجنوبي.
وأضاف “نحن بحاجة إلى إعادة توطيد علاقة فاعلة بين القوتين”، واصفا ذلك بأنه “ضروري للتعامل مع مشاكل التطعيم ومشاكل تغير المناخ. والعديد من التحديات العالمية الأخرى، التي لا يمكن حلها دون علاقات بناءة داخل المجتمع الدولي، وعلى الأخص بين القوى العظمى”.
وقبل عامين، حذر غوتيريش من خطر انقسام العالم إلى قسمين، في ظل قيام الولايات المتحدة والصين بالتنافس في عدة مجالات، موضحا أنه “ينبغي أن نتجنب حربا باردة مهما كلف الأمر”. معتبرا أن تلك الحرب ستكون مختلفة عن السابقة، ويحتمل أن تكون “أشد خطورة وأكثر صعوبة في التعامل معها”. في إشارة إلى حقبة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، والتي قامت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وانتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
أزمة الغواصات الأسترالية
حديث الأمين العام تطرق إلى الاتفاق بين الولايات المتحدة وبريطانيا لإعطاء أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية، معتبرا أن الأزمة جزء صغير من صورة أكبر وأكثر تعقيدا، تتمثل في العلاقة الفاشلة بين الصين والولايات المتحدة”.
وتمثل أزمة الغواصات الأسترالية أحدث ساحات الخلاف الأمريكي الصيني، حيث تراجعت سيدني في اتفاق يقدر بالمليارت لشراء غواصات من نوع أتاك من فرنسا. بدعوى أنها لا تتناسب مع حاجاتها الاستراتيجية الحالية، مما فجر أزمة دبلوماسية بين البلدين.
الغضب الفرنسي الذي وصف تحرك أستراليا بالخيانة، امتد إلى الولايات المتحدة، التي تنوي إمداد سيدني بغواصات نووية لها. في محاولة لتطويق المنافس الصيني، من ناحية بحر الصين الجنوبي.
وتبني أستراليا بموجب شراكتها الأمنية الجديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ما لا يقل عن 8 غواصات تعمل بالطاقة النووية باستخدام تكنولوجيا أميركية وبريطانية، في مواجهة التنين الصيني.
وكانت صحيفة “فينانشال تايمز” قالت إن فرنسا عرضت في وقت سابق تحويل الغواصات التقليدية التي شملتها الصفقة الملغاة، إلى غواصات تعمل بالطاقة النووية، حيث إنها تملك هذه التكنولوجيا، لكنها لم تحصل على رد من أستراليا.
أما الميزة الأخرى التي ستحصل عليها أستراليا من الصفقة الجديدة، أنها ستعزز من قدراتها التسليحية بشكل كبير، وقد ذكر رئيس مركز الأمن الأميركي الجديد ريتشارد فونتين لـ”فينانشال تايمز”. أن أستراليا ستنشر صواريخ تقليدية على الغواصات الجديدة، التي بإمكانها أن تحمل شحنات أكبر من الأسلحة مقارنة بالغواصات الفرنسية.
كما يمثل قرار الحصول على صواريخ “توماهوك” المشمولة في اتفاق التعاون مع واشنطن ولندن. التي يمكن إطلاقها إما من السفن أو الغواصات، إضافة رئيسية لقدرات أستراليا التسليحية.
ويعد تحميل الغواصات بصواريخ “توماهوك” ترقية القوة الضاربة التقليدية للبحرية الأسترالية. ويحول القطع البحرية إلى أصول استراتيجية يمكن أن تستهدف منشآت على بعد ألف ميل.
وستمنح صواريخ “توماهوك” أستراليا قدرة مضاعفة على ضرب أهداف في الصين في حال نشوب أي نزاع. وهو أمر مهم لأن الولايات المتحدة وحلفائها سيكون لديهم عدد أقل من القطع العسكرية قبالة سواحل الصين مقارنة بالجيش الصيني.
ويفتح توماهوك الباب أمام ضربات بعيدة المدى ضد أهداف برية، مثل تدمير أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة أو حظائر الطائرات بحسب الصحيفة.
المأساة اليمنية
على خط الصراعات الإقليمية تبرز الأزمة اليمنية بفصولها الدامية التي تخلف يوميا قتلى وجرحى ودمار. وجوع يطال مختلف مناطق البلاد في ظل حرب غير محسومة يقودها التحالف السعودي الاماراتي ضد الحوثيين وحلفائهم.
وتعود الأزمة اليمنية الحالية إلى عام 2011 عندما بدأت احتجاجات شعبية ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
وفي عام 2012 تنازل الرئيس صالح عن الرئاسة بموجب اتفاق لنقل السلطة يقوده عبد ربه منصور هادي. ولكن انهار الاتفاق مع هجمات المقاتلين الحوثيين على صنعاء ومناطق أخرى وسيطرتهم على مساحات واسعة من اليمن.
هذا الوضع الجديد تحوّل إلى مشهد أكثر دموية مع بداية الضربات الجوية التي تقودها السعودية تحت اسم عاصفة الحزم. والذي تسبب في مأساة إنسانية إذ تواجه البلاد مجاعة تعد الأسوأ في التاريخ المعاصر بسبب الحرب الدائرة فيه منذ سنوات.
وتقدر الأمم المتحدة أن 80% من اليمنيين يحتاجون للمساعدة الماسة الضرورية للحياة، وذلك بسبب الحرب التي دمرت البنى التحتية ومصادر عيش السكان في مختلف أنحاء البلاد.
وهو الأمر الذي أدى إلى قطع الإمدادات وفقدان مستلزمات الإنتاج من الأغذية وتعطيل التجارة مع العالم الخارجي. أمام المساعدات الأممية فليست كافية لمواجهة المشكلة على الإطلاق.
وكان منسق الأمم المتحدة لليمن حذر من احتمالية لجوء بعض الوكالات الأممية إلى تخفيف برامج عملها. بما في ذلك في مجالات المياه والصحة وقطاعات أخرى منذ بداية سبتمبر الجاري، بسبب نقص التمويل.
ونقل موقع أخبار الأمم المتحدة عن ديفيد جريسلي القول، بأن الوضع “سيكون كارثياً على ملايين الأشخاص”. ولا تزال القطاعات الحيوية تعاني من نقص حاد في التمويل، إذ لم تتلق مجموعة قطاع الصحة حتى الآن سوى حوالي 11% من التمويل الذي تحتاج إليه هذا العام. بينما تلقت مجموعة قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة 8% من التمويل المطلوب.
الحرب الإثيوبية على التيجراي
من سيء لأسوأ هكذا وصفت صحيفة الجارديان البريطانية مسار الحرب في منطقة التيجراي، بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. الذي أعلنت حكومته المركزية، الحرب على الإقليم، في أعقاب حصوله على جائزة نوبل للسلام.
وقد ظلت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تهيمن على الساحة السياسية في إثيوبيا لعقد من الزمن قبل أن يبزغ نجم آبي أحمد. فتحول المسألة إلى نزاع سياسي بين قيادة إقليم تيجراي والحكومة الاتحادية، أسفرت عن توجيه ضربة إلى الجبهة بعد مهاجمتها قاعدة عسكرية للجيش.
وتوقع آبي أحمد تحقيق نصر سريع في حربه ضد الجبهة، لكن الأخيرة استعادت في يونيو الماضي السيطرة على ميكيلي عاصمة الإقليم الواقع في شمالي البلاد.
ومع نهاية العام الأول أسفرت الحرب في تيجراي عن مقتل الآلاف، وعشرات الآلاف من اللاجئين، ودفعت مئات الآلاف من المواطنين إلى حافة المجاعة. إلى جانب ارتكاب القوات الحكومية جرائم حرب، من بينها مجازر بحق المدنيين وأعمال عنف جنسي على نطاق واسع.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية جرت خلال الحرب عمليات اغتصاب منهجية واعتداءات على نساء وفتيات من قبل قوات تابعة للحكومة الإثيوبية أو متحالفة معها.
وبسبب انتهاكات القوات الموالية للحكومة يشعر مواطني التيجراي، الذين لم يكونوا مسيسين قبل ذلك إلى الوقوف وراء الجبهة الشعبية. ويرى الكثيرون منهم الآن أن الحرب الدائرة هي صراع من أجل البقاء، وأن الاستقلال عن إثيوبيا هو أملهم الوحيد في العيش بسلام.