فوجئ فؤاد رشدي المستشار القانوني لإقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية بمصر، بنيابة الأسرة بندر ثاني أسيوط تستعلم عن صحة شهادة تغيير ملة صدرت لأحد رعايا الكنيسة الأسقفية الأمريكية الإنجيلية المستقيمة المصلحة. إذ رغبت النيابة في التأكد من صحة تلك الشهادة باعتبار الكنيسة المذكورة جزء من الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في مصر.
مستشار الكنيسة الأسقفية أكد لمصر 360 أن تلك الجهة المسماة “الأسقفية الأمريكية الإنجيلية المستقيمة المصلحة” كيان لا وجود له في أية أوراق ثبوتية فهي ليست طائفة مسيحية مستقلة. ولا هي جزء من الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بمصر ومن ثم لا يحق لها إصدار شهادات تغيير ملة للراغبين في الطلاق من الأقباط. واصفًا الأمر بالتلاعب والزج باسم الكنيسة الأسقفية في محاولة لخداع الهيئات القضائية.
وأوضح المستشار القانوني للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية أن كنيسته سوف تتخذ الإجراءات القانونية ضد هذا الكيان الذي يسئ إلى سمعة الكنيسة الأسقفية لدى الجهات القضائية. بسبب استخدام اسم متشابه بل واستخدام عنوان كاتدرائية جميع القديسين في الدعاوى القضائية بالشكل الذي يزيد هذا الخلط.
وأشار المستشار القانوني للكنيسة إلى أن الكيان الذي يطلق على نفسه “الكنيسة الأسقفية الانجيلية الأمريكية” لا وجود له في الأوراق الثبوتية ولا لدي أي جهة رسمية في مصر. ومن ثم يعمل هؤلاء على استخراج شهادات تغيير ملة يلجأ إليها راغبي الطلاق أو فسخ الزيجة من الأقباط.
وأكد المستشار القانوني أن الكنيسة الأسقفية في مصر لا تمنح شهادات تغيير الملة لأي من الراغبين في الطلاق من رعايا الطوائف المسيحية الأخرى. بل تلتزم بدستور الكنيسة الأسقفية الذي ينص على بعض الشروط العقيدية والإيمانية التي تجعل المؤمن بموجبها منتميا للكنيسة الأسقفية. ولعقيدتها ككنيسة تجمع بين الإصلاح والتقليد ولها امتداد روحي وتاريخي يعود إلى رئيس أساقفة كانتربري الذي أسس الطائفة في بريطانيا قبل قرون.
ما هي “الكنيسة الأسقفية الأمريكية الإنجيلية المصلحة المستقيمة”؟
عام 2019 أصدر مجلس كنائس مصر بيانًا رسميًا يؤكد فيه عدم وجود طائفة رسمية في مصر تحمل هذا الاسم. مؤكدا أن الطوائف الخمسة المعترف بها في مصر هي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الإنجيلية والمذاهب التابعة لها وكنيسة الروم الأرثوذكس والكنيسة الأسقفية والكنيسة الكاثوليكية والكنائس التابعة لها. بينما لا يتبع الكيان المذكور أيا من الطوائف القائمة رسميًا والمسجلة سواء بقرارات جمهورية أو لدى وزارتي الداخلية والخارجية. حيث يتطلب إنشاء طائفة مسيحية جديدة صدور قرار جمهوري بهذا الصدد ويتم نشره في الجريدة الرسمية.
من مؤسسها ؟
بالعودة إلى صفحة هذا الكيان على فيسبوك فإن مؤسسه هو الأنبا مينا توفيق مطران الكنيسة الأسقفية الأمريكية المستقيمة المصلحة والذي يظهر في صورة تجمعه بأحد المطارنة الأجانب. ويؤكد أن كنيسته تتبع كنيسة قائمة بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الأنبا مينا توفيق مؤسس هذه الكنيسة ففي يوم الـ20 من يوليو عام 2020 صدر. بيانا رسميا من بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر الأنبا إبراهيم إسحق جاء فيه:
سامي توفيق أمين قلادة “الأب مينا توفيق سابقا”
إلى أبنائنا في الكنيسة الكاثوليكية بمصر وبلاد المهجر، لاحظنا مؤخرا أن العديد من أبنائنا الكاثوليك لا يعرفون الوضع القانوني للسيد سامي توفيق أمين قلادة “الأب مينا توفيق سابقا”، بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية.
وشدد البطريرك الكاثوليكي قائلا: “لذلك وبناء على رغبة السينودس المقدس للكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر برئاسة البطريرك إبراهيم اسحق وجب التوضيح. أن الكنيسة أصدرت قرارا بتاريخ 4 ديسمبر 2018 فيما يخص السيد سامي توفيق أمين وجاء به. أولا: رده إلى الحالة العلمانية، ثانيا: إعلان عدم انتمائه إلى الكنيسة الكاثوليكية”.
وأوضح بطريرك الكاثوليك “وبالتالي ومن تاريخه فإن السيد سامي توفيق لا ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية ولا تعترف الكنيسة الكاثوليكية لا بسيامته اللاحقة كمطران ولا بما يقوم به من رسامات كهنوتية لأشخاص ينتمون إلى كنائس مختلفة. حتى وإن كان مازال يرتدي زيا يتشابه مع زي الإكليرورس الكاثوليكي أو يستعمل طقوسا مشابه للطقوس الكاثوليكية”.
وتابع بطريرك الكاثوليك: “كما أنه لا ينتمي إلى مجلس كنائس مصر وذلك لعدم اعتراف أي من الطوائف المسيحية في مصر به ولا يعترف بما يقدمه من شهادات انضمام لجماعته أو شهادات تغير الملة. لذلك توصى الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر والمهجر كل أبنائها الكهنة والرهبان والراهبات. إعلان هذا التوضيح لكل ابنائنا المؤمنين حتى يحفظهم الرب من كل محاولات البعض إبعادهم عن كنيستهم الأم تحت أي مسميات أو لأي أسباب أخرى”.
لماذا تلجأ تلك الطائفة المجهولة إلى استخراج شهادات تغيير ملة؟
نظرا للوضع المعقد الذي يعيشه ملايين الأقباط الراغبين في الطلاق بسبب لائحة عام 2008 للأحوال الشخصية والتي تضيق أسباب الطلاق. فإن الكثير من راغبي الطلاق من المسيحيين يلجئون إلى باب خلفي يسمى “تغيير الملة”.
يشترط الزواج المسيحي الصحيح اتحاد الملة والطائفة بين الزوجين فلا ينعقد الزواج بين زوج كاثوليكية وزوجة أرثوذكسية أو زوج انجيلي وزوجة من الروم الأرثوذكس. وإلا أصبح الزواج المسيحي غير صحيح أو باطل. وبسبب صعوبة الحصول على تصريح الطلاق أو إذن الزواج للمرة الثانية بعد الانفصال (تصريح زواج ثاني) يلجأ المسيحيون إلى تغيير الملة. فإذا كان الراغب في الطلاق أرثوذكسيا على سبيل المثال يعمل على تغيير ملته إلى أي طائفة أخرى ومن ثم يحصل على قرار ببطلان الزيجة ويصبح عقد زواجه باطلا أو غير موجود.
نتيجة لشيوع تلك الحيلة في الشارع المسيحي، فإن الطوائف الكبرى مثل الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية ترفض منح شهادات تغيير ملة لراغبي الطلاق باعتباره باب للتلاعب. ومن ثم يلجأ الراغبين في الطلاق إلى طوائف أقل شهرة تقبل بإصدار هذه النوعية من الشهادات.
في السنوات الأخيرة صارت شهادات تغيير الملة من أبواب البيزنس الشهيرة حيث تتراوح أسعار تلك الشهادات ما بين الـ25 ألف والـ40 ألف جنيه. ومن ثم أصبحت بابا للكسب والتربح للكثير من الطوائف الصغيرة ولكنها في الوقت نفسه أدت إلى سجن بعض الضالعين في إصدارها. بعد اتهامهم بتزوير تلك الشهادات أمام المحاكم ولعل أبرزهم قس شهير في شبرا حصلت الكنيسة الإنجيلية على حكم بحبسه.
بيزنس شهادات تغيير الملة.. لعبة الطوائف الصغيرة أمام المحاكم
من جانبه، يروي يوسف، محامي الكنيسة الإنجيلية، ثلاثة وقائع تمكنت فيها الكنيسة من الحصول على أحكام بالحبس ضد من أسماهم “منتحلي صفة القساوسة”. حيث أسسوا جمعيات خيرية تمكنوا من خلالها من تزوير شهادات تغيير ملة للراغبين في الطلاق مقابل الحصول على أموال جراء ذلك.
أبرز طلعت في تصريحاته، قصة نبيل توفيق الذي أسس جمعية لخدمة المجتمع في سوهاج مسجلة بوزارة التضامن الاجتماعي وقد أطلق عليها اسم “النعمة والحق”. وهو اسم قريب الشبه من أسماء المذاهب الإنجيلية التابعة للطائفة الإنجيلية. مشيرا إلى أن توفيق تمكن من خلال تلك الجمعية الأهلية من تغيير وظيفته في بطاقة الرقم القومي لتصبح قس إنجيلي. ثم بعد ذلك أصدر شهادات تغيير ملة تحمل اسمه وتوقيعه فما كان من الطائفة الإنجيلية إلا أن حصلت على حكم بحبسه في وقائع التزوير تلك.
المستشار القانوني للكنيسة الإنجيلية لفت إلى وجود حالتين آخرتين أبطالهما نبيل معوض الذي سلك المسار نفسه حين أسس جمعية أهلية تحت مسمى “النعمة والحق”. ثم غير بعدها وظيفته إلى قس إنجيلي وبناء عليه وضع توقيعه وخاتمه على شهادات تغيير ملة. مضيفًا: هناك أيضا حالة القس مخلص بشرى الذي كان يخدم في الكنيسة الإنجيلية بالأقصر ثم تم عزله لأسباب عقائدية فاستغل مقر الكنيسة هناك وأصدر مثل تلك الشهادات ولكن الطائفة الإنجيلية تصدت له في المحاكم.
يوضح طلعت أن الطائفة الإنجيلية عملت على الحد من إصدار تلك الشهادات من خلال ضرورة توقيعها واعتمادها من المجلس الإنجيلي العام ومن الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر. مؤكدا إن أي إجراء يخالف ذلك سوف يضع صاحبه تحت طائلة القانون.
بينما سرد (م.ع) وقائع حصوله على شهادة تغيير ملة من طائفته الأصلية (القبطية الأرثوذكسية) إلى كنيسة الروم الأرثوذكس. حيث حصل على تلك الشهادة بعد أن دفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار حيث جرى اعتمادها وختمها في لبنان لافتًا إلى إنها شهادة أصلية مختومة ومعتمدة وموقعة
(م.ع) قال إنه تلقى أكثر من عرض من المحامين المتخصصين في قضايا الأحوال الشخصية للحصول على شهادة تغيير ملة بأسعار أقل. ولكنه خشي من الطعن عليها أمام المحاكم حيث احترف بعض المحامين في الحصول على شهادات مزورة قد تضع صاحبها تحت طائلة القانون. مؤكدًا إن طوائف مثل السريان الأرثوذكس وبعض المذاهب الإنجيلية تمنح تلك الشهادات دون أن تكون ضمانة للحصول على حكم المحكمة بالطلاق.