فيما يمثل أكبر أزمة داخلية تشهدها جماعة الإخوان المسلمين في تونس منذ نشأتها. أعلن أكثر من مائة قيادي في حركة “النهضة” في بيان لهم اليوم استقالتهم من الحركة.
وضمت قائمة المستقيلين. نوابا وأعضاء سابقين في المجلس التأسيسي ومجلس الشورى.
ووقع 113 قياديا وعضوا في الحركة على بيان استقالاتهم من الحزب. وأعادوا قراراهم إلى اعترافهم بالفشل في إصلاحه من الداخل. والإقرار بتحمل القيادة الحالية المسؤولية الكاملة في ما وصلت إليه الحركة من عزلة في الساحة الوطنية. بالإضافة إلى تحملها قدرا هاما من المسؤولية في ما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد من ترد هيأ المجال للالتفاف على الدستور وعلى المؤسسات المنبثقة عنه.
أخطاء النهضة
وقال البيان. إن الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة. أدت إلى عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات 22 سبتمبر.
وأرجع الموقعون على البيان استقالتهم إلى تعطل الإصلاحات الداخلية واستحواذ رئيسها راشد الغنوشي على القرارات إلى جانب فشله في إدارة البرلمان وإدارة تحالفات غير سليمة في البرلمان وتعثر تأسيس المؤسسات الدستورية طيلة السنوات الماضية.
وحمّل البيان الغنوشي مسؤولية مما آلت إليه الأوضاع، وقال إن قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي. وما تلاها من إجراءات في 22 سبتمبر الحالي. لم تكن لتجد الترحيب من فئات واسعة من الشعب التونسي لولا الصورة المترهلة التي تدحرج لها البرلمان بسبب انحراف وشعبوية بعض منتسبيه. وبسبب الإدارة الفاشلة لرئيسه (الغنوشي) الذي رفض كل النصائح بعدم الترشح لرئاسته تفاديا لتغذية الاحتقان والاصطفاف والتعطيل.
ومن بين موقعي بيان الاستقالة قيادات من الصف الأول على غرار عبداللطيف المكي الذي شغل منصب وزير الصحة في وقت سابق. وعدد من أعضاء مجلس النواب المجمد اختصاصاته على غرار جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي. وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي منهم آمال عزوز، وعدد من أعضاء المجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.
قرارات قيس سعيد
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد الذي أعلن قبل شهرين تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي. وتولى السلطات في البلاد. أصدر الأربعاء الماضي أمرا رئاسيا جديدا يتعلق بصلاحياته الجديدة، على رأسها تولي السلطتين، التنفيذية والتشريعية.
وجاء في الأمر. أن رئيس الجمهورية التونسية يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة، فيما تضمن القسم الثاني من هذا الباب الأحكام المتعلقة بصلاحيات تلك الحكومة نفسها.
ونص الأمر على أن الحكومة تتكون من رئيس ووزراء وكتاب دولة. على أن يعينهم رئيس الجمهورية بنفسه. ويؤدون اليمين المنصوص عليها بالفقرة الأخيرة من الفصل 89 من الدستور، أمامه. في وقت تقوم الحكومة المشكلة بتنفيذ السياسة العامة للدولة. وفقا للتوجيهات والاختيارات التي يضبطها الرئيس، وهي مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية نفسه.
وبحسب الأمر الرئاسي. يقوم رئيس الحكومة التونسية أو رئيس الوزراء بتسيير أعمال الحكومة، وينسق أعمالها، ويتصرف في دواليب الإدارة الخاصة بها بغرض تنفيذ التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، على أن ينوب عند الاقتضاء رئيس الجمهورية في رئاسة مجلس الوزراء أو أي مجلس آخر.
اتحاد الشغل يدعو للحوار
قرارات الرئيس التونسي الجديدة. أثارت جدلا واسعها في البلاد. ما دعا الاتحاد التونسي للشغل للتحذير من مخاطر حصر السلطات في يد الرئيس قيس سعيد. قائلا إن احتكاره لتعديل الدستور والقانون الانتخابي خطر على الديمقراطية، داعيا للحوار..
وقال اتحاد الشغل. إنه لا حل للخروج من الأزمة الراهنة غير التشاور والتشارك والحوار على قاعدة المبادئ الوطنية وسيادة تونس وخدمة شعبها والتجرد من المصالح الذاتية والفئوية.
والاتحاد التونسي للشغل، الذي يضم مليون عضو، لاعب رئيسي مؤثر في الساحة التونسية. كان قد رحب بتحرك قيس سعيد في 25 يوليو الماضي لكنه دعاه إلى العمل في إطار الدستور.
ونبّه الاتحاد إلى مخاطر تجميع السلطات في يد رئيس الدولة في غياب الهياكل الدستورية التعديلية”، وهو يرى أن “الدستور منطلق ومرجع رئيسي في انتظار استفتاء واع على تعديله يكون نتاج حوار واسع
ودعا الاتحاد النقابي الرئيس التونس لعرض رؤيته حيال المرحلة القادمة في أقرب بهدف عدم إهدار أي فرصة لبناء دولة حديثة.
خارطة طريق
ووجه الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي، خلال تجمع نقابي. حديثه للرئيس التونسي. وطالبه بضرورة الإسراع في طرح رؤيته للمرحلة القادمة وشرح أهدافها للرأي العام ورفع الضبابية عن المشهد الحالي حتى لا تتعطل دواليب الدولة أكثر ولا تتوقف مصالح البلاد.
وانطوت الخارطة، المقترحة من قبل الاتحاد، على أربعة محاور كبرى تتعلق بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية ومكافحة الفساد، ونصت على الإجراءات والإصلاحات المقترحة والأطراف المعنية بها.
ومن الناحية السياسية، اقترح اتحاد الشغل تكوين حكومة مصغرة ومنسجمة في أقرب وقت. تتكون من كفاءات وطنية غير معنية بالانتخابات القادمة، وتحديد سقف زمني للإجراءات الاستثنائية والحسم النهائي في مصير البرلمان لتأمين عودة السير الطبيعي لدواليب الدولة”.
ويضاف لذلك. وضع هيئة استشارية وطنية تتولى تحديد إطار قانوني ومجتمعي تشاركي يشمل أساساً النظامين السياسي والانتخابي والدستور. وشدد على ضرورة محاسبة الفاسدين وتطبيق القانون على الجميع وإجراء إصلاحات لإنقاذ الاقتصاد.
دعا الاتحاد، وفقا للخارطة المقترحة، إلى ضرورة إحالة التقرير العام للمحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل حملات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2019 للسلطة القضائية، المختصة، وذلك قبل نهاية هذا الشهر، بغية تحديد أسس الشفافية ومحاربة الفساد السياسي والجرائم الانتخابية وتكريس ثقافة القانون والمؤسسات.
وتناولت الخارطة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وخلصت في رؤيتها لضرورة إطلاق إصلاحات اقتصادية عاجلة من أجل إنقاذ الاقتصاد. وبلورة الخطوط العريضة لقانون المالية التكميلي لسنة 2021 وقانون مالية 2022. من أجل تعبئة استثنائية للموارد المالية اللازمة لاستكمال سنة 2021 والمقدرة بـ13 مليار دينار.
وشددت على أهمية المتابعة العملية لتقرير التفقدية العامة لوزارة العدل. من أجل البت الهائي في موضوع الاغتيالات السياسية. وعلى وضع آليات جديدة لضمان نفاذ القانون على الجميع دون استثناء ودون حصانة.
4 أحزاب تنتقد الأمر الرئاسي
أربعة أحزاب تونسية أصدرت بيانا مشتركاً. اعتبرت فيه الإجراءات الرئاسية الأخيرة من قبل الرئيس قيس سعيد خروجاً عن الدستور.
الأحزاب الأربعة (حزب التكتل والحزب الجمهوري وآفاق تونس والتيار الديمقراطي). أكدت رفضها الأمر الرئاسي الأخير. واعتبرته خروجا على الشرعية وانقلابا على الدستور.
بيان الأحزاب. وصف الرئيس التونسي قيس سعيد بـ”فاقد الشرعية”. مؤكدا أن الأحزاب تعمل على تنسيق جبهة مدنية للتصدي لقراراته.
كما أضافت الأحزاب أنها ترفض استغلال الرئيس الإجراءات الاستثنائية لفرض خياراته السياسية الفردية كأمر واقع”، محملة رئيس الجمهورية مسؤولية التداعيات المحتملة لخطوته الأخيرة.
قلق أمريكي
لم تقتصر الانتقادات لقرارات قيس على الداخل التونسي. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس علق في جوابه عن سؤال حول ردّ فعل الوزارة إزاء القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 22 سبتمبر الجاري. واعتبارها انقلابا أم لا. بأن الخارجية الأمريكية تعبّر بوضوح عن قلقها من استمرار التدابير الاستثنائية في تونس.
وأوضح برايس أن أمريكا تشارك الشعب التونسي. هدفه المتمثل في تشكيل حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد. في الوقت الذي تكافح فيه الأزمات الاقتصادية والصحية. قائلا إننا نشعر بالقلق من استمرار الإجراءات الانتقالية دون نهاية واضحة.
وشدد برايس أنه على الرئيس سعيّد. تعيين رئيسًا للوزراء لتشكيل حكومة قادرة على تلبية تلك الحاجات الملحة للشعب التونسي. مضيفا أنه يجب صياغة خطة ذات جدول زمني واضح لعملية إصلاح شاملة تشمل المجتمع المدني والأصوات السياسية المتنوعة. وجدد حرص بلاده على دعم تونس في مسارها الديمقراطي.