في شارع “أبو فريحة” المتخصص في بيع الدواجن في طنطا، يعمل أحمد الفرارجي، على ماكينة نزع الريش عن الطيور المذبوحة بأجر يومي لا يتجاوز 100 جنيه. أحمد، الذي يبلغ من العمر 35 عامًا، من أصحاب الأملاك (الإيجار القديم). فلديه عقار كامل من 6 أدوار في الشارع التجاري نفسه الذي يتوسط مدينة من أغلى المدن في أسعار العقارات بمصر. ويصل سعر المتر في بعض مناطقها إلى 30 ألف جنيه.
يقول أحمد إن العائد الذي يدره عقاره لا يتجاوز 100 جنيه شهريًا. فالمستأجرون الذين ورِثوا العقار، يرفضون الوصول لـ”صيغة عادلة”، رغم عمل أحدهم بشركة بترول، والثاني لديه ٣ فروع صيدليات. ويضيف الشاب الثلاثيني أن كل ما يتمناه حاليًا هو انهيار المنزل، “حتى ولو على رؤوس قاطنيه”. فيقول: “تخيل بيت يساوي 3 ملايين جنيه.. عائده الشهري مثل علبتي سجائر”.
منذ إعلان الحكومة عزمها حل مشكلة الإيجار القديم، يدور جدل مجتمعي بين الملاك والمستأجرين، خاصة الشقق المغلقة والمتوارثة عن الأجداد. في محاولة من الطرفين البحث عن جوانب قضائية تؤيّد موقفهما.
وزارة الإسكان تدرس أكثر من سيناريو للتعامل مع الإيجار القديم. ومن المقرر أن يكتمل أحدها إلى مشروع قانون كامل، يمكن مناقشته في مجلس النواب بعد عرضه في حوار مجتمعي موسع.
حاليًا أصبح موضع وزارة الإسكان قويًا، نظرًا للكم الهائل من مشروعات الإسكان التي تتلائم مع شرائح مجتمعية متباينة. وهو ما يمكّنها من تطبيق عدة سيناريوهات ترتبط بتوفير السكن البديل للمستأجرين. كما أن الملاك لديهم استعداد للمساهمة في التكلفة من أجل عودة وحدات في مناطق مميزة يصل سعر بعضها لعدة ملايين.
في هذا التقرير تتبع “مصر 360” المقترحات العشرة التي جرى تداولها خلال السنوات الأخيرة، ووضعها أمام تحديات تحول دون اتخاذ خطوات فعلية للتنفيذ.
سيناريوهات متعددة
لجنة الإسكان بمجلس النواب، لم تتسلم أية مشروعات قوانين بشأن الإيجارات القديمة، سواء من الحكومة أو من النواب حتى الآن. وفقًا للمهندس طارق شكري وكيل اللجنة. ولا توجد إحصائية رسمية حول عدد الوحدات السكنية الخاضعة للإيجار القديم. لكن تقديرات مستقلة تقدرها بنحو 5.2 مليون وحدة، المشغول منها فعليًا لا يتجاوز 2.3 مليون. والباقي مغلق بعد رحيل مستأجريها ورفضهم التخلي عنها لانخفاض قيمتها الإيجارية التي لا تتجاوز أحيانًا 10 جنيهات.
يُفضّل مجلس النواب أن تقدم الحكومة مشروع القانون؛ لأنها تمتلك المعلومات والإحصائيات اللازمة عن الوحدات المؤجرة وتوزيعاتها النوعية. علاوة على وجود جهات حكومية ضمن المنتفعين من تلك الوحدات سواء مدارس أو مستشفيات وغيرها من الجهات، وفقًا لشكري.
الرفع التدريجي للإيجار
لكن بعض النواب مثل الهيئة البرلمانية لحزب الوفد قدمت مقترحًا برفع الإيجار تدريجيًا 25% سنويًا على 10 سنوات. وذلك مع تحديد فترة زمنية انتقالية تتراوح بين 7 و10 سنوات، بحيث تصل قيمة الإيجار في نهاية الفترة الانتقالية إلى قيمة مناسبة أو عادلة، لا تظلم المالك ولا المستأجر، وتتساوى مع القيمة المتداولة.
إلغاء التوريث
كما قدَّم النائب أمين مسعود مقترحًا مشابهًا بالرفع التدريجي، على أن تتضمن التعديلات أحقية استمرار الوريث الأول بمسكنه. وأن يجرى تطبيق الزيادة المتدرجة بنسبة عادلة، بشرط ألا يتم توريثها مرة أخرى.
تقاسم الملكية..40% للمستأجر و60% للمالك
واقترح النائب معتز محمود تعديلات على قانون الإيجار القديم، تتضمن شراء المستأجر العقار بـ60% من القيمة البيعية السوقية للوحدة. وحال رغبة المالك في الحصول على الوحدة يدفع للمالك 40% من القيمة البيعية السوقية. وحال عجزهما معًا عن الشراء يتم بيعها وتوزيع العائد بينهما، وفقا المبالغ سالفة الذكر.
زيادات إيجارية
ولدي وزارة الإسكان مشروع قانون للايجار القديم جاهز بالفعل، جرى وضعه قبل سنوات. ويتضمن زيادة تصل لـ330% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل 31 ديسمبر 1952، و300% للوحدات المؤجرة قبل 31 ديسمبر 1958. و240% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل 31 ديسمبر 1966.
وفي الفترة من أول 1966 حتى 1973 تصل نسبة الزيادة لـ170%، تنخفض لـ120% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل 31 ديسمبر 1977. و90% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل 31 ديسمبر 1981. إما الوحدات المبنية قبل 1984 تصل فيها الزيادة إلى 45%، وتهبط لـ30% قبل ديسمبر 1986، ثم 15% للوحدات قبل ديسمبر 1989، و7% للوحدات قبل 1991.
العلاقة الإيجارية بين الوريث والمؤجر
وأرست الدائرة “ب” إيجارات بمحكمة النقض- أخيرًا- مبدأ قضائيًا جديدًا بشأن امتداد العلاقة الإيجارية بين الوريث والمؤجر. وأكدت أن قبول صاحب العقار “الإيجار” من ابن المستأجر الأصلي بعد وفاته وتحرير إيصالات السداد باسم المستأجر الأصلي لا تعد موافقة منه على قيام علاقة إيجارية جديدة.
وتتلخص وقائع الدعوى فى رفع مالكة العقار دعوى عام 2000 إيجارات شمال القاهرة الابتدائية على مستأجر. تطلب طرده من الشقة لانتهاء عقد الإيجار بوفاة والده (المستأجر الأصلي) دون أن يكون مقيمًا معه حتى الوفاة. بينما أقام المستأجر دعوى عام 2001 على مالكة العقار أمام ذات المحكمة بطلب الحكم بإلزامها بتحرير عقد إيجار له عن الشقة. وذلك لأنه أقام مع والده مستأجرها الأصلي حتى وفاته.
ينقسم الإيجار القديم لفئتين، أولاهما الذين استأجروا قبل فبراير عام 1996 وينطبق عليهم القانون المدني. والثانية الذين استأجروا قبل ذلك التاريخ وينتفعون بالنظام الأبدي في الإيجار.
وتتضمن السيناريوهات التي تدرسها الحكومة حاليًا موادّ تخلق الانتقال السلس من الوحدات المستاجرة لمالكيها الأصليين. مع وضعية خاصة لمحدودي الدخل والفئات غير القادرة.
إخلاء الوحدات المغلقة
من بين تلك السيناريوهات إخلاء الوحدات المؤجرة حال ثبوت أنها مغلقة لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر. أو 3 سنوات على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القصر. أو استفادته من الحصول على سكن من مبادرات إسكان الدولة.
تلقى تلك الفكرة رواجًا لدى أصحاب الأملاك وبعض مسئولي الوزارة، خاصة الشق المتعلقة بشراء المستأجر عقار خاص. وهو أمر أصبح من السهل رصده بالتعديلات الأخيرة المتعلقة بتسجيل جميع الوحدات السكنية في الشهر العقاري.
ووفقا لمسئول بمصلحة الضرائب العقارية، فإنها رصدت عشرات المستأجرين بمناطق وسط القاهرة، لديهم وحدات سكنية فاخرة في مناطق شرق القاهرة. وأن بعض الوحدات المستأجرة مغلقة منذ قرابة العقد.
يوجد سيناريو للتعامل مع الإيجار الشهري، سبق أن وضعه الدكتور وليد جاب الله أستاذ التشريعات الاقتصادية. وهي أن يكون الحد الأدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات المؤجرة للسكن؛ كحد أدنى يرتفع إلى متوسط استهلاك المرافق للعام السابق للقانون الجديد. أو 50% من قيمة الأجرة القانونية المتخذة أساسًا لحساب الضريبة العقارية للوحدة. وهذا يعني أن ترتفع الأجرة مع تحسن مستوى معيشة الساكن أو حال الوحدة نفسها.
تعزيز الموارد
ويتضمن المقترح تعزيز موارد الدولة المالية بإلغاء إعفاء الوحدات الخاضعة للضرائب العقارية على أن يكلف بها المستأجر. وتؤول حصيلتها إلى صندوق لدعم الساكنين غير القادرين، أو الراغبين في إنهاء العلاقة الإيجارية على أن يتحملها المالك. وتؤول للصندوق لمدة 5 سنوات بعد انتهاء العلاقة الإيجارية.
لا تمانع وزارة الإسكان في دعم الصندوق المقترح وتقرير مزايا وأولوية عند تخصيص وحدات الإسكان الاجتماعي. خاصة في ظل المبادرات التي تبنتها أخيرًا في مبادرة فائدة الـ3%، أو أنظمة الإيجار المنتهي بالتمليك مع غير القادرين.
واقترح الدكتور وليد جاب الله إسناد تحديد الأجرة المقررة حال عدم اتفاق الطرفين، إلى لجان الحصر والتقدير المشكلة وفقًا لقانون الضرائب العقارية. ويجوز الطعن على تقديراتها خلال 30 يومًا من تاريخ الإخطار بصدور قرار التقدير أمام لجان الطعن المقررة بذات القانون التي تكون قراراتها نافذة رغم الطعن عليها، وتعتبر نهائية إذا لم يتم الطعن عليها.
تغيير منطق التوريث
وتدرس الوزارة أيضًا مشروع قانون للبرلماني عاطف مخاليف بحصر الشقق المغلقة منذ أكثر من 3 سنوات عبر استهلاك الكهرباء والمياه. وذلك لمواجهة مشكلة توريث شقق الإيجار القديم، لكنه يختلف في منطق التوريث للأبناء.
يسمح المشروع بتوريث وحدات الإيجار القديم لحين بلوغ الابن الذكر سن الأهلية الكاملة من 18 إلى 21 سنة. وبالنسبة للبنت يكون حتى الزواج، وإذا كانت البنت لم تتزوج يكون لها فترة سماح بمدة زمنية خمس سنوات بعد بلوغ سن الـ21 سنة، لحين أن تتكفلها الدولة، وهذه الحالات محدودة.
الملاك يدفعون نصف إيجار الوحدات المنتقل إليها الفئات الفقيرة
كما تدرس الوزارة مقترحات قدّمها الملاك والمستأجرون، على حد سواء. فالمنتفعون بالعقارات سبق أن قدموا اقتراحًا بإلزام الملاك بدفع نصف إيجار الوحدات التي تنتقل إليها الفئات الفقيرة لمدة 10 سنوات. وذلك بعد توفيرهم أوراق رسمية معتمدة من وزارة التضامن تثبت احتياجهم دعمًا، أو أن يتم حساب إيجار 5 سنوات دفعة واحدة، وأن يلزموا بدفع نصفه شهريًا.
وعلى سبيل المثال، لو كان الإيجار 20 جنيهًا شهريًا يتم حسابه على مدار السنوات الخمس بقيمة 600 جنيه. ودفع نصف ذلك المبلغ شهريًا (300 جنيه) طوال الفترة سالفة الذكر، وهو أمر رفضه ملاك العقارات.
دعم تحرير العقار
وقدمت جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم مقترحًا قانونيًا بإنشاء صندوق الثروة العقارية الذي يدعم المستأجر غير القادر. وبعدها يتم تحرير العلاقة بين الملك والمستأجر خلال 3 سنوات ابتداءً بالأقدم، بما يراعي مصلحة الطرفين.
كما طالبوا بأن يتم معاملتهم بنفس معاملة أصحاب الوحدات غير السكنية والتجارية التي حسمت الحكومة أمرهم. بمنح شاغلي الوحدات 5 سنوات لإخلائها، مع زيادة بنسبة 15% سنويًا من قيمة آخر إيجار قانوني. وتستند الجمعية إلى حكم قضائي صادر عام 2002 بإنهاء الإيجارات التي امتدت أكثر من مرة. وتحديد سن ينتهي عنده امتداد الإيجار للأبناء خلال الامتداد الأول.
عقبات أمام التعديلات والمقترحات
فئات نافذة وضاغطة
إحدى المشكلات التي تواجه تشريعات الإيجار القديم تتمثل في انتفاع عدد كبير من طبقات اجتماعية مرموقة بتلك الوحدات. خاصة في المدن الساحلية، كالإعلاميين والفنانين والسياسيين، والذين يمثلون فئات ضاغطة في صياغة تعديلات القانون المقترح.
الفئات الفقيرة
كما يصطدم أيضًا بوجود فئات منكشفة اجتماعيًا تعتمد على مهن هامشية غير مستدامة لا تستطيع تحمّل الزيادات المقترحة بأي سيناريو. لكن الحكومة تراهن على مبادرات الحماية المجتمعية في حل المشكلة، بتضمين تلك الفئات في برامج مثل “حياة كريمة”.
المعايير الزمنية والمهنية
ويقول أحمد حسن، الذي يشغل شقة إيجار قديم آلت إليه من والده، إن المقترحات الجديدة يجب أن تراعي المعايير الزمنية. فالمبالغ التي دفعها المستأجرون وقت تحرير العقود كانت ضخمة. كما أن بعض المستاجرين ارتبطت أعمالهم بالمناطق التي يقطنون فيها. وأن تغيير مكان إقامتهم يفرض عليهم أعباء مالية يجب مراعاتها في التسوية مع المالك.
وتفرض مشروعات تطوير القاهرة التاريخية على الحكومة تبني تحركات سريعة لحل مشكلة الإيجار القديم، التي كانت سببًا في انهيار عشرات المباني التاريخية بوسط البلد. مع تخلي الملاك عن الصيانة لانخفاض العائد من العقار وتخلي المستأجرون عنها أيضًا.
حيثيات قانونية منصِفة للطرفين!
المشكلة التي تواجه مشروعات تعديل قانون الإيجار القديم ترتبط بامتلاك الطرفين حيثيات قانونية تدعم موقفهما. وصعوبة الوصول لصيغة ترضي الطرفين فيما يتعلق بالزيادة المقررة.
لكن بدأ الأمر يتغير أخيرًا بعدما بادر بعض المستأجرين بتحرير عقود إيجارية جديدة مع الملاك. تتضمن زيادات كبيرة في الإيجار الشهري مع مد المدة الزمنية لمدة العقار إلى 7 و10 سنوات. وذلك بدلا من نظام الثلاث سنوات الدارج حاليًا في العقود الجديدة.