في إطار مشروع “قانون أسرة أكثر عدالة لكل المصريين”. أقامت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، مساء أمس الأحد. مائدة حوارية، استضافها أحد فنادق القاهرة. حملت عنوان “قانون أسرة أكثر عدالة لكل أفراد الأسرة” بمشاركة عدد من الخبراء والإعلاميين والمحامين ورجال الدين.
واستضافت المائدة متحدثين رئيسيين، هم نشوى الديب عضو مجلس النواب، المحامي عبد الفتاح يحيى مسؤول الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، شيماء طنطاوي منسقة مبادرة “براح آمن”. وأدارت الحوار عزة سليمان رئيسة مجلس الأمناء بالمؤسسة.
المشروع هو أحد مشروعات مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ويتم تمويله من الاتحاد الأوروبي. وتسعى المؤسسة من خلال مشروع القانون المقترح إلى المساهمة في إصدار قانون جديد للأسرة. يقوم على أسس العدل والمساواة والإنصاف للزوج والزوجة، دون المساس بحقوق أحدهما.
ويتضمن مشروع القانون جزءا إجرائيا، وآخر موضوعيا. وشمل عدة اقتراحات تمثل خلافًا في القانون الحالي. وهي، تقنين تعدد الزوجات، اقتسام العائد المشترك الذي تم تكوينه بعد الزواج. تنظيم تعدد الزوجات، استضافة الأطفال لدى الطرف غير الحاضن بمعايير حاكمة، تعديل ترتيب الأب في مستحقي الحضانة، الطلاق أمام المحكمة.
نحو المواطنة والمساواة
يحكم قانون الأحوال الشخصية، الصادر عام 1920 -وتم إضافة الكثير من التعديلات إليه آخرها في عام 2019- شؤون الأسرة والعلاقة بين أطرافها. وحدد حقوق وواجبات أفرادها وعلاقاتهم ببعضهم البعض، وينظم أمور الزواج، والطلاق، ورعاية الأطفال، والأمور المالية سواء أثناء العلاقة الزوجية أو الناتجة عن الطلاق.
وعملت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، منذ عام 2003، على الخروج بمقترح قانون أحوال شخصية أكثر عدالة لجميع أفراد الأسرة. باعتباره من القوانين التي تلعب دورًا شديد الأهمية في تحديد العلاقات الاجتماعية، وأكثرها صلة بالحياة اليومية للمواطنين، وتأثيرا في الوحدة الأساسية للمجتمع المتمثلة في الأسرة.
وأشارت عزة سليمان، رئيس مجلس الأمناء بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، إلى أن المؤسسة، وكذلك مؤسسات أخرى عديدة، عملت لعقود في ملف الأحوال الشخصية، والذي مثّل جانبًا كبيرًا من اهتمام باحثيها، الذين عملوا على طرح مقترح قانون يدعم العدل والإنصاف لكل أفراد الأسرة ويؤكد على تفضيل مصلحة الطفل عن الوالدين. خاصة فيما يتعلق بالحضانة وغيرها.
وأضافت: هناك كذلك بعض المؤسسات الرسمية التي طالبت بتعديل قانون الأحوال الشخصية. لكن مشكلة هؤلاء أنهم يتحدثون بنفس المنطق الذي صدر به أول قانون للأحوال الشخصية في مصر عام 1920، والذي يتعامل من منطق دونية المرأة وكونها أقل من الرجل وخاضعة له، حتى لو كان ذلك من منطلق حمايتها.
وتابعت: نحتاج إلى قانون ينبع من مبدأ المواطنة والمساواة الذي تسعى إليه الدولة حاليًا. لذلك في احتفالنا العام الماضي بمرور 25 عامًا على المؤسسة أعربنا عن أملنا في إطلاق قانون يحمل مبادئ العدالة والمساواة والتكافؤ. اليوم نتحدث عن أهم النقاط التي طرحتها المؤسسة في مقترح القانون الجديد، والذي تم إرساله لرئيس مجلس النواب بالفعل، ونأمل في أن يتبناه أعضاء المجلس.
وأشارت سليمان إلى رغبتها في إطلاق مدونة قانونية تختص بالتشريعات المصاحبة للأحوال الشخصية. مثل لائحة المأذونين، والعنف الأسري، وقانون المرافعات وغيرها، وفقًا لهذه المبادئ.
في مصلحة الطرفين
ويطرح مقترح مشروع القانون الذي تقدمه المؤسسة. عدة تعديلات على التشريعات الموجودة. منها أن يكون الطلاق بيد المحكمة. وذلك بأن يقوم كل من الزوج والزوجة الراغبين في الطلاق. بتقديم طلب للمحكمة يتم فيه إبداء أسباب الطلاق وبعد محاولات الإصلاح عن طريق اللجان المتخصصة. وفي حال إصرار الزوج على الطلاق تقوم المحكمة بإجابة طلب طلاق زوجته مع إعطائها كافة الحقوق المترتبة على الطلاق “العدة، متعة، مؤخر الصداق”، وتحديد نفقة الأطفال إن وجدو.
وفي حال ما إذا كانت الزوجة هي مقدمة الطلب. ووجدت المحكمة أسباب منطقية للطلاق، طلقتها مع إعطائها كافة حقوقها القانونية. بينما في حال عدم وجود أسباب منطقية، وإصرارها على الطلاق، يتم الطلاق مع تنازلها عن كافة حقوقها القانونية. ما يؤدي إلى توفير الكثير من الوقت والتكاليف والمجهود؛ ومن ثم المساعدة على الاستقرار النفسي والمعنوي لكثير من الأسر والأطفال.
ويضم المقترح احتفاظ الأم بأولادها في حالة زواجها للمرة الثانية. مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل وبما يساعد على إيجاد حياة نفسية مستقرة سواء للطفل أو للأم. وضرورة احتواء وثيقة الزواج على بند للشروط المضافة، مع إعطاء أمثلة لتلك الشروط.
كذلك ضمن الاقتراحات إمكانية اشتراط الزوجين اقتسام ما تم تكوينه من عائد مادي مشترك أثناء العلاقة الزوجية في حالة الطلاق، على أن يترك لهم تحديد النسبة المئوية بما يتم الاتفاق عليه طبقًا لما يراه كل زوجين على حده. كذلك تعويض الزوجة في حالة الطلاق سواء كان لديها أطفال أم لم تنجب وذلك باحتساب سنوات الزوجية، والنص على تعويضات مختلفة مراعاة لتلك السنوات.
كما يطرح مشروع القانون حق الأم المسيحية المطلقة في الاحتفاظ بحضانة أولادها من زوجها المسلم، أو الذي كان مسيحيًا واعتنق الإسلام، حتى يبلغ سن 15 عام، مساواة بالأم المسلمة.
كثير من التعديلات
وأوضح عبد الفتاح يحيى، المحامي ومسؤول الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أهمية طرح مقترح قانون للأحوال الشخصية؛ بالإضافة إلى تأكيده على أهم بنود المشروع المقترح، والذي تم إعداده من قبل المؤسسة، فيما يتعلق بالطلاق والزواج والحضانة والنفقة. وغير ذلك.
وقال: “أول تشريع مصري بخصوص الأحوال الشخصية كان في مطلع القرن الماضي. وأعقبه 14 تعديلًا مختلفًا كان آخرها عام 2019. هذه التشريعات تجعل المحامي نفسه يُصاب بالارتباك إذا ما خاض وسطها، فما بالنا إذا أرادت المرأة أن تترافع عن نفسها”. ولفت إلى أن المُشرّع المصري تعامل مع الأحوال الشخصية “بالقطعة”، حسب وصفه، حيث كان المُشرّع يُعالج كل مشكلة على حدة دون فلسفة واضحة للقانون في المجمل.
وأضاف: في أوقات عدة تخدم فلسفة المُشرّع الطرفين بشكل عام، فمثلًا عندما تم إنشاء محاكم الأسرة عام 2004، هدف المُشرّع إلى أن أحد الأبوين أو الطفل إذا ما دخل المحكمة من أجل نزاع ما، لا يجد أمامه المتهمين الجنائيين، ولا زحام ذويهم الذين ينتهي بالصراخ أو الزغاريد وفقًا للحكم الذي يصدر. فقد هدف هنا إلى حماية نفسية الطفل.
النفقة والولاية أبرز المشكلات
وأشارت شيماء طنطاوي، منسقة مبادرة “براح آمن”، إلى إشكاليات قانون الأحوال الشخصية الحالي، ومدى تأثيره على الأسرة بشكل عام، وعلى النساء والأطفال بشكل خاص منها. إشكاليات النفقة. لافتة إلى أن المبادرة من خلال احتكاكها بالنساء في الشارع، أو من خلال عمليات الرصد، وجمع الشهادات من خلال اللقاءات الشخصية، تلمس المشكلات الأسرية التي يعجز القانون الحالي عن حلها.
وأضافت أن أغلب الأخبار المتعلقة بالأسرة التي تقوم المبادرة برصدها في وسائل الإعلام. تتعلق بمشكلة النفقة والولاية التعليمية بعد الطلاق.
مؤخرًا بدأنا في رصد مشكلات تتعلق بتشويه السمعة. حيث يقوم الزوج بالابتزاز والتهديد من أجل دفع الزوجة إلى طلب الخُلع أو التهرب من دفع النفقة. وهناك زوجة اكتشفت بع وفاة زوجها أنه طلقها دون أن تعرف. تقول شيماء طنطاوي، منسقة مبادرة “براح آمن”
ولفتت إلى أن لغة القانون الحالي لا تراعي النوع الاجتماعي ولا ترى الرجل والمرأة كشركاء. بل ترى الرجل كحام ومتحكم بينما المرأة كتابع أو وعاء للمتعة “كما أن اللغة الموجودة في مقترح مشروع القانون الحالي من بدايتها تتسم بالمساواة وهو أمر يهم الجميع”. وأوضحت أن هناك بعض المواد بها ثغرات قانونية. مثل مواد الطاعة والولاية التعليمية والطلاق الشفهي. والتي تؤثر بشكل كارثي على الطفل وصحته النفسية، بعد أن يتحول الخلاف إلى حرب بين الزوجين.
بعيدًا عن الكهنوت
لفتت نشوى الديب، عضو مجلس النواب، إلى أن المجتمع في حاجة إلى ثورة حقيقية فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. وأن هناك فرصة جيدة ومواتية لذلك “نحن في توقيت مناسب للغاية وهو إطلاق الجمهورية الجديدة، ولدينا قائد مؤمن بدور المرأة ومعزز له، وهو ما نراه في مستويات عديدة”.
وقالت: للأسف القانون الحالي الصادر من زمن طويل لا يُعطي المرأة حقوقها. ولا حتى الأهلية الكاملة لممارستها “فإذا قمت بتزويج نفسي. يُمكن أن يظهر فرد من العائلة يقوم بالإبطال القانوني لهذا الزواج. باعتباره يرى الزوج غير كفؤ ويقوم بتطليقي أيضًا”.
واستعرضت عضو مجلس النواب مجموعة من آراء كبار الفقهاء في الأمور الشخصية، والتي أوضحت حقوق المرأة بعكس التضييق الموجود في القانون الحالي لحساب آراء فقهية أخرى “وفي كل الأحوال فإن الإسلام ليس له كهنوت. ويُمكنك في أي وقت أن تستفتي قلبك. بالتالي أي إنسان يُمكنه فعل ما يشاء طالما ارتاح له”.
وأشادت الديب بمقترح مؤسسة قضايا المرأة المصرية لمشروع قانون لأحوال الشخصية. خاصة أنه جاء شامل ويتفادى ثغرات القانون الحالي، حسب قولها. وأعلنت تبنيها لهذا المقترح والعمل على مناقشته خلال دور الانعقاد المقبل.