توصلت وزارة العدل الأمريكية إلى اتفاق مع الصين يوم الجمعة يمهد للإفرج عن منغ وانزو المديرة المالية لشركة هواوي الصينية. ومن ثمّ عودتها من كندا – حيث مقر الإقامة الجبرية – إلى الصين بعد اعترافها ببعض الأخطاء في قضية انتهاك العقوبات.
في غضون ساعات، ردت الصين بالمثل، وأفرجت عن اثنين من الكنديين اللذين احتجزتهما بعد فترة وجيزة من اعتقال منغ وانزو. ما اعتبره البعض صفقة بين الدول الثلاث.
كيف بدأت القصة؟
بدأت القضية عندما ألقت السلطات الكندية القبض على السيدة منغ (49 عامًا) في ديسمبر 2018، بناءً على طلب الولايات المتحدة. وسمح لها بالبقاء بسوار كاحل لتتبع مكان وجودها. استقرت في النهاية في قصرها المكون من سبع غرف نوم في حي Shaughnessy، حيث تلقت دروس الرسم والتدليك الخاص.
في الصين، تعتبر “منغ” عضوًا في العائلة المالكة الصينية الجديدة- مديرو التكنولوجيا الذين استخدموا قوتهم لتوسيع نفوذ الصين بأنحاء العالم. أما في واشنطن، أصبحت رمزًا للجو الشبيه بالحرب الباردة في العلاقات بين بكين وواشنطن.
وفي يناير 2019، وجهت وزارة العدل الاتهام إلى شركة هواوي والسيدة منغ، بالاحتيال المصرفي. وزعمت وزارة العدل أن موظفي هواوي، بمن فيهم السيدة منغ، كذبوا على مسؤولي البنك عندما سئلوا عما إذا كانت هواوي منخرطة بشكل غير قانوني في أعمال تجارية مع إيران. مع العلم أن العقوبات الأمريكية على طهران تمنع البنوك من تمويل عملية البيع.
اعتراف منغ بالاتهامات جزئيًا ولا تزال القضية الجنائية المرفوعة من وزارة العدل ضد الشركة مستمرة. وذهب البعض إلى احتمالية أن يكون المدعون استخدموا اعترافها بارتكاب مخالفات كدليل ضد شركة Huawei. بما في ذلك التصريحات التي تفيد بأنها ضللت عمداً المديرين التنفيذيين للبنوك بطريقة تسمح للشركة بالتهرب من العقوبات.
“هواوي” في دائرة الاتهام
على مدى عقد من الزمان، كان المسؤولون الأمريكيون يشكون في أن الشركة الصينية هواوي عملت على تعزيز طموحات بكين الاقتصادية والسياسية مع تقويض المصالح الأمريكية.
وفي 2012 حذرت لجنة في الكونجرس من التعامل الحكومي مع “هواوي”، ووصفت العمل معها بأنه “خطر أمني”. إذ تعتقد الولايات المتحدة أن هواوي تستخدم شبكاتها العملاقة للتجسس. لكن ظلت تلك الشكوك داخل الغرف المغلقة ولا تتعدى التصريحات الإعلامية التي تتوعد بكين بالعقاب.
في مايو 2018، بدأت الإدارة الأمريكية التحرك بشكل أكبر تجاه التضييق على أعمال “هواوي”. حيث قرر البنتاجون حظر بيع الهواتف الصينية في القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم.
لاحقا قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منع الهيئات الفيدرالية والأطراف المتعاقدة مع شركة “هواوي” من شراء معدات اتصالات صينية. وأدرجت “هواوي” على لائحة سوداء لمنعها من الحصول على التقنيات الأمريكية الأساسية لهواتفها. ولم تعد الشركة قادرة على تزويد أجهزتها المتطورة بشرائح “كيري” الجديدة، وكذلك لا تملك القدرة على تصنيعها داخلياً. ولكن يبقى الهدف الأهم ليس منع بيع الهواتف، بل حماية البنية التحتية المعلوماتية الجديدة التي يجري تشييدها لإطلاق الجيل الخامس من شبكات الإنترنت.
لم يختلف تعامل جون بايدن مع الصين كثيرًا عن ترامب. إذ منذ أن توليه منصبه، حرمت الولايات المتحدة الشركة من بعض وليس كل أنواع الرقائق الرئيسية اللازمة لمعداتها. مما دفع الشركة إلى السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما زاد من خسائر الشركة الصينية.
خسائر فادحة
منيت “هواوي” بخسائر فادحة جراء الأزمة الأمريكية وفرض الأخيرة عقوبات عليها. حيث سجلت الشركة الصينية للتكنولوجيا إيرادات بلغت 49.5 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، بانخفاض 29.4% عن الفترة نفسها من العام الماضي.
كما انخفضت عائدات ذراع الإلكترونيات الاستهلاكية لدى الشركة بنحو 47%، مقارنة بالعام الماضي. في أعقاب منعها من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية الأمريكية المهمة الشركة من بيع هواتفها. وكذلك انخفض نشاط “هواوي” الرئيسي المتمثل في بيع معدات البنية التحتية لشركات الاتصالات، بنسبة 14.2%، وصولاً إلى (21.1 مليار دولار).
انتهاك عقوبات إيران
تحقق السلطات الأمريكية منذ 2016 على الأقل في شحن هواوي المزعوم لمنتجات أمريكية المنشأ إلى إيران ودول أخرى. وتعتبرها انتهاكا لقوانين العقوبات والتصدير الأمريكية بحق طهران.
البداية كانت لدى وكالة رويترز، حيث كشفت عن وثائق داخلية جديدة حصلت عليها من شركة هواوي الصينية. تؤكد أن الشركة سعت للتستر على علاقتها بشركة سبق أن حاولت بيع معدات كمبيوتر أمريكية محظورة لإيران. وذلك بعد أن نشرت الوكالة تقريرا في 2013 عن وجود روابط عميقة بين تلك الشركة والمديرة المالية لشركة معدات الاتصال الصينية العملاقة.
ونشرت “رويترز” في عام 2012 وثائق تشير إلى أن “سكاي كوم” إحدى الشركات التابعة لهواوي عرضت بيع ما قيمته 1.3 مليون يورو على الأقل من معدات الكمبيوتر المحظورة، من إنتاج شركة هيوليت باكارد “اتش بي” إلى أكبر شركة لاتصالات الهاتف المحمول في إيران في أواخر 2010.
وفي يناير 2013 وصف تقرير آخر من “رويترز” كيف كان لهواوي علاقات مالية وثيقة وروابط أخرى مع شركة “سكاي كوم”. بما في ذلك شغل منغ منصب أحد أعضاء مجلس إدارة “سكاي كوم” في الفترة من فبراير 2008 إلى أبريل 2009.
وتوالت التسريبات وكان آخرها الكشف عن تفاصيل جديدة عن دور “هواوي” في تزويد شركة اتصالات إيرانية بالعديد من خوادم الكمبيوتر والمحولات ومعدات أخرى من صنع “هيوليت باكارد”. وذلك بالإضافة إلى برمجيات من صنع شركات أميركية أخرى في ذلك الوقت، من بينها “مايكروسوفت” و”سيمانتيك” و”نوفيل”.
من جانبه شددت هواوي، على أنها تلتزم بجميع القوانين واللوائح المعمول بها حيث تعمل. بما في ذلك قوانين ولوائح الرقابة على الصادرات والعقوبات المعمول بها في الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الطريق إلى تحرير “هواوي” برقبة إيران
تشير نهاية القضية التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات إلى أن إدارة بايدن وحكومة الرئيس شي جين بينغ يمكن أن يتوصلا إلى نوع من التسوية في نزاع كبير يشمل مزاعم أخذ الرهائن من الجانبين.
ودعا رين جينغفي مؤسس شركة “هواوي” الصينية، فبراير الماضي، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اعتماد “سياسة انفتاح” تجاه شركته. تعود بالفائدة على الولايات المتحدة، وتقلل في الوقت ذاته خسائر شركة “هواوي” الصينية التي زادت على خلفية العقوبات الأمريكية التي فرضها دونالد ترامب. عندما منعها من الحصول على تكنولوجيا أمريكية ضرورية لصناعة الهواتف الذكية.
يبدو أن في المقابل ستنجح الولايات المتحدة في تقويض إيران. إذ بدا واضحًا أن الصفقة تهدف إلى تعزيز العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على طهران. وعدم فتح الباب أمام مزيد من التعامل التجاري والسياسي بين الصين وإيران.
وكذلك يبدو أن القضية تدور حول أشياء أخرى كثيرة، ليست فقط تلك الخاصة بانتهاك العقوبات الامريكية. ولكن ما هو أكبر من ذلك حيث تسعى الولايات المتحدة لمنع هيمنة هواوي والصين على شبكات اتصالات 5G.