شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء، مراسم توقيع بروتوكول تعاون، بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ومحافظتي شمال وجنوب سيناء. بشأن الطرح الإلكتروني الأول لعدد من التجمعات التنموية، السكنية والزراعية. من خلال التعاقد بنظام التمليك. بحضور اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية.
ويهدف هذا البروتوكول إلى تنفيذ الهيئة إجراءات الطرح الإلكتروني لـ 17 تجمعًا تنمويًا، بمساحة 5705 أفدنة، والتي توفر 1141 فرصة طبقا للشروط.
إعلان الحكومة عن خطط تنمية مستدامة، يُشير إلى أن الدولة -بعد عقود طويلة من التجاهل- تعود إلى الملف السيناوي. حاملة استراتيجية تمتد لأكثر من عقد، مع الاهتمام بأبناء المنطقة، ومحاولة مساعدتهم في التخلص من الأخطار والتحديات.
السادات وما بعد الحرب
لم تكد حرب أكتوبر تضع أوزارها، حتى خرج الرئيس الراحل أنور السادات على الشعب المصري بـ “استراتيجية للتنمية” لتطوير مصر كلها. المكان والسكان. وجاءت بعنوان “ورقة أكتوبر” في 18 أبريل 1974، قبل شهور من أول احتفال للمصريين بالعبور العظيم. بدا وكأن الرئيس يريد أن يُكمل الفرحة، دون اعتبارات أخرى.
افتتح السادات ورقته الاستراتيجية، بالتأكيد على ما قاله في عيد العمال 1971 “علينا أن نجعل من الهزيمة نقطة انطلاق لبناء دولة جديدة”. وأضاف: “هناك أيام في حياة الأمم لا تقاس بوحدات الزمن. وإنما تقدر بوزن ما تفتحه من آفاق، وما تتيح من آمال. وما تلهمه من أفكار، وما تلهبه من عزائم. وهي بطبيعتها أيام نادرة، لا تعرض للأمة الواحدة إلا مرة كل عشرات من السنين”.
كان حديث السادات بعد 193 يومًا فقط من الانتصار حماسيًا. لكنه كان ينوى تنمية سيناء بعد تحريرها بالكامل في 25 أبريل. وفق ما ذكرت زوجته في عدة تصريحات صحفية، مؤكدة أنه كان يردد ذلك دومًا، وكان يتمنى الاتجاه للتنمية الداخلية الشاملة. إلا أن القدر لم يمهله.
مبارك وسيناء.. جوانب من التنمية
في مقال بعنوان “هل أضاع مبارك سيناء” عام 2018، ذكر محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير الجمهورية الأسبق، كلامًا للرئيس الراحل حسني مبارك بشأن تنمية سيناء. وكتب إن مبارك قال لرؤساء التحرير في فبراير 2010 كلامًا لم يكن للنشر -آنذاك- “ما أقدرش أعمل استثمارات في سيناء الآن. لن تنجح مشاريع شرق القناة إلا بوجود جيش يحميها، وهذا صعب الآن”.
كان الرئيس الراحل يقصد الضغوط المفروضة عليه بسبب اتفاقية كامب ديفيد، والتي قيّدت بشكل كبير حركة الجيش والأمن المصري في سيناء. لذا، كان هاجسه هو عودة الإسرائيليين بأي شكل. بعد أن تنفس الصعداء بعد خروجهم.
باستثناء تنمية المناطق السياحية لجنوب سيناء، وجعلها منطقة منتجعات فارهة حتى صارت وجهة جذب عالمية. شهدت سيناء خلال 30 عامًا، هي فترة حكم الرئيس مبارك، حالة من التأرجح لمشروعات تنموية عدة. بدأت باعتماد مجلس الوزراء 88 مليون جنيه كخطة عاجلة خلال شهرين، للبدء في تنفيذ تعمير المناطق، التي انسحبت القوات الإسرائيلية منها.
وفي عام 1994، أقر مجلس الوزراء المشروع القومي لتنمية سيناء، بميزانية تقدر بنحو 75 مليار جنيه. وأصدر مبارك قرارًا جمهوريًا بتخصيص 400 ألف فدان لحفر ترعة السلام بطول 155 كيلومترًا. إلا أن المشروع الذي استمر الحديث عنه لمدة 14 عامًا، توقف عن العمل دون إبداء أسباب واضحة.
60% تحت خط الفقر
وفي عام 1997 بدأت إعادة بناء خط سكك حديد “إسماعيلية – رفح”، ثم افتتح الرئيس الراحل في 14 نوفمبر 2001 المرحلة الأولى منه حتى بئر العبد. ولكنه بدوره لم يكتمل إنشاؤه. وفي عام 2000 أصدر محافظ شمال سيناء القرار رقم 50، الذي جدد فيه التعهد بمنح أراضٍ بديلة لأبناء سيناء. لكن كانت الدولة تمتنع عن تسليمهم الأراضي.
وصلت إجمالي الاستثمارات في مجال البنية الأساسية في سيناء حتى عام 1997 ملياري جنيه. لكن، كان مبارك يخطو قدمًا ويؤخر الأخرى كلما تعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية في سيناء. أرجع البعض ذلك إلى قلقه من قيام الإسرائيليين بشراء الأراضي في سيناء، تحت غطاء الشركات متعددة الجنسيات، ثم يظهر فيما بعد الشريك الحقيقي.
نتيجة لعدة عوامل استمرت خلال فترة مبارك، وكان أبرزها التخبط وتعدد مواضع القرارات، مع الاهتمام بالتنمية السياحية لحساب فئة بعينها من المستثمرين، على حساب بقية جوانب التنمية. في 26 أغسطس 2013، كشف تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن 60% من قرى جنوب سيناء تحيا تحت خط الفقر.
5 أفدنة في الطرح الإلكتروني
وتبدأ الهيئة العامة للاستثمار، اعتبارا من 6 أكتوبر المقبل، طرح 10 تجمعات تنموية بمحافظة شمال سيناء. و7 تجمعات تنموية بمحافظة جنوب سيناء. بمساحة 5 أفدنة زراعية كاملة المرافق، ومنزل بمساحة 200م2 بنظام التمليك. ويضم كل تجمع العديد من المرافق والأنشطة التنموية. وهي أراضي زراعية مجهزة، منزل، ديوان، مسجد، مدرسة تعليم أساسي، ساحة رياضية. ومرافق خدمية متنوعة. وأنشطة ومشروعات إنتاجية.
وكانت توجيهات الرئيس بزيادة عدد المواطنين المستفيدين من التجمعات التنموية. دفعت الحكومة إلى تخفيض عدد الأفدنة من 10 أفدنة لكل فرد الى 5 أفدنة. لتوسيع الاستفادة منها. وزيادة فرص التنمية الزراعية. هذه التجمعات سيتم توزيعها على أبناء سيناء بنسبة 99%، والباقي لعدد من أبناء المحافظات. بهدف تحقيق التنمية الشاملة، والجذب السكاني إلى سيناء لتعميرها وتنميتها. وتحقيق المزج بين ثقافات أهالي سيناء وباقي المحافظات.
وتجري العملية بأكملها من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالخريطة الاستثمارية للهيئة. وتتضمن الاطلاع على كراسة الشروط وسحبها، ويتم تقديم ورفع المستندات إلكترونيًا على الموقع خلال الفترة من 6 أكتوبر وحتى 31 ديسمبر المُقبل. وكذلك إتاحة سداد الرسوم، وإجراء القرعة وإعلان النتائج إلكترونيًا.
ووفق الهيئة العامة للاستعلامات، تستهدف خطة التوطين في سيناء جذب نحو 3 مليون مواطن على المدى القريب للعيش في سيناء. لتصل إلى قرابة 8 مليون مواطن على المدى البعيد. وفق كتاب صدر مؤخرًا بمناسبة أعياد تحرير سيناء.
وترتكز خطة التوطين على فكرة التجمعات التنموية، التي تعتبر خطوة على طريق تنمية المناطق البدوية داخل سيناء.
حياة جديدة خارج الوادي
وكان مدبولي، خلال كلمته في افتتاح محطة معالجة مياه بحر البقر، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي. قال إن سيناء كانت مسرحًا للعمليات الإرهابية بعد 30 يونيو. ولفت إلى الرسالة التي وجهها الرئيس عام 2014 بإطلاق المشروع القومي المتكامل لحماية وتنمية سيناء، أمنيًا وعسكريًا. وإنشاء شبكة بنية تحتية كبرى. بالإضافة إلى إنشاء مشروعات كبيرة تساهم في عملية التنمية.
وأضاف أن توجيه الرئيس كان البداية، من خلال المخطط القومي للتنمية العمرانية لمصر حتى عام 2052. والمقرر في المخطط لمنطقة سيناء ومنطقة إقليم قناة السويس. إضافة إلى الساحل الشمالي الغربي، ومنطقة الدلتا الجديدة، من أجل انتشار السكان والزيادة السكانية على كل ربوع مصر، ومضاعفة الرقعة المعمورة إلى 14 %.
وتابع: “رؤية الدولة في سيناء أن تكون مجال جديد للحياة خارج الوادي والدلتا. من خلال استغلال الموارد الطبيعية، والكنوز المتاحة على أرض سيناء، لزيادة الرقعة المعمورة في مصر. وتوطين الشباب المصري فيها. بعيدا عن الوادي والدلتا”.
السيسي يغازل بدو سيناء
في عام 2015 كان الرئيس السيسي يحتفل للمرة الأولى بأعياد تحرير سيناء. خلال حديثه، جاءت كلمة “سيناء” في المرتبة الثانية بين الكلمات الأكثر تكرارًا، وذكرت 15 مرة. كذلك كان هناك محوران أساسيان في المسار العام لصياغة الكلمة، عكسا الحالة المسيطرة. وهما كلمتا الإرهاب والتنمية، وهما أصل الصراع الأساسي في سيناء.
ذلك اليوم، تكررت كلمة “التنمية” بواقع 5 مرات. بينما تكررت كلمة “الإرهاب” بواقع 3 مرات.
بعدها بأعوام، كان الرئيس يتحدث -قبل يومين- خلال افتتاح محطة تحلية المياه في بحر البقر. عاد ليُكرر الحديث الذي افتتحه أول مرة. قال: “في سيناء يتعين تأمين كل خطوة في مشروعاتها لأن هناك خطرا يهددها، وهو الصراع بين الإرهابيين وبين التنمية في سيناء، لذلك هناك قوات لتأمين حركة العمل حتى ينتهي”.
وأضاف: “هل تعلمون لماذا يوجد الإرهاب في سيناء؟ حتى لا يتم إنشاء تلك الشبكات. وتظل سيناء كما هي، وتصبح الحرب حربين. حرب ضد الإرهاب وحرب البناء. حركة المياه للوصول إلى سيناء ده تكلفة بالمليارات، نقدر نقول إن سيناء فيها تنمية حقيقية”.
وعبر السنوات الخمس السابقة، وجّه الرئيس الحكومة إلى حوار مجتمعي، مع الأهالي في شمال وجنوب سيناء، للوقوف على متطلباتهم واحتياجاتهم. بحيث يتم التركيز على الأنشطة التنموية التي تناسب كل تجمع، وفقاً للتوزيع الجغرافي والمميزات النسبية التي يتمتع بها.
هكذا تبدو الإدارة المصرية حريصة على بناء علاقة قوية مع أهالي سيناء. ليس فقط على مستوى الأجهزة الأمنية كما كان يحدث سابقًا، بل كذلك على المستوى الشعبي. لتظهر محاولات التنمية والاسترضاء للأهالي بعد عقود من النسيان، جزء من استراتيجية مواجهة انتشار الجماعات الإرهابية في شمال سيناء.
على الهواء
في عام 2017، اعتذر الرئيس على الهواء عما وصفه بـ “سقطة كبيرة”، عندما لم تُذكر محافظة شمال سيناء في الفيلم الوثائقي الذي عُرض في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني للشباب بالإسماعيلية. اعتذار الرئيس جاء ردًا على تعليق سيدة تُدعى شيماء من شمال سيناء. قالت: “إحنا زعلنا إن الفيلم التوثيقي الذي عرض في المؤتمر اليوم لم يذكر شمال سيناء”.
وأضافت شيماء: “ذكر المحافظة جاء فقط في محاربة الإرهاب في جبل الحلال، والله إحنا مش إرهاب، الإرهاب من كل المحافظات، وربنا وحده يعلم عايشين إزاي، ومحرومين من المواد التموينية.” هنا، جاء رد السيسي سريعًا ودبلوماسيًا: “حقك عليا متزعليش، دي سقطة كبيرة غير مقصودة، ده تاريخكم واللي ينكره يبقى جاحد، متزعليش. وأرجو أن صوتي يصل باعتذاري لأهالي سيناء، متزعلوش ومنقصدش أبداً”.
كذلك، دافع السيسي عن قرار إخلاء بعض مناطق شمال سيناء من المواطنين لتجنيبهم آثار العمليات العسكرية. وكان رده صارمًا على سؤال الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حول العملية الشاملة في سيناء وما أثير حول إخلاء منازل عدد من المواطنين. وما وصفه بـ “تهجير” الأهالي في مناطق من محافظة شمال سيناء.
قال السيسي: “إحنا مهجرناش حد، كل كلمة ولها معنى. اللي عملناه في سيناء إيه، كان يوجد بيوت ومزارع ملاصقة للخط الحدودي مع قطاع غزة، بجانب آلاف الأنفاق. وبهدف التخلص من هذه الأنفاق، كان لابد أن نخلي هذه المناطق من البيوت والمزارع والمواطنين”.
وتابع: “دفعنا ثمن الأراضي والبيوت والمزارع، يبقى أنا ما هجرتش حد. الناس مشيت صحيح، لكن إحنا ما هجرناش، وفي مليارات اندفعت، أدينا فلوس للناس، الموضوع أمن قومي لـ 100 مليون مصري. بنبني النهاردة في رفح الجديدة، وكمان المجتمعات البدوية الجديدة اللي أهالي سيناء يفضلوها”.
رؤية جديدة للتنمية
أصدر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في الربع الأول من العام الجاري، دراسة بعنوان “سيناء: رؤية جديدة للتنمية” عن السنوات من 2014 إلى 2020 “. أوضحت أن الدولة المصرية بعد 30 يونيو، تعمل على تفادي سلبيات غياب التنمية التي وقعت فيها الحكومات السابقة. من حيث الاهتمام بالمركز على حساب الأطراف، خاصة إقليمي الصعيد وشبه جزيرة سيناء.
وتزيد الأهداف التنموية في سيناء على إقليم الصعيد، من حيث مقاومة الإرهاب وخلق تكتلات بشرية تُساهم في تدعيم الأمن القومي المصري بمعناه الواسع. حيث أن هناك تحولات كبيرة جرت على أرض سيناء في 6 سنوات. منذ أخذت الدولة على عاتقها نهج جديد في تطوير المنطقة بمشاريعها الخدمية والاقتصادية المختلفة. وبداية من عام 2014، كانت الأولوية لمشاريع البنية التحتية التي لطالما كانت حجر الأساس لجذب الاستثمارات وتسهيلها.
ويُمكن رصد ذلك التحول في سيناء بمتابعة تحليل الموازنة العامة للدولة، فيما يتعلق بمستوى الانفاق الحكومي العام في المدى القصير الذي تضطلع به وزارة المالية بهدف تمكين الأجهزة الحكومية من أداء مهامها اليومية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. كذلك مستوى الإنفاق الاستثماري في المدي المتوسط والبعيد الذي تختص به وزارة التخطيط بغرض تمهيد البيئة الاقتصادية للمستقبل في سيناء ضمن الخطة الاستثمارية العامة للدولة.
طيلة الأعوام الأربعين الماضية. شهدت شبه جزيرة سيناء، وتحديدًا الجانب الشمالي منها، حالة من الإنكار من قِبل الإدارة المصرية. وكان الجزء الأمني هو الغالب على العلاقة بين الحكومة والمنطقة التي تُشّكِل 6% من الأراضي المصرية، بينما تراجعت التنمية بشكل كبير.
الآن، تُصاحب الملفات الثابتة، مثل مكافحة الإرهاب، ما يبدو أنه رؤية شاملة، لإصلاح ما أفسده الزمن لعقود بعد عودة الأرض إلى أهلها. الذين سئموا من النظر إليهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ومحرومين من كافة الخدمات.