شهد الأسبوع المنقضي تفاعلاً ثلاثيًا بين مصر والسودان وإثيوبيا إزاء أزمة سد النهضة، بالتوازي مع زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى القاهرة ومبعوث الرئيس الأمريكي للقرن الإفريقي في الخرطوم، وهي التفاعلات التي لم تتخطى كونها تصريحات متبادلة.
وفي الوقت الذي حذرت فيه مصر من أنها لن تقبل أي تعدٍ على أمنها المائي وحقوقها التاريخية، وضعت السودان شروطا للعودة للمفاوضات، أهمها تبادل المعلومات كاملة بشأن عملية الملء، بالمقابل فاجأت إثيوبيا الجميع برفضها الدخول في مفوضات تفضي إلى اتفاق ملزم قانونا، وهو ما يشكل استفزازا صريحا للقاهرة والخرطوم.
السيسي: لن نقبل الإضرار بمصالحنا المائية في أزمة سد النهضة
ناقش الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، مستجدات قضية سد النهضة في ضوء صدور البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن وما تضمنه من ضرورة امتثال الأطراف للتوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانوناً خلال فترة وجيزة على نحو يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
وأكد السيسي مدى الالتزام الذي أبدته مصر تجاه مسار المفاوضات وأن المجتمع الدولي عليه القيام بدور مؤثر لحل تلك القضية البالغة الأهمية، وأن مصر لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بها.
وجدد “سوليفان” التزام الإدارة الأمريكية ببذل الجهود من أجل ضمان الأمن المائي المصري، وذلك على نحو يحفظ الحقوق المائية والتنموية لكافة الأطراف.
حضر الاجتماع سامح شكري وزير الخارجية وعباس كامل رئيس المخابرات العامة، وكذلك كلٍ من السيد بريت ماكجورك منسق الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي، وأريانا برينجورت كبيرة مستشاري مستشار الأمن القومي الأمريكي، وجوشوا هاريس رئيس إدارة شمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، ونيكول شامبين نائبة سفير الولايات المتحدة بالقاهرة”.
السودان يضع شروطا للعودة إلى محادثات سد النهضة
كما جدد وزير الري والموارد المائية السودانية ياسر عباس، رفض بلاده الانخراط في أي محادثات حول سد النهضة لا تتضمن كل النقاط المتعلقة بالملء الأول والتشغيل على رأسها سلامة سد الروصيرص.
جاء ذلك خلال استقبال عباس الخميس، مبعوث الرئيس الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، ونائب مساعد وزير الخارجية لشرق إفريقيا والسودان براين هانت، وعددا من المسئولين بالخارجية الأمريكية والسفارة لدى الخرطوم.
وتطرق اللقاء لتطورات ملف سد النهضة ومساعي واشنطن في الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لجميع الأطراف في أقرب وقت ممكن، وجدد الجانب السوداني على أهمية تنفيذ ما جاء في البيان الرئاسي الصادر من مجلس الأمن الدولي منتصف الشهر الحالي، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، تشجيع دور المراقبين لتسهيل التفاوض.
غياب التنسيق وعدم تبادل البيانات
وتبادل الجانبان السوداني والأمريكي الرؤى بشأن الخطابات المتبادلة بين وزيري الري السوداني والإثيوبي خلال هذا الشهر، كما تطرقا للأضرار التي شكلها الملء الأحادي الثاني لسد النهضة، والتدابير التي قام بها السودان وكلفة ذلك في ظل غياب التنسيق وعدم تبادل البيانات.
وجدد الوزير السوداني رفض بلاده الانخراط بأي محادثات لا تتضمن كل النقاط المتعلقة بالملء الأول والتشغيل على رأسها سلامة سد الروصيرص وإجراء الدراسات البيئية والاجتماعية وتبادل المعلومات وجميع النقاط التي تندرج تحت التشغيل الآمن المستمر، إضافة إلى توضيح منهجية التفاوض لتفادي سلبيات الجولات السابقة.
الخرطوم: مواصلة بناء سد النهضة من دون اتفاق ملزم تهديد مباشر لنا
في سياق مواز، أكد ياسر عباس، تأثر بلاده المباشر جراء قرارات الملء الأحادي لسد النهضة الإثيوبي للعام الثاني على التوالي.
ونقلت وكالة أنباء السودان، الأربعاء، عن الوزير قوله في لقاء مع السفير الأسترالي المعتمد لدى السودان، والمقيم بالقاهرة، غلين مايلز، أمس إن الخرطوم تتمسك بالتوصل لاتفاق “قانوني ملزم” لضمان تبادل البيانات والمعلومات، التي تؤمن سلامة سد الروصيرص، وحياة الملايين على ضفاف النيل الأزرق.
وأضاف أن تواصل عمليات بناء سد النهضة في ظل عدم وجود اتفاق قانوني ملزم “يشكل تهديدا مباشرا” للسودان. وتتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا منذ سنوات دون تحقيق أي نجاح حول حل قضية سد النهضة الإثيوبي، الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار بهدف توليد الطاقة الكهرومائية بقدرة كبيرة، بينما تصاعد التوتر حوله في الأشهر الماضية بعد بدء أديس أبابا خلال مراحل الملء.
وتعلق إثيوبيا آمالها في التنمية وتوليد الطاقة على سد النهضة، في حين يشعر السودان بالقلق بشأن تدفق المياه إلى سدوده، وتخشى مصر من أن يؤثر على إمداداتها من المياه.
إثيوبيا ترفض أي اتفاقية ملزمة بشأن سد النهضة
رغم ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، إن بلاده ترفض اتفاقية ملزمة بشأن سد النهضة، وتنتظر دعوة الرئيس الكونغولي لاستئناف مفاوضات سد النهضة، وذلك في تحدٍّ لما تطالب به كل من مصر والسودان.
وأضاف “مفتي” أن أديس أبابا تنتظر أن يوجه الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدى، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، دعوة لاستئناف مفاوضات سد النهضة.
وجاءت تصريحات المسؤول الإثيوبي بعد ساعات من دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي المجتمع الدولي أن يقوم بدوره لحل أزمة سد النهضة، إذ أكد السيسي، خلال استقباله مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، حين قال إن مصر لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بها.
وأضاف أن مشاركة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية دمقي مكونن، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، جاءت بفوائد كبيرة، وأوضحت حقيقة ما يجري في البلاد.
وارتفعت حدة التوتر بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، بعد إعلان أديس أبابا الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، مما أثار قلق بلدتي المصب.
لا بديل عن اتفاق ملزم قانونًا
وطالبت مصر والسودان مجلس الأمن الدولي بوضع اتفاق ملزم قانونا لحل النزاع، بينما أكدت إثيوبيا أن المسألة يمكن حلها من قبل الاتحاد الإفريقي.
وتقول القاهرة والخرطوم إن 10 سنوات من المفاوضات مع إثيوبيا باءت بالفشل، وأن سد النهضة بدأ بالفعل عملية ملء ثانية لخزانه، وأضافتا أن هذا لا ينتهك اتفاقية عام 2015 فحسب، بل يشكل تهديدا وجوديا لـ150 مليون شخص في دولتي المصب.
كما اكتمل بناء السد على النيل الأزرق بنسبة 80 بالمئة ومن المتوقع أن يصل إلى طاقة التوليد الكاملة في عام 2023، مما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.
وتقول إثيوبيا إن المشروع الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار ضروري لتعزيز التنمية الاقتصادية، وإمداد الغالبية العظمى من سكانها بالكهرباء