مع اقتراب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد. الذي حددت وزارة التربية والتعليم يوم 9 أكتوبر الجاري لبدايته. تزداد المخاوف لدى أولياء الأمور على صحة أبنائهم. خاصة في ظل تأكيد وزير التربية والتعليم على انتظام الحضور رغم انتشار فيروس كورونا. وارتفاع معدل كثافة الطلاب في الفصول. وتدني مستوى النظافة والخدمات الصحية في المدارس الحكومية.
ويتساءل الأهال: هل ينجح تشديد الإجراءات الاحترازية التي أعلنته الوزارة في ضمان عدم انتشار الفيروس خاصة “متحور دلتا” سريع الانتشار. في فصول يتجاوز فيها عدد التلاميذ الـ 85 طالبا. بل وترتفع في بعض المناطق الشعبية إلى 100 تلميذ في مراحل التعليم الأساسي وهم الفئة التي لا يمكن السيطرة عليها بطبيعة السن.
وكانت أزمة انتشار وباء كورونا. وما تبعها من فرض قيود على التحركات. والمعاملات، ومنها تعطيل الدارسة لموسمين متتاليين. غطت على أزمة نقص الأبنية التعليمية. والفصول الدراسية في مصر. التي كانت تواجهها الحكومة في السنوات الأخيرة بإعداد فصول متحركة. وتنظيم فصول استثنائية في أحواش المدارس وتشغيل البعض في المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية، بنظام ثلاث فترات، أو استئجار بعض الأبنية لاستخدامها كمدارس لمواجهة الأزمة.
في عام 2007، أعلنت الحكومة عن خطة لبناء 30 ألف مدرسة، لم يتم تنفيذ إلا 20% منها على أرض الواقع. طبقا لتقارير المركز المصري للحق في التعليم. ومازالت تعاني مصر من أزمة نقص الأبنية التعليمية ما أدي إلى ارتفاع الكثافات إلى هذا الحد.
تضارب الأرقام
في آخر إحصائية لها في شهر أبريل الماضي. قالت وزارة التربية والتعليم. إن إجمالي عدد المدارس الحكومية 48580 مدرسة في مختلف محافظات الجمهورية تحتوي على 441785 فصلاً بإجمالي عدد الطلاب والطالبات بالمدارس الحكومية 21875270.
ويؤكد تقرير التنمية البشرية الصادر عن الحكومة الأسبوعين الماضيين. أن كثافة الفصول بلغت 53 تلميذا في الفصل الواحد بالمدارس الحكومية.
عبد الحفيظ طايل مدير المركز المصري للحق في التعليم. كذب الأرقام التي أعلنت انخفاض الكثافة من 85 إلى 53 تلميذا في الفصل. وقال لـ”مصر 360″. إن عدد المدارس المعلن عنه رسميا في التقرير 56,500 ألف مدرسة بإجمالي عدد 509,000 فصل. فإذا تمت مقارنة الرقم بتقرير وزارة التربية والتعليم في شهر أبريل الماضي التي ذكرت فيه أن عدد المدارس الحكومية بلغ 48 ألف مدرسة. فهذا يعني أن تقرير التنمية البشرية احتسب عدد المدارس الخاصة، والدولية البالغ عددها فعليا 10 آلاف مدرسة ضمن إحصائه.
واستنتج طايل أن انخفاض الكثافة إلى 53 تلميذا ناتج عن أن التقرير احتسب عدد الطلاب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي علي إجمالي عدد المدارس الخاصة والحكومية بينما الأزمة تختص بها المدارس الحكومية فقط.
وواصل طايل تعليقه علي التقرير: نسبة الكثافة في المرحلة الإعدادية رسميا 49 تلميذ والثانوي العام 43,1. والفني 42,2. فإذا احتسبنا معدل سنوات التعليم الأساسي تبلغ 13,3، لكن الواقع الفعلي في مصر فان معدل سنوات الدراسة تبلغ 7,4 فقط. مبينا أن الفجوة ناتجة من ارتفاع معدل التسرب التعليمي. وليس من تحديث وتطوير وبناء منشآت تعليمية جديدة.
إحصاء آخر
لكن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ذكر أن الإجمالي العام لعدد التلاميذ في المراحل قبل الجامعية. بلغت 25.3 مليون تلميذ العام الماضي 2019/2020. مقابل 24.2 مليون تلميذ عام 2018/2019 بزيادة بلغت نسبتها 4.7% من إجمالي التلاميذ.
وبحسب التقرير: بلغ عدد المدرسين 1.18 مليون مـدرس عــام 2019/2020 مقابل 1.21 مليون مـدرس عام 2018/2019 بانخفاض بلغ نسبته 1.5% من إجمالي المدرسين.
وأشار التقرير إلى الحاجة لبناء من 155 ألفًا إلى 160 ألف فصل دراسي في حين أن المتاح من الميزانية ضعيف..
وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة يوجد 81.8% من القرى لا توجد بها مدارس تعليم ثانوي. و15% منها ليست بها مدارس تعليم إعدادي. و3.7% لا توجد بها مدارس ابتدائي نهائيًا.
طايل قال إن آخر تقرير رسمي خرج عن أزمة نقص المدارس الحكومية كان للمجلس الأعلى للتعليم في 2007. الذى أكد حينها أن مصر تحتاج إلى 33 ألف مدرسة للنزول بحد الكثافة إلي 45 تلميذا في الفصل. مشيرا إلى أن معدل الإنجاز في الأبنية التعليمية في مصر لم يتخط 20% فقط على أرض الواقع.
وأضاف طايل أن وزير التعليم السابق دكتور محمود أبو النصر، أعلن عن خطة سابقة للوزارة. كان يستهدف تنفيذها في عام 2014، وتقضي بإنشاء 11 ألف مدرسة حتى عام 2017 لتقليل الكثافة إلي 35، 45 تلميذ في الفصل لكنها لم تستكمل.
وأكد طايل أنه يجب أن لا تتعدى كثافة الفصل 33 طالبًا. حتى يتمكن الطالب من الاستيعاب والفهم. مشيرًا إلى أن أكثر من 60% من فصول مصر توجد بها كثافة طلابية. مطالبًا بضرورة تبني حملة قومية لبناء المدارس حرصا على حياة الطلاب في ظل انتشار كورونا، وأن أول مؤشر لجودة التعليم يتعلق بإتاحته وهو أمر يحتاج إلى تطويره وهو ما يجعل مصر تأخذ مستوى متأخرًا في جودة التعليم..
التوسع في المدارس الخاصة
وانتقد دكتور كمال مغيث الخبير التربوي. ما اعتبره توجه وزارة التربية والتعليم الخاصة بإحلال المدارس التجريبية والخاصة مثل مدارس” بدر الدولية” محل المدارس الحكومية المجانية لتكون بمصروفات على حساب أبناء البسطاء والفقراء وهم الأغلبية. والتوسع فيها والتغول والجور على المدارس الحكومية في القرى والأحياء الفقيرة.
وبرأي مغيث، فإن سياسة الوزارة في التوسع في منح التراخيص للمدارس الخاصة والدولية التي ترفع المصروفات وشروط الالتحاق بها بدون مراقبة عليها يعد مخالفة للقانون في الوقت التي تواجه فيه الوزارة نقص الفصول الدراسية بعمل فصول متنقلة.
وأشار مغيث إلى أن وزارة التعليم تواجه أزمة نقص المعلمين بالتطوع. وكأننا شعب من اللاجئين، أو ضيوف في الوطن. معتبرا حلول الوزارة لمواجهة مشاكل التعليم حلولا مؤقتة وليست معالجة جذرية للمشكلات.
وأضاف: مشروع “الاستثمار في التعليم” الذي تستغله المدارس الخاصة يمنح نسبة 25% من نسبة الأراضي المخصصة لبناء مدارس حكومية إلى مستثمرين بحق الانتفاع لمدة 30 سنة أو 40 سنة. ومن حق المنتفع تحديد المصروفات وفقًا لدرجة الخدمة بالمدرسة، لكن على أرض الواقع لا يتم التطبيق.
وأوضح مغيث أن مواد الدستور الخاصة بالتعليم نصت على أن التعليم ما قبل الجامعي مجانى ، وإلزامي، ومسئولية كاملة على الدولة. واعتبر هذه السياسات توجه نحو خصخصة التعليم المصري وإجحاف حق الفقراء في التعليم الجيد المجاني.
وطالب مغيث، بضرورة وضع حل جذري للكثافة العالية بالمدارس، بصورة تجعل الطلاب يقبلون على التعليم، وضرورة توفير بيئة تعليمية صحية آمنة للطلاب حرصا على أرواحهم، مضيفا أن التكدس داخل الفصل يؤدي إلى تشتيت انتباه الطلبة وغياب تركيزهم، الأمر الذي يؤثر على مستواهم الدراسي ويجعلهم يلجأون إلى الدروس الخصوصية. لافتا إلى أن إصلاح التعليم يكون بتفعيل دور المدرسة، وتشجيع المدرسين على التدريس للطلاب، وتوضيح الجزئيات الصعبة.
تحد صعب
حسن أحمد رئيس النقابة المستقلة للمعلمين وعضو اللجنة العربية الدولية لجودة التعليم. أكد أن العام المقبل يواجه تحديا صعبا لوجود ظروف استثنائية وهي انتشار فيروس كورونا، خاصة مع ارتفاع كثافة الفصول وندرتها على حد وصفه، للدرجة التي تضطر فيها الوزارة لتشغيل بعض المدارس لفترتين وثلاث فترات.
يحذر أحمد،من أن أغلب المدارس الحكومية مع هذه الكثافات المرتفعة لا تصلها المياه النظيفة ولا تتبع إجراءات الحماية، والوقاية من الفيروس، خاصة مع عدم وجود عمال نظافة في الغالبية العظمى من المدارس الحكومية، مشيرا إلى أن وزارة التربية والتعليم ألغت الاعتماد المالي لتعيين العمال وتركتها حسب إمكانيات المدارس المادية.
وبحسب رئيس النقابة المستقلة للمعلمين: فكل مدرسة عليها تدبير موارد من ميزانيتها لتعيين عمال النظافة. وهو الأمر الذي لا يتوفر في العديد من المدارس، ما يهدد بكارثة صحية في ظل هذا التدني الخدمي على حد وصفه.
وتطرق حسن إلى مشكلة أخرى في حديثه لـ”مصر 360″ وهي أزمة المباني المستأجرة التابعة للتربية والتعليم التي تلجأ إليها لحل أزمة الكثافة المرتفعة مؤقتا. قائلا: هذه المباني كانت عبارة عن مبان سكنية غرفها صغيرة لا تستوعب عددا كبيرا من التلاميذ، وغير جيدة التهوية ولا يتوافر بها أماكن لممارسة الأنشطة لتعليمية، والرياضة، وليس بها عدد حمامات كافية تستوعب أعداد الطلاب والعاملين بالمنشأة التعليمية، ما يجعلها غير صالحة للعملية التعليمية .
أبنية غير صالحة للعملية التعليمية
وقال حسن إن أعمال الصيانة السنوية للمدارس تعطل عشرات المدارس سنويا عن العمل. فأقل فترة صيانة تقوم بها هيئة الأبنية التعليمية تأخذ 3 أشهر، من المفترض أن تبدأ أعمال الترميم في الإجازة الصيفية لكن عادة ما تتأخر حتى بداية العام الدراسى، فيتم ضم مدرستين على بعض لحين استكمال أعمال الصيانة فيزيد من الكثافة ولا يسمح الوقت بين الفترتين بأي اعمال تطهير، وتعقيم قبل استقبال طلاب الفترة الثانية، مما يسهل انتشار فيروس كورونا.
وأكمل : أن الطلاب الذين يتم نقلهم إلى مدارس أخرى لحين استكمال أعمال الصيانة، هم في الحقيقة يحصلون على عملية تعليمية شكلية غير منضبطة ويمضي الترم دون تلقي محتوى تعليمي حقيقي لضيق الوقت وقصر اليوم الدراسي.
واختتم حسن حديثه بالتأكيد على أن المدرسة أحد الركائز الأساسية للبيئة التعليمية التي لابد من توافرها بشروط تعليمية وصحية ملائمة.