تحذيرات شديدة أطلقتها منظمة الصحة العالمية مع بداية موسم الخريف واقتراب الشتاء، معلنة عن تخوفاتها من خطورة متحور “دلتا” الجديد. نظرا لسرعة انتشاره وإصابة للأطفال بالإضافة لزيادة معدل وفياته مقارنة بالنسخ السابقة من الفيروس.
واختلفت إجراءات الدول للمتحور الجديد حيث رفعت بعض الدول كل الإجراءات الاحترازية مثل النرويج. ليبدو أن الحياة تعود إلى طبيعتها، بينما شددت بلدان أخرى إجراءات المواجهة وفرضت قيود على التجمعات ومواعيد عمل المنشآت الترفيهية.
تكشف بيانات منظمة الصحة العالمية عن إصابة أكثر من 232 مليون شخص أي ما يزيد عن 3% من تعداد سكان العالم بفيروس كورونا، كما يقترب عدد الوفيات بسرعة من الخمس ملايين.
تأتي هذه الأرقام رغم الجهود الدولية الكبيرة في توزيع وتلقي لقاحات كورونا المختلفة، حيث تجاوزت أعداد الجرعات التي تم استخدامها ستة مليارات جرعة بحسب بيانات موقع جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية.
دلتا.. الوضع الوبائي
أعلنت منظمة الصحة العالمية أيضا أن “متحور دلتا” مسؤول عن أكثر من 99% من عدد الإصابات في العالم في أكثر من 185 دولة. وبحسب تصريح لمسؤول التقنية في المنظمة، ماريا فان كيركوف، أن “متحورات ألفا وبيتا وجاما تشكل الآن أقل من واحد بالمئة فقط من الإصابات”.
يذكر أن هناك ثلاثة متحورات أخرى وهي: ايتا ويوتا وكابا، لكنها ما تزال مصنفة تحت وصف “مثيرة للاهتمام” بالمقارنة مع المتحورات الأخرى المصنفة “مثيرة للقلق”.
تطور خطير أيضا كشفت عنه شبكة “سي إن إن” الأمريكية بدأ مع متحور دلتا الذي أصبح يصيب الأطفال. بعد تسجيل أول حالة وفاة لطفل رضيع في ولاية فلوريدا، وحالة أخرى لطفل في ولاية مسيسيبي، حيث بلغت نسبة الأطفال 30% من إجمالي الإصابات المسجلة في الأسبوع الأول من سبتمبر الماضي وفقا لبيانات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال.
كما بلغ متوسط عدد الوفيات اليومي في الولايات المتحدة 1900 شخص يوميا وهو أعلى معدل له منذ مارس الماضي. فيما وصل عدد الوفيات الإجمالي 680 ألف شخص.
ومن جانبه حذر “أنتوني فاوتشي” كبير خبراء الأمراض المعدية الأمريكي، قائلا إن العالم يشهد “متحورا متوحش” لفيروس كورونا. أكثر شراسة وانتشارا سيجعل من “دلتا” متحور ضعيف بالمقارنة به، وتوقع نموذج إحصائي أعدته “جامعة واشنطن” أن يتسبب الوباء في وفاة 100 ألف أمريكي حتى نهاية العام الجاري، ليتجاوز إجمالي الوفيات وقتها 780 ألف ضحية.
ويأمل الكثير من العلماء أن يتحول فيروس كورونا لما يشبه الأنفلونزا كوباء موسمي خفيف، ومنهم رستم أنتيا، عالم الأحياء بجامعة إيموري. الذي قال “نأمل أن يكون الأمر مثل الإصابة بنزلة برد، لكن ليس هناك ما يضمن”.
انتشار الفيروس
شهدت جزيرة برمودا الكاريبية أيضا ارتفاعا كبيرا في أعداد الإصابات، وهو ما دفع الاتحاد الدولي للثلاثي لإلغاء بطولة العالم للثلاثي المقرر إقامتها منتصف أكتوبر الجاري. وبحسب وكالة رويترز للأنباء سجلت الجزيرة 4218 إصابة و38 وفاة منذ تفشي الوباء بها.
وأعلنت بلغاريا أيضا أن متحور دلتا أصبح هو المسيطر بين الإصابات في البلاد بنسبة 100%. وكشفت عن ارتفاع إجمالي عدد الإصابات إلى 495 ألف منذ بداية الجائحة تبقي منهم 43 ألف إصابة نشطة، وإجمالي الوفيات بلغ 21 ألف شخص.
كما تواجه سوريا حالة تفشي كبيرة للإصابات بفيروس كورونا وبلغ عدد الحالات المسجلة 35 ألف إصابة و2200 وفاة. غير أن خبراء الصحة يعتقدون أن الأرقام الحقيقة أكبر من ذلك بسبب الظروف التي تعيشها البلاد. ووجود مناطق كبيرة خارج سيطرة الحكومة السورية.
ودعت وزارة الصحة المواطنين إلى ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية والإقبال على تلقي اللقاحات. وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية تم تلقيح أقل من 2% فقط من السكان في سوريا. وتسببت الحرب الأهلية بسوريا في تدمير جزء كبير من نظام الرعاية الصحية وهجرة 70% من كوادر النظام الصحي في البلاد.
ويواصل وباء “كوفيد-19” تفشيه الواسع في إيران بعد أن بلغ عدد الإصابات الخمسة ملايين، وعدد الضحايا الرسمي 113 ألف شخصا. بينما تقدر “مؤسسة النظام الطبي” الإيرانية عدد الضحايا بنصف مليون، ليتجاوز ضعف ضحايا الحرب العراقية- الإيرانية البالغ ربع مليون شخص والتي استمرت ثمان سنوات في ثمانينات القرن الماضي.
دلتا وسياسات المواجهة
بدأت المغرب في تخفيف الإجراءات الاحترازية المطبقة في البلاد، مع إعلان وزارة الصحة أن المؤشرات الوبائية كلها تتراجع. والتوصية بالبدء في تقديم جرعة ثالثة من اللقاح للمواطنين الأكبر من 65 سنة ومن يعانون من أمراض مزمنة. والشروع في تلقيح الأطفال أقل من 12 سنة.
كما أعلن رئيس الوزراء الياباني رفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ ثلاثة أشهر اعتبارا من مطلع أكتوبر الجاري. وتخفيف الإجراءات الاحترازية المعمول بها والتي فرضت إغلاق المطاعم والأماكن الترفيهية مبكرا. والتوقف عن تقديم المشروبات الكحولية في الأماكن العامة.
فيما سجلت اليابان 1.7 مليون إصابة منذ تفشي الوباء عالميا، ووفاة 17 ألف و500 شخص. وهو ما تسبب في استقالة رئيس الوزراء “يوشيهيدي سوجا” بسبب النقد الموجه لسياسات حكومته في مواجهة الجائحة. والتي هددت بانهيار النظام الصحي في البلاد خاصة أثناء إقامة دورة الألعاب الاوليمبية في أغسطس الماضي. والتي بلغ خلالها معدل الإصابات أكثر من خمسة آلاف في اليوم.
يذكر أن اليابان قامت بتلقيح أكثر من 56% من السكان حتى الآن. لكن معدل الإصابات اليومي ما زال مرتفعا نسبيا ويبلغ 200 إصابة في اليوم.
كما بدأت بعض الدول الأوروبية في تخفيف قيود الإغلاق والتباعد الاجتماعي التي فرضتها من قبل لمواجهة انتشار وباء “كوفيد-19”. حيث أعلنت هولندا عدم ضرورة سياسة “التباعد الاجتماعي” من استمرار استخدام “شهادة التطعيم” كشرط لدخول المطاعم والمشاركة في الأنشطة الجماعية. وهو نفس الشرط الذي تطبقه السلطات الإسبانية مع إضافة دخول المستشفيات والمشاركة في الأنشطة الرياضية.
بينما ما تزال ألمانيا وإيطاليا تفرض سياسة التباعد الاجتماعي على مواطنيها مع استخدام جواز سفر كورونا في كل الأماكن العامة والتجمعات الجماهيرية.
من جهة أخرى أعلنت سنغافورة أنها ستشدد الإجراءات الاحترازية المعمول بها لتشمل تخفيض التجمع المسموح به إلى شخصين فقط. وفرض سياسة العمل من المنزل لكل الأنشطة التي تسمح طبيعتها بذلك في محاولة للسيطرة على معدلات الإصابة. التي ترتفع بوتيرة متسارعة، يذكر أن سنغافورة لديها أحد أعلى معدلات التطعيم في العالم وبلغت نسبة 82% من إجمالي السكان.
اكتشافات طبية لمواجهة “كوفيد-19”
أعلنت شركة “فايزر” عن تطويرها لعقار يتم تناوله بالفم يمكنه وقاية الأشخاص من الإصابة أو علاج ومنع تطور الإصابة في حالة حدوثها. وقال “مايكل دولستن” كبير العلماء بالشركة أن عقار “PF-07321332” بدأ تطويره في مارس الماضي. وسيجري له تجارب سريرية على 2660 متطوع في حالة إصابة أي منهم بالفيروس أو تعرضهم له. مؤكدا أن الاختبارات المعملية للعقار أثبتت أنه يعطل استنساخ الفيروس لنفسه.
وكشفت دراسة حديثة في الصين عن ارتباط بين الإصابة بفيروس كورونا ومشاكل الإبصار لدى المتعافين منه. وتؤكد الدراسة أن صعوبات الإبصار ازدادت بين الطلاب في الصين خلال فترة فرض الإغلاق العام في البلاد. بنسبة بلغت 20% بين الطلاب بارتفاع 7% عن المعدل المعتاد في الأوقات الأخرى.
ويعزو خبراء الصحة السبب في زيادة معدلات استخدام الطلاب للشاشات والأجهزة الالكترونية خلال تلك الفترة. بدلا من المشاركة في الأنشطة الخارجية والحركية في الهواء الطلق.
جدير بالذكر أن حوالي 30% من سكان العالم يعانون من قصر النظر. وتتزايد النسبة باستمرار خلال السنوات الأخيرة بسبب انتشار الأجهزة الالكترونية وكثرة النظر إلى الشاشات.
حملة اللقاح في العالم
أعلنت وكالة “فرانس برس” عن بلوغ عدد جرعات اللقاح المعطاة في العالم الستة مليارات. وأن المليار الأخير منها قد تم خلال 29 يوما فقط، ليستمر استقرار معدلات انتشار اللقاح في العالم للشهر الثالث على التوالي. وكان المليار الخامس من اللقاح قد استغرق 26 يوما، بينما احتاج المليار الرابع إلى 30 يوما لنشرة. في مقابل 140 يوما استغرقها استخدام المليار الأول من اللقاح.
وتعتبر الصين أكبر مستخدم للقاح في العالم من حيث عدد الجرعات بإعطائها 1.18 مليار جرعة لموطنيها. كما أعلنت عن تطعيمها أكثر من مليار شخص بشكل كامل بنسبة 72% من تعداد السكان بها البالغ 1.4 مليار نسمة. ورغم ذلك تواجه الصين انتشارا جديدا لمتحور دلتا بعد تسجيل 200 إصابة خلال الأسبوع الماضي في مقاطعة فوجيان شرق البلاد. وهو ما تسبب فرض حالة الاغلاق العام على المناطق المتضررة.
وأعلنت إيطاليا عن وصولها بنسبة تلقيح مواطنيها بشكل كامل، إلى 75% ممن تبلغ أعمارهم 12 سنة فأكثر. بالإضافة إلى نسبة أخرى ممن تلقوا جرعة واحدة، وكانت إيطاليا أحد أكثر الدول المتضررة في أوروبا. وسجلت 130 ألف حالة وفاة وهي الأعلى أوروبيا بعد روسيا وبريطانيا.
وتعد الإمارات العربية المتحدة أكثر بلدان العالم تطعيما لسكانها بنسبة بلغت 81% من إجمالي التعداد تطعيما كاملا بالجرعتين. ونسبة 90% للجرعة الأولى، وبعدد جرعات بلغ 198 جرعة لكل 100 شخص. وإجمالي جرعات بلغ 19 مليون جرعة حتى الآن.
وتأتي أورجواي كثاني أكثر البلدان في العالم تلقيحا لسكانها بعد الإمارات بعدد 175 جرعة لكل 100 نسمة. يليها إسرائيل 171 جرعة ثم كوبا 163، وقطر 162. بينما ما تزال أغلب البلدان الفقيرة تواجه صعوبة في توفير اللقاحات لمواطنيها رغم جهود منظمة الصحة العالمية و”آلية كوفاكس” التي تسعى لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة. فيما لم تتمكن إريتريا وبورندي من الحصول على أي كمية من لقاحات كورونا بعد.
عقار جديد يقلل انتشار الفيروس
سعت مصر منذ البداية لتنويع مصادر حصولها على اللقاح لتوفير أكبر قدر منها لتلقيح المواطنين، والحملة التي بدأت بلقاح “سينوفاك” الصيني. شملت لقاحات “استرازينيكا” الأوروبي، ولقاح “سبوتنيك” الروسي. و”فايزر” الأمريكي، لتصبح مصر كما صرح دكتور “تيدروس أدحانوم” مدير منظمة الصحة العالمية الدولة الأولى أفريقيا التي تنجح في تنويع مصادر اللقاحات.
كما تسعى مصر لتطوير عقار دوائي يعمل على تقليل انتشار الفيروس في جسم المصاب. والعقار المسمى “مولنوبيرفيرا” ما يزال قيد الدراسة لكنه وصل إلى مرحلة التجارب السريرية الثالثة. ويمكن أن يساهم إلى حد كبير في مكافحة انتشار المرض وعلاج الإصابات في مصر.
ويعتمد بروتوكول وزارة الصحة المصرية الآن على عقار “مونوكلونال” الذي يحتوي على أجسام مضادة تمنع الفيروس من الارتباط بالخلايا وتعزز مناعة الجسم ومقاومته للفيروس. كما تستخدم على نطاق واسع العلاج بالأجسام المضادة المأخوذة من المتعافين السابقين من إصابتهم بفيروس كورونا.