عند تجولك بجزيرة الزمالك، وسط العاصمة، تلحظ برجا مرتفعا يشبه ناطحات السحاب، يغطي الغبار واجهته. أما المعلومة الأهم أنه مكان خارج الخدمة، ولا يسكنه أحد، لكنه يشغل موقعا بارزا لا يحظى بها الكثير من الواجهات السياحية في تلك المنطقة، لارتفاعه الشديد وسط أقرانه.
هذا المبنى الذي بدأ العمل فيه في أوائل السبعينيات، كان يعد أن يكون ناطحة سحاب مصرية، تحت رعاية الرئيس الراحل أنور السادات، لمطالعة القاهرة من أكثر من زاوية ومشهد، فتراكمت طوابقه إلى أن وصلت 50 طابقا، قبل أن يتعطل مشروع الفندق، ويموت صاحبه، دون أن يستفيد من مشروعه.
يحمل المبنى الشاهق لقب البرج الغامض، لأنه مكتمل من الخارج وبرغم ذلك متوقفا كل هذه المدة، بسبب عدم وجود جراج خاص به!
صدر قرار بترخيص هذا الفندق رقم 25 لسنة 1972 من حى غرب القاهرة ببناء 3 أدوار وبدروم ودور أرضى، ثم سمح له بـ9 أدوار متكررة فوق الأرضى، وأصدرت وزارة السياحة بتاريخ 5 يوليو 1973 الترخيص رقم 3248 باعتبار المبنى فندقا سياحيا، وتم تعديل الترخيص برقم 1 لسنة 1974 ببناء عمارة فندقية 44 طابقا أعلى الدور التاسع، وواكب ذلك قراران برقمى 27، و49 من المجلس التنفيذى بمحافظة القاهرة بإعفاء العقار من قيود ارتفاعات المباني.
تدخل الكبار
المهندس خالد فودة، صاحب الفندق قيد الإنشاء، الذي رحل عن عالمنا، روى في تصريحات وحوارت صحفية سابقة قصة البرج، الذي توقف لأسباب يرجعها إلى تدخل كبار رجال الأعمال الذين تمتعوا بصلات نافذة بالسلطة، ومنهم حسين سالم.
فوجئ فودة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك بقرار من حى غرب القاهرة بتاريخ 11 يونيو 1989 بوقف أعمال البناء، بدعوى سقوط الترخيص لعدم الشروع فى البناء، وحكمت المحكمة لصالحه بعد معاينة إنجاز الخوازيق. لكن بعد فترة طعنت وزارة السياحة بعدم صحة توقيع الترخيص السياحى الصادر للفندق فى عهد الرئيس السادات، واستطاع أن ينتصر بالدعوى بصحة التوقيع، دون سبب واضح بالعراقيل.
اكتمل البناء إلى 45 طابقا متكررا يشمل 450 غرفة فندقية، ليبدأ نزاع جديد حينها وهو عدم وجود جراح للمبنى، مما يسبب اختناق مروري، حتى رحل فودة، وظل البرج على ما هو عليه.
لتفادي هذه الأزمة التي تبدو من قراءة الأحداث أنها مفتعلة، تقدم فودة بأربعة مقترحات لبناء جراجات، واحد منها أسفل نادى الجزيرة، وآخر تحت فيلا مجاورة، وثالث تحت شارع حسن صبرى، ورابع تحت الأرض فى الجزء المهمل من حديقة الأسماك المجاورة، لكن المقترحات الأربعة رفضت بدون إبداء أسباب.
ما علاقة جنينة الأسماك بالبرج المغلق؟
تراجعت قصة الفندق إلى الوراء لسنوات، لغياب الحلول، حتى أعادت مشروعات التطوير الاستثماري التي ترغب الدولة، عبر شركات متخصصة، على غرار مشروع “عين القاهرة” في تجربتها بحي الزمالك، الكلام مرة أخرى عن الفندق.
وشهدت الأشهر الماضية جدلا كبيرا بسبب إطلاق مشروع “عين القاهرة”، وهو عبارة عن إنشاء أول عجلة ترفيهية وسياحية دوارة في القاهرة والأكبر من نوعها في القارة الأفريقية، بحديقة المسلة بمنطقة الزمالك، وهو المشروع الذي واجه اعتراضات كبيرة من السكان إلى أن تقرر إعادة النظر في موقعه.
ويربط بعض سكان الزمالك بين قرار شطب جزء من حديقة الأسماك التاريخية من عداد الأثار، وإعادة إحياء مشروع الفندق المغلق، خصوصا أن استغلال الجزء المهمل من الحديثة كان أحد الحلول المقترحة من المالك، ويسعى الورثة لاستكمال مسيرته بعد سنوات من توقف المشروع.
ويرجع تاريح إنشاء الحديقة لعام ١٨٦٧ م حين طلب الخديوي اسماعيل من مدير متنزهات باريس إحضار أحد الخبراء لتصميم الحديقة، وتبلغ مساحة الحديقة مضافاً إليها مجموعة الحدائق النباتية المجاورة لها نحو تسعة أفدنة ونصف الفدان، وصممت الحديقة على هيئة جبلاية وتم استخدام مادة الطين الأسوانلي والرمل الأحمر والمواد الداعمة، وصممت على هيئة خياشيم السمك.
تطوير أم استثمار؟.. لماذا يرفض سكان الزمالك المشروعات
وخلال الأيام الماضية، تداول قطاع من سكان حي الزمالك عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورة توضح القرب بين كلا من البرج والجبلاية، للتأكيد على أن الأمر لا علاقة له بخطط التطوير التي تتحدث عنها الحكومة، ولكنه حول أمور استثمارية وخلافات من سنوات سابقة، وفي المقابل لم ترد الحكومة على تلك الأحاديث.
“نعم لإزالة برج فودة”، “لا لإزالة جنينة الأسماك”، وسوم تملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لرفض هدم الحديقة، وخلاله دون المستخدمون أنه في حالة الاختيار بين البرج أو الحديقة، فسيكون الخيار للحديقة اليت لن تعوض، ولكن البرج يمكن تعويضه، أو اقتراح حلول أخرى بدلا من هدم الحديقة.
واكتفى زير الزراعة، السيد القصير، بنفي وجود دراسة لاستقطاع جزء من حديقة الأسماك لإقامة جراجات للسيارات، لافتًا إلى أن تطوير الحديقة يستهدف رفع كفاءتها لعودتها لرونقها القديم من خلال رفع مستوى الخدمات والأحواض السمكية.
غير أنه صرح عندما يتوصل إلى تصور كامل لعملية تطوير الحديقة سيتم الإعلان عنه، وهو ما لا يغلق الباب في وجه أي احتمال ممكن بخصوص تطوير الحديقة.
لكن الحديث اكتسب واقعية أكثر مع إعلان الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، اختيار مساحة نصف فدان من حديقة جبلاية الأسماك البالغ مساحتها تسعة أفدنة ونصف الفدان وتحويله إلى منطقة انتظار للسيارات، تخص زوار الحديقة.
وزيري قال خلال مداخلة هاتفية له ببرنامج الحكاية مع الإعلامي عمرو أديب المذاع عبر فضائية “إم بي سي مصر” إن المخطط لحديقة الأسماك هو عملية تطوير شاملة لكافة عناصرها، وإعادة الرونق الكامل مرة أخرى لها، وإعادة الجبلاية مرة أخرى لوظيفتها الأساسية وهي عرض نوادر الأسماك كما كانت، مشيرا إلى أن اللجنة الدائمة وافقت على استغلال مساحة نصف فدان من مساحة الحديقة كي يتم استخدامها كمنطقة انتظار سيارات، وذلك لأن أحد المستثمرين سيقوم بعملية تطوير كاملة للحديقة، فضلا عن تنظيم كافيتريات ومطاعم، وهو ما سيجعل الزيارة لها في تزايد، كما أنه يجب توفير مكان لانتظار سيارات الزوار، وأتوبيسات الرحلات، وغيرها من وسائل النقل المختلفة والتي ستكون ضرورة للحديقة بعد التطوير، وقد تم توفير هذا المكان، وهو خال من الأشجار، وكل ما يخص الأثر على حد قولهه.
ولكن تلك التصريحات لم تحتو حالة الغضب التي بدأت مع الحديث عن ما يطلق عليه وزيري تطوير، ولكن يسميه المعارضون من سكان الزمالك للأمر هدما للأخضر.
بخلاف كل ذلك، فإن حي الزمالك منطقة خاصة ولها قانون حماية للحفاظ على المسطحات الخضراء والمباني التاريخية، وطبيعة المباني بها، والقانون يؤكد على ضرورة عرض أي مشروع على الجهاز القومي للتنسيق الحضاري أولا لاعتماده لأن الزمالك من المناطق الأثرية المسجلة.