رغم الدعاية القوية التي تُمارسها مختلف الفصائل السياسية، والحشد الإعلامي الذي تقوم به الحكومة في انتخابات البرلمان. لا يتوقع العراقيون بشرى كبيرة من نتائجها، التي تنطلق صباح السبت المُقبل. فقط، قد يشارك بعضهم أملًا في التغيير، رغم أنها الانتخابات الخامسة التي يخوضها الشعب العراقي منذ عام 2005.
تجرى هذه الانتخابات قبل موعدها، بعد احتجاجات واسعة، اندلعت في أكتوبر 2019، للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وتسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة.
في الواقع، كان العراقيون يأملون في تغيير أكبر. يشمل وجوها وأطراف الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
لكن من المرجح أن تسفر الانتخابات عن تشكيل حكومة توافقية. ما يُشير إلى احتمالية أن تكون من نفس الطبقة السياسية التي تظاهر العراقيين ضدها على مدى أشهر عديدة، وبالتالي تبدد أي أمل في التغيير.
حشد رسمي
على عكس الكثير من أبناء شعبه. يرى الرئيس العراقي برهم صالح، أن الانتخابات العراقية المقبلة “تُمثِّل نقطة تحوّل، وتمهّد لمراجعة منظومة الحكم”. وحسب لقاء مع الصحفيين، أوضح أن هناك “استخداماً كثيراً” للمال السياسي. معتبراً أن “الجميع يدرك ضرورة الإصلاح. وأن المنظومة الحالية غير قادرة على توفير حياة حرة وكريمة للعراقيين”. ووصف إجراء الانتخابات بأنه “يجري في ظروف عصيبة”.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر، اعتبر الرئيس العراقي أن التوجيهات الصادرة عن المرجع الأعلى العراقي، علي السيستاني، بشأن الانتخابات. هي “موقف وطني حريص، في ظرف دقيق”، ووصفها بأنها “تأتي لحماية الوطن والانتصار للمواطن عبر ضرورة ضمان الإرادة الحرة للعراقيين والمشاركة الواسعة. من أجل إصلاح مكامن الخلل في منظومة الحكم، والانطلاق نحو الإصلاح المنشود”.
ووصف صالح، في كلمة له قبل أيام بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الانتخابات المقبلة بأنها “مصيرية”، وستكون لها تبعات على العراق والمنطقة.
“انتخابات لا تخلو من نواقص”
ووصف علي السيستاني، المرجعية الدينية العليا في العراق، الانتخابات بأنها “لا تخلو من بعض النواقص، لكنها تبقى الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يُرجى أن يكون أفضل ممّا مضى. ومن خلالها يتفادى العراق خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسيَّين”. وشجعت المواطنين على “المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات المقبلة”.
ودعا السيستاني الناخبين إلى أن “يأخذوا العِبَر والدروس من التجارب الماضية. ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فيستغلوا هذه الفرصة المهمة من أجل إحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة. وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفؤة عن مفاصلها الرئيسة”.
وقال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في وقت سابق، إن العراق “عانى كثيراً بسبب الفساد والمفسدين والتزوير في كل عملية انتخابية. وحان الوقت كي يزداد العراقيون ثقة بدولتهم عبر صناديق اقتراع مؤمَّنة، وبعيدة عن أيدي المزوِّرين”. وشدد على أن كل التجاوزات سيتم تسجيلها، وستُرفَع إلى مفوّضية الانتخابات للتعامل معها قانونياً مهما كان مصدرها.
مشاركة ضعيفة
وكانت المشاركة في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2018 بلغت نسبتها 40 %، وفق البيانات الحكومية. لكن العديد من المراقبين شككوا في هذه النسبة. زاعمين أنها لم تتجاوز 20%. مع توقعات بانخفاض النسبة الأسبوع المُقبل، في ظل يأس ولامبالة سياسية لقطاع واسع من العراقيين.
يُعيد المراقون حالة اللامبالاة هذه إلى أنه في أعقاب الانتخابات السابقة، قُتل 600 من المتظاهرين والمحتجين منذ أكتوبر 2019 وأصيب آلاف منهم. وتم خطف العشرات من النشطاء، بينما فر العديد من الوجوه البارزة في الاحتجاجات، إلى إقليم كردستان العراق أو إلى الخارج. فيما كانت محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين، على رأس مطالب الحراك المدني والشبابي في العراق، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
كذلك يُضعف من المشاركة رفض المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، منتسبي “الحشد الشعبي” في التصويت الخاص. مؤكدة أن حقهم محفوظ في التصويت العام. لكن لم تتزود المفوضية بأسمائهم في الوقت اللازم، وفق ما قالت المتحدثة باسم المفوضية لوكالة الأنباء العراقية.
بطاقات بايومترية وتأهب أمني
في الأيام القليلة المُتبقية على الانتخابات، تنشغل المفوضية المستقلة للانتخابات بالأعمال اللوجستية، المتمثلة في نقل عدة الاقتراع من المخازن إلى المحافظات ومراكز الاقتراع، ومن ثم إعادتها إلى المخازن. بعد أن رفضت تمديد موعد تسليم بطاقات الناخبين، والتي تنتهي اليوم الثلاثاء. وقالت الناطقة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، إن عدد المراقبين الدوليين وصل إلى 509 مراقبين.
وأوضحت المفوضية آلية التصويت عبر البطاقتين البايومترية وقصيرة الأمد. مؤكدة أن “ورقة الاقتراع مشفّرة بالكامل، ولا يمكن استنساخها”. وأشارت إلى أن الشركة التي طبعت ورقة الاقتراع هي التي طبعت العملة العراقية النقدية، مؤكدة أن الورقة تضم شيفرات ومواصفات أمنية عالية.
ويبلغ عدد موظفي الاقتراع نحو 553 ألف، من جمع الفئات الخريجين والمعلمين. منهم نحو 309 آلاف موظف أساسي. أما الباقون، فيكونون مستعدين لأي طارئ.
وأكدت قيادة العمليات المشتركة في العراق، أن 250 ألف عنصر أمني سيشاركون في حماية الانتخابات، بينما الطرقات ستكون مفتوحة ولن يكون هناك حظر للتجوال. ولفتت، في بيان صدر الاثنين، أن أيام 8 و9 و10 من الشهر الحالي ستشهد انتشاراً أمنياً مكثفاً “القوات الأمنية دخلت في حالة الإنذار القصوى، وقوات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة التابعة للجيش ستكون على أهبة الاستعداد لأيِّ طارئ”.
دولة العشائر
بالنظر إلى تركيبة العراق الداخلية، نجد أنه على الرغم من التقلبات الكبيرة التي شهدتها البلاد من حروب وتغيّرات سياسية، حافظت العشائر المنتشرة في البلاد على وجودها وقوتها. بل وازداد الحضور العشائري بعد الغزو الأمريكي والإطاحة بحكم صدام حسين، بفعل الأحداث الأمنية في أعقاب ذلك.
وقد خلق قرار أول حاكم مدني أمريكي في العراق بول بريمر، عام 2003، بحل جميع الأجهزة الأمنية العراقية، حالة من الفوضى الأمنية عمّت مختلف أنحاء البلاد. كان لذلك القرار تعزيزًا للحماية العشائرية، والتي لجأ إليها الفارون من الاقتتال الطائفي. وغيرهم من الساعين للحصول على المساعدات والخدمات في ظل عدم وجود دولة.
مع سقوط الموصل في يد تنظيم “داعش” في عام 2014، وتهديد العاصمة بغداد، شهد موقف العشائر انقساماً، حيث فضّل البعض الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، ما دعا عشائرهم للتبرؤ منهم. في حين أن الأغلبية تناست مشاكلها مع الدولة، وحشدت أبناءها للدفاع عن العراق. في إضافة نوعية إلى تشكيلات القوات المسلحة والحشد الشعبي. هؤلاء ساهموا بشكل كبير في تحرير مدنهم من سيطرة هذه التنظيمات.
دعم مصري للعراق
تحسنت العلاقات المصرية العراقية في السنوات الأخيرة بشكل كبير. وأثمرت زيارة الرئيس السيسي إلى العراق، في يونيو الماضي، وهي الأولى لرئيس مصري منذ الغزو العراقي للكويت. وجاءت في أعقاب عودة للتعاون السياسي والاقتصادي، مثل إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة ومراكز لوجستية ومناطق صناعية.
وخلال “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، دعا الرئيس المصري إلى احترام سيادة العراق. وقال: “العراق شهد تدخلات خارجية متنوعة… نرفض كافة التدخلات في الشؤون الداخلية”. كما وجّه قبل ذلك بسرعة تنفيذ المشروعات المشتركة مع العراق ومساعدته في مكافحة الإرهاب.
وأضاف السيسي :”العراق واجه تأثيرات سلبية بالغة للإرهاب والحروب”، مؤكدا استمرار دعم بلاده “للعراق لتحقيق استقراره واستعادة دوره العربي والإقليمي الفاعل”.
قبل ذلك، زار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي العراق، في نهاية أكتوبر الماضي 2020، ووقع مع نظيره العراقي مصطفى الكاظمي 15 اتفاقية شراكة. شملت مجالات مثل النفط، والموارد المائية، والإسكان والتشييد، والنقل، وحماية البيئة. إلى جانب تبادل الخبرات في مجالات أسواق الأوراق المالية، والقضاء.
وبلغ حجم التعاون التجاري بين البلدين خلال العام الماضي حوالي 486 مليون دولار. منها 479 مليون دولار صادرات مصرية، و7 ملايين دولار قادمة من العراق، كذلك تم الاتفاق العام الماضي على إنشاء آلية النفط مقابل الإعمار، والتي تنص على قيام شركات مصرية بتنفيذ مشروعات تنموية في العراق مقابل كميات النفط التي ستستوردها القاهرة.
ووفق بيانات الهيئة العامة للاستعلامات. ارتفع التبادل التجاري بين مصر والعراق من 800 مليون دولار عام 2015، إلى 1.650 مليار دولار خلال عام 2018، وهو أكبر رقم للتبادل التجاري منذ عام 2003. كما بلغ حجم التجارة عام 2019، حوالي 486 مليون دولار، منها 479 مليون دولار صادرات مصرية و7 مليون دولار واردات من العراق. وخلال عام 2020 وصل حجم التبادل التجاري بين مصر والعراق، لـ 486 مليون دولار، تتوزع بين 479 مليون دولار مصرية و7 ملايين دولار للعراق.
تحالفات الحزب والعشيرة
تسعى العشائر العراقية للاستفادة من الأفضلية التي منحها إياها القانون الانتخابي الجديد. والذي جعل الطابع العشائري سيد الموقف. بعدما قسّم القانون العراق إلى 83 دائرة انتخابية. جاءت كثرة الدوائر وصِغَرَ حجمها ليُتيحا للعشائر التحكم في الناخبين. كذلك منحت مرشّحيها أفضلية في السباق الانتخابي.
ورغم انتشار الأحزاب السياسية، لازالت الكلمة العليا تبقى للعشائر. لذلك، أسرعت بعض الأحزاب والتيارات للتعاون معهم، من أجل الاستفادة من الكتلة التصويتية والقدرة المادية التي تمتلكها. ما قد يشكل عاملاً حاسماً في وصول مرشحي هذه الأحزاب إلى المجلس.
الصدر.. محاولة للابتعاد عن الفساد
صراع انتخابات السبت المُقبل، والتي يُمكن تصفيته إلى ثلاث كتل رئيسية. أولها قائمة التيار الصدري، أحد القوى الشيعية الأكثر شعبية وقوة في العراق. ورغم أنه لم يدخل في أي تحالف مع أحزاب أخرى هذه المرة، لكنه لا يزال يتمتع بقيادة قوية، وسلطات ومنظمات ذات مركزية جيدة.
ويرجح كثيرون أن تحتفظ القائمة الصدرية بحصتها الحالية في المجلس، وربما تزيد كذلك، على حساب التيارات الشيعية المقربة من إيران، والتي تتهم بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين. ما أدى إلى تراجع شعبيتها في الشارع العراقي.
كان التيار الصدري أعلن انسحابه في أعقاب الحريق الذي اندلع في مستشفى خاص بمرضى كورونا في مدينة الناصرية، وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات. بدت خطوة الانسحاب من الانتخابات مناورة من أجل أن ينأى الزعيم مقتدى الصدر بنفسه عن النخب المتهمة بالفساد، رغم أن اتباعه مسؤولون عن الحريق، باعتبارهم المسيطرين على وزارة الصحة.
وركز التيار الصدري خلال الأعوام الماضية -خاصة في أعقاب المظاهرات الحاشدة المطالبة بالإصلاح- يميل إلى التركيز على حماية السيادة العراقية، ووضع حد للتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية العراقية. وإخراج القوات الأمريكية من العراق، وتطبيع العلاقات مع العالم العربي. كذلك يحظى بعلاقات جيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك مع بعض الأحزاب السنية.
تحالف الفتح.. يد إيران في العراق
في مواجهة التحالفات السنية والتيار الصدري، يبرز “تحالف الفتح”، وهو الذراع السياسي للمليشيات الشيعية التي لها علاقات وثيقة مع إيران. والذي لا يتوقع أن يفوز بنفس عدد المقاعد التي حصل عليها خلال انتخابات 2018، وهي 48 مقعداً. فقد صار موقفه أضعف بكثير، منذ اندلاع المظاهرات في أكتوبر 2019 في المناطق ذات الغالبية الشيعية، ضد ممارسات الميليشيات الموالية لإيران. كذلك هم متهمين بقتل النشطاء السياسيين.
ويعمل تحالف الفتح وفق التوجهات الإيرانية في العراق والمنطقة. لهذا كان يعارض الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، حتى أن فصائل تابعة له نظّمت هجمات على المنشآت العسكرية، وعلى السفارة الأمريكية في بغداد، بواسطة طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات.
في الوقت نفسه، تتمتع المليشيات والقوى السياسية التابعة لإيران بنفوذ كبير داخل المؤسسات العراقية. حتى صارت أشبه بدولة داخل دولة.
القوة الوطنية الضعيفة
أما اللاعب الثالث في هذه الانتخابات فهو “القوة الوطنية لائتلاف الدولة”، الذي يقوده عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامى العراقى، ورئيس الوزراء السابق حيدر عبادي. يُعتبر الائتلاف هو الأضعف، لأنه تشكل في الأساس لحاجة أطرافه للوصول إلى الانتخابات. حتى أنه لم يصدر حتى الآن أجندة مشتركة أو استراتيجية شاملة لمستقبل العراق. لذلك من المرجح أن يتفكك في أعقابها الانتخابات.
من نقاط ضعف التحالف أيضًا عدم دعمه من أية أطراف إقليمية أو دولية. بل إن بعض شخصياته مدرجة على القائمة السوداء للولايات المتحدة. لكنه يشكل خصماً رئيسياً أمام تحالف الفتح، حيث يدعو لإخضاع الميليشيات الشيعية لسيطرة الدولة. بينما يحظى بعلاقات جيدة مع التيار الصدري والاتحاد الوطني الكردستاني.