يحتفل المعلمون حول العالم، في الخامس من أكتوبر من كل عام بعيدهم الذي يكرس دورهم في منظومة التعليم، في وقت يواجه المعلمون المصريون ظروفا صعبة، بسبب تدني رواتهبم، وغياب عملية التأهيل، إلى جانب خروجهم من خطط الوزارة لتطوير التعليم.
ففي تصريح سابق لوزير التربية والتعليم طارق شلبي يؤكد أن رواتب المعلمين تحتاج إلى أن “تضرب في عشرة “، ثم يتابع أنه يحتاج لـ 16 مليار جنيه شهريًا لزيادتها بواقع 1000جنيه لكل مدرس. وهو الحد الأدنى الذي ربما رآه الرجل بداية لحل أزمة تدني أجور المعلمين.
معلمو مصر: أجور متدنية
لكن كلام الوزير لم يترجم سوى لزيادة في شهر يناير الماضي تراوحت بين 300 إلى 500 جنيه، تنخفض بعد خصم الاستقطاعات إلى 250 جنيه كحد أدنى و400 جنيه في حدها الأقصى، “لا تعادل سوى ثمن 2 ونصف كيلو من اللحوم”، كما يقول سعيد حسين، المدرس بمدرسة إعدادية بمحافظة الجيزة.
حسين والذي يعمل بالتربية والتعليم منذ عام 2009، يؤكد أن راتبه لا يتخطى الـ 3 آلاف جنيه، بعد الزيادة، نصفها لدفع إيجار الشقة وفاتورة الكهرباء، وهو مضطرًا للعمل “كاشير” في سوبر ماركت إلى ما بعد الثانية عشر صباحًا يوميًا، من أجل سد احتياجات أسرته.
“من يمكنه بعد ذلك أن يطلب مني أن أؤدي عملي بنشاط في السابعة من صباح كل يوم، وسط فصل دراسي يضم 45 طالبًا” يتساءل “حسين” منهيًا حديثه لـ”مصر 360″.
عيد كامل، مدرس فلسفة بمدرسة ثانوية بمحافظة الفيوم، يرى أيضًا أن أجور المعلمين غير عادلة، وهي أقل متوسط أجور بين موظفي الدولة، مضيفًا أي إصلاح في قطاع التعليم لا يشمله تحسين أجر المعلم، ليس له جدوى، فالمعلم هو أساس العملية التعليمية، فالجهود التي تبذل من جهة الوزارة لتطوير العملية التعليم سوف تفضي إلى لا شيء طالما لم تراع المنوط بتنفيذ هذا التطوير، وهو المعلم.
مجموعات التقوية وتحسين دخل المعلمين
تجربة مجموعات التقوية التي أُعلن عنها من قبل الوزارة لتكون بديلًا للدروس الخصوصية، لتخفيف العبء المالي على أولياء الأمور من ناحية، وتوفير دخل إضافي للمعلمين يعوض ضعف رواتبهم، من ناحية أخرى، لم يكتب لها النجاح، فالمدرسة تحولت عبر سنوات لمكان طارد للطلاب، فلا فصول دراسية مريحة ولا توفير أماكن للأنشطة الرياضية والفنية ولا أدوات لممارسة هذه الأنشطة.
يطالب كامل بـ 5 آلاف جنيه كحد أدنى لأجور المعلمين، لمواجهة زيادة الأسعار، والتفرغ لمهنتهم وواجبهم، فهم يعمل غالبيتهم في مهنة أو أكثر لسد احتياجات أسرهم، ما يؤدي لإهمالهم مهمة التدريس.
فإن كانت المدرسة طاردة بالأساس للطلاب والتلاميذ، فكيف سيمكثون فيها بعد انتهاء اليوم الدراسي من أجل مجموعة التقوية، حتمًا سيفضلون الدروس الخصوصية داخل “السناتر” المخصصة لذلك، ناهيك عن أن المدارس الحكومية قد اكتسبت سمعة لدى أولياء الأمور بأنها لم تعد المكان الذي يمكنه تقديم خدمة تعليمية جيدة لأبنائهم.
يشير كامل إلى أن الفكرة لما تساهم في أي دخل إضافي للمدرسين على الأقل هذا ما حدث في مدرسته فرغم الإعلان عن المجموعات لم يتقدم طالب واحد لتسجيل اسمه بها.
“تطوع المدرسين”.. مسكن موضعي لأزمة نقص الكوادر
العجز في المعلمين.. ضغط مضاعف
تدني الأجور ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه المعلمين، وإن كانت الأكبر، فالعجز في المدرسين والذي وصل حسب الأرقام الحكومية إلى 320 ألف معلم أزمة كبيرة، فهذا العجز مضافًا إليه الكثافة الكبيرة بالفصول، يمثل ضغطًا بدنيًا ونفسيًا من الممكن أن يوصل المعلم للانهيار، ناهيك عن عدم أداءه واجبه المهني بالكفاءة المطلوبة.
محاولات الوزارة لسد هذا العجز لم تكن جادة من وجهة نظر كامل، فهي أعلنت من قبل عن التعاقد مع 120 ألف معلم وبعد فتح باب التقديم تراجعت بسبب عدم قدرة الوزارة على توفير أجورهم، ثم أعلن الوزير مؤخرًا عن فتح باب التقدم لخريجي الكليات التربوية للعمل كمدرسين بالحصة مقابل 20 جنيهًا للحصة، ورغم كل عيوب هذه الخطوة، إلا أنها لم تكتمل.
يوضح كامل: “ألقى الوزير بمسؤولية توفير أجور “معلمي الحصة” على كاهل المحافظات، طالبًا من كل محافظة التعامل بحسب قدرتها المالية وهو ما أدى إلى تصريح مسؤولي مديريات “التعليم” في عدد من المحافظات من بينها الشرقية والفيوم، بأنهم لا قدرة لديهم للتعاقد بنظام “الحصة” معلنين فتح باب التطوع للتدريس لمن يرغب من خريجي الكليات التربوية مجانًا، ما يجعل الأزمة في هذه المحافظات مستمرة دون حلول ولو في الحدود الدنيا”.
غياب التدريب
غياب التدريب الحقيقي للمعلمين، وعدم تأهيلهم لأي تطوير من الممكن أن يتم سواء في المناهج أو الوسائل التعليمية، عقبة أخرى كبيرة أمام المعلم المصري.
التدريبات كما يرى شريف حلمي مدرس بالمرحلة الإعدادية بإحدى مدارس الشرقية، تتم بشكل محدود، اثنين أو ثلاثة مدرسين من بعض مدارس الإدارات التعليمية، يكون عليهم مهمة تدريب زملائهم في المدارس، وهذا بالطبع لا يتم، إضافة لأن ما تم التدريب عليه لا يجد لا من الوقت ولا الوسائل المتاحة داخل المدارس إمكانية للتطبيق.
إعادة توزيع الأجور
رئيس النقابة المستقلة حسن جبر، يؤكد لـ”مصر 360″ أن المعلمين في مصر أجورهم أقل من مثيلهم حتى في أفقر الدول الأفريقية، كما أنهم الأقل أجرًا بين موظفي الدولة.
ويضيف أن كادر التعليم كان فخًا، لأنه عبارة عن مجرد بدلات على الأساسي الذي حدده قانون (47)، ورغم تغيير القانون بقانون الخدمة المدنية رقم (81) فإن المعلمين ليسوا مخاطبين به في النواحي المالية ويظلوا خاضعين لقانون (47).
يرى جبر أنه قبل الحديث عن زيادة الأجور لا بد من إعادة توزيع الأجور داخل الوزارة، بحيث يكون الأعلى أجرًا هو المدرس الذي يعمل داخل الفصل، وليس موظفي الوزارة الذين ربما دفعتهم “الواسطة” إلى مناصبهم، والذين يتقاضون أضعاف ما يتقاضاه المعلمين.
تحسين أوضاع المعلمين ربما تحد كما يرى جبر، من تراجع المكانة الاجتماعية للمعلم نتيجة لتجاهل الدولة لدوره وأهميته، فـ:”المعلم الذي تخرج من تحت يديه أطباء وضباط ومهندسين وقضاة يجد نفسه متذيلًا للفئات الاجتماعية، وهو ما يمثل كثيرًا من الضغوط النفسية والاجتماعية عليه وعلى أداءه المهني”.
تهميش الكيانات النقابية
هناك تهميش واستبعاد لنقابات المعلمين سواء العامة أو المستقلة، من المشاركة في وضع خطط تطوير التعليم، رغم تقديم النقابة المستقلة منذ عهد الوزير السابق الدكتور محمود أبو النصر، خطط لتطوير وتنمية التعليم، والذي كان يستمع لهم بحسب جبر بشكل أفضل من الوزير الحالي، مضيفًا أن عدم المشاركة في وضع هذه الخطط يخلق فجوة بين ما يتم إقراره من تطوير وبين استيعاب المعلمين واقتناعهم به وبالتالي تطبيقه.
كل هذا يجعل مصر خارج التصنيف العالمي لجودة التعليم، والذي يرتبط بعدة أمور من بينها أجور المعلمين، وكفاءتهم، وكثافة الفصول والبيئة التعليمية، وتطور المناهج ووسائل التعليم وهي أمور نعاني من تدني شديد فيها جميعًا كما يرى جبر، “فكيف نبحث عن تقدم في الترتيب العالمي لجودة التعليم”.
حلول بديلة لتوفير تكلفة الإنفاق
زيادة ميزانية التعليم من وجهة نظر رئيس النقابة المستقلة من الممكن ألا تكلف الدولة مليمًا فيمكن تدبيرها من خلال تطبيق نظام الضرائب التصاعدية، وضريبة الثروة لمرة واحدة في العمر، بحيث يستقطع جزءًا منها لصندوق دعم التعليم، لكنه يقول أنه لم تتوفر بعد الإرادة السياسية التي تجعل من التعليم قاطرة التقدم والتنمية في مصر.
الموازنة العامة.. جذر المشكلة
جوهر هذه المشكلات جميعها يكمن في محدودية الإنفاق على التعليم، وضعف الميزانية المرصودة له في الموازنة العامة للدولة، والتي حددها الدستور المصري “دستور 2014” في المادة رقم (19) بنسبة إلزامية على الحكومة إنفاقها بواقع 4% للتعليم الأساسي وحتى المرحلة الثانوية، و2% للتعليم العام، من الناتج القومي الإجمالي.
وهي النسبة التي لم تلتزم بها الحكومة حتى الآن منذ موازنة 2016/2017 وهو الموعد الذي حدده دستور 2014، بداية هذا الالتزام الدستوري، ليس هذا فحسب بل تضاءلت النسبة لتنخفض إلى 2.6% فقط من الناتج القومي الإجمالي في العام المالي الحالي 2021/2022، للتعليم ما قبل الجامعي والعالي مجتمعين، منخفضة بنحو 1% عن العام الماضي حيث كانت تمثل 3.05% لكل من التعليم قبل الجامعي والعالي مجتمعين.
وهو ما دفع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، برفع دعوى قضائية لدى القضاء الإداري برقم (رقم 22475 لسنة 75 ق) مختصمة كلًا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وآخرين بصفتهم، وتطالب بإلغاء قرارهم السلبي بعدم زيادة الإنفاق على التعليم وفقًا للنص الدستوري الملزم.
حيل الحكومة
تشير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في أكثر من بيان إلى ما تضمنته عريضة الدعوى من أن: “الحكومة المصرية سارت في مجمل إنفاقها خلال السنوات السابقة في اتجاه معاكس تمامًا لالتزاماتها الدستورية، أخذًا في الاعتبار التوجه الرسمي للتقشف وضغط النفقات العامة، ومن ضمنها الإنفاق على قطاع التعليم، ومحاولة زيادة العائدات من خلال التوسع في ضرائب الاستهلاك المباشرة على المواطنين، كضريبة القيمة المضافة، أو رفع قيمة كثير من الرسوم المحصلة من المواطنين نظير خدمات بعينها”
كما لفتت تقارير المبادرة إلى الحيل التي مارستها الحكومة لإعطاء أرقام مضللة وغير واقعية عن قيمة الإنفاق على التعليم، كأن تعلن عن مخصصات تشمل بعض البنود التي لا تظهر فعليا في الموازنة تحت اسم التعليم، ولكن توجد في موازنات قطاعات أخرى، فمثلا تقدم مؤسسة الأزهر خدمة تعليمية تحسب الحكومة مقدارها وتضيفها في تصريحاتها على مقدار النسبة التي يتم إنفاقها على التعليم بينما فعليًا لا تندرج تحت هذا البند داخل الموازنة العامة. كما أنها وبحسب المبادرة تستخدم الناتج المحلي للعام السابق لتنسب إليه الإنفاق، بدلا من الناتج المحلي للعام المالي الخاص بالموازنة العامة محل النقاش.
أيضًا تستخدم الحكومة حيلة تعتبر هي الأهم، حيث: “تبنت الحكومة اتجاهًا خلال السنوات الأخيرة يقوم على توزيع “شكلي” لفوائد الديون الحكومية على مختلف بنود الموازنة، بنسب تتوافق مع نصيب كل بند من الإنفاق. فإذا كان التعليم يمثل 10% من الموازنة العامة يضاف “شكليا” ما يقدر بـ10% من فاتورة الدين إلى مخصصات قطاع التعليم. وتمثل تلك الزيادة إضافة شكلية تعادل حوالي ثلث المبلغ المطلوب دستوريا في قطاعي التعليم والصحة.”