على مدار عقود سيطر الرجال على لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم. وغابت المرأة عن المشهد داخل الملعب أو خارجه، لكن خلال السنوات القليلة الماضية بدأت المرأة عالميا وعربيا في اقتحام مجال كرة القدم، ولم يتوقف الأمر عند تأسيس فريق نسائي ولكن عبر تحكيم مباريات كرة القدم الرجالي، وكذلك العمل في التعليق على مباريات كرة القدم الرجالية.
جرت العادة أن النساء يكرهون كرة القدم، إذ يعتبرونها وفق الموروثات لعبة رجالية تعتمد على القوة والخشونة. فابتعدت النساء عنها لأجيال متتالية، إلا أن الفترة الماضية شهدت تواجد المرأة بشكل أكثر حضورا عن السابق. البداية كانت بالتعليق على المباريات الرجالية.
أول معلقة عربية
«آمنت بحلمي وبنفسي، وكنت أعمل منتجة ومخرجة ومصورة أحيانا، امتهنت كذا مهنة حتى أصل لعمل وشيء يحبه الناس».. قالت سوسن سعد، وهي فتاة في العقد الثالث من عمرها، ولدت في الإمارات لأم أردنية وأب مصري. كانت واحدة من العشر الأوائل بالثانوية العامة بالإمارات، ومن ثم درست إدارة الأعمال، لتكون أصغر مديرة مشاريع بالإمارات.
عاشت «سوسن» حياتها في الإمارات ورغم تعلقها بالعلم إلا أن الرياضة كانت جزءا أصيل من حياتها. فهي ترى أن الرياضة علم في حد ذاتها تقول سوسن: «الرياضة علم مثل أي علم أخر. منذ صغري كنت عاشقة للرياضة بمختلف أنواعها، ولأنني لم أستطيع المشاركة بشكل مباشر لغرابة الفكرة. بدأت العمل في المجال الإعلامي بمواقع كثيرة، ودخلت مجال التعليق الرياضي بالصدفة».
وخلال حضورها إحدى الفاعليات التقت أحد المسؤولين عن wwe، وفوجئت بسؤال هل تحبين التعليق على المباريات فكانت الإجابة نعم. لتبدأ رحلتها مع التعليق الصوتي لمباريات الفنون القتالية، كانت تعرف أنها خطوة على الطريق الطويل لأن تصبح معلقة على مباريات كرة القدم.
في عام 2014 تم إنشاء استاد هزاع بالإمارات وكانوا يبحثون عن صوت نسائي للتعليق لأول مرة. وقادتها الصدفة للقاء مدير استاد هزاع في ذلك الوقت وسنحت الفرصة لتطلب منه أن تكون معلقة على مباريات كرة القدم: «أنا عندي حلم وشايفة نفسي أنفع معلقة». وبالفعل كانت أولى تجاربها بالتعليق بكأس العالم للأندية.
بعد عامين من المحاولات تم اختيارها لتكون معلقة رسمية لاستادات الإمارات.
أول حكم امرأة لكرة القدم الرجالي
«دخلت عالم كرة القدم هاوية في عام 2005 حيث انطلقت كحارسة مرمى في نادي الاتحاد المغربي قبل أن انضم لنادي باردو 2 ولغرض إكمال الدراسة تخليت عن إكمال مشواري الكروي، ولكن نصيحة جعلتني اقتنع بفكرة تحولي لسلك التحكيم».. درصاف القنواطي، أول حكم مباريات كرة قدم رجالي في تونس.
في مفاجأة غير متوقعة أسند الاتحاد التونسي لكرة القدم، قيادة مباراة الترجي والنادي البنزرتي في الجولة الختامية للدوري التونسي الموسم الماضي لـ«درصاف القنواطي»، لتصبح أول امرأة تونسية وعربية تدير مباراة ختامية.
سعت درصاف إلى تحقيق حلمها، وكانت تنتظر اليوم الذي يتم فيه إسناد مهمة تحكيم مباراة كرة قدم رجالية في الدوري الممتاز التونسي. فهي على يقين أن تلك اللحظة سوف تأتي لا محال مهما تأخرت، إلا أن ما حدث كان بمثابة مفاجأة غير منتظرة: «كنت أنتظر إسناد أي مباراة في دوري الرجال لكن المفاجأة الأغلى عندما أسند الاتحاد الكروي لي المباراة الختامية في دوري 2019 بين الترجي والبنزرتي».
كانت واحدة من أسعد لحظات حياتها، شعرت بالفخر لأنه سوف تقود مسيرة تواجد النساء في مباريات كرة القدم الرجالي. وستكون أول تونسية تضع قدمها داخل المستطيل الأخضر الذي ظل لسنوات حكرا على الرجال فقط.
تقول درصاف عن تلك اللحظة: «كنت سعيدة بالثقة للحكمة التونسية وأشعر بالفخر أنني قدمت صورة الحكمة التونسية بشكل مميز لأفتح الفرصة لكافة الحكمات لإعادة نفس التجربة التي لم تتكرر سوى في فرنسا وألمانيا وأخيراً في تونس».
لم تكتفي درصاف بمشاركتها الأولى في المباراة الختامية بالدوري الممتاز، لكن أحلامها تعانق السماء. فهي ترى أن الفرصة مواتية لأن تستمر في تواجدها هي وغيرها من النساء التونسيات والعربيات داخل ملاعب الرجال. وتقول: «سأواصل الجدية والتدريب ليس لمعاودة تجربة قيادة مباراة واحدة. بل للانضمام لكادر الطواقم المستمرة بتحكيم الدوري التونسي والبطولات الدولية. وسأظل متمسكة بحلم قيادة مباريات منافسات كأس العالم للسيدات أو حتى للرجال».
السعودية تقتحم المجال بدوري نسائي
ظلت فكرة أن تمتلك السعودية دوري نسائي لكرة القدم حلما بعيد المنال. إذ أنه لعقود كانت المملكة معقل الفكر السلفي الرافض لتحركات النساء في المجتمع بعيدا عن المنزل ودور الزوجة والأم. إلا أنه في ظل رؤية المملكة 2030، بات للمرأة السعودية أدوارة مغايرة وبرؤية مختلفة.
لم تمتلك المملكة العربية السعودية في السابق دوري نسائي لكرة القدم، إلا أنه خلال الأشهر الماضية. تم الإعلان عن أول دوري نسائي لكرة القدم وعلاوة على ذلك يتم العمل على إعداد أول منتخب نسائي لكرة القدم.
إذن الحلم أصبح حقيقة، أصبح للنساء السعوديات الحق في ممارسة الرياضة التي يفضلونها دون تمييز على أساس النوع. وأصبح المجتمع أكثر انفتاحا لتقبل أن يرى الفتاة تركل الكرة دون تنمر أو سخرية.
«فرح جعفري» واحدة من الفتيات السعوديات اللاتي حققن حلمهن بالاشتراك في فريق لكرة القدم. وفي عمر الـ 17 ربيعا، انضمت فرح لفريق «جدة إيجلز» صاحب التجربة الريادية في عالم كرة القدم النسائية بالمملكة العربية السعودية.
تقول فرح عن شعورها: «كنت متفاجئة بوجود فرق نسائية تلعب بشكل تنافسي في جدة. كانت المرة الأولى التي أرى فيها فريق كرة قدم نسائي داخل المملكة، ضمن منافسات حقيقية كان شعورا جميلا. وطلبت مشاركتهم اللعب ووافقن وبدأت مرحلة التدريب».
بدأ عشق فرح لكرة القدم وهي في عامها الثامن، إذ بدأت اللعب أمام المنزل لأنها اعتادت رؤية أفراد عائلتها أثناء مشاهدة المباريات أمام شاشة التلفاز. لذا كان حصولها على الدعم أمر عادي.
وتقول فرح: «كنا نتجمع في المباريات الهامة أمام شاشة التلفاز نشاهد مباريات القمة في الدوري السعودي وكأس العالم والدوري الإنجليزي. كبرت وكبر معي عشق كرة القدم، ووجدت الفرصة مناسبة لأن أمارسها خاصة في ظل حالة الدعم الكبير الذي نحصل عليها من قبل المملكة».