انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا
هكذا يتم انتقاء جزء من السياق بما يخدم رؤيتنا المحدودة وأغراضنا الوقتية، وهكذا تبدو الصداقة لدى البعض، المساندة والدعم المطلق للصديق أيًّا كان موقف الصديق من الطرف الآخر جانيًا أم مجنيًا عليه.
فروق الجندر (النوع) واضحة في علاقات الصداقة، في عالم الرجال تنتصر الصداقة، وتصبح العلاقات طويلة العمر هي السمة السائدة، في حين تقل هذه النوعية بين النساء في صداقاتهن.
كثير من علاقات الصداقة بين النساء، تشي النساء بعضهنَّ ببعض في غالبية المواقف، بينما يأخذ الرجال موقف الداعم والمساند بشكل مطلق دون اعتماد معايير أخلاقية أو قيمية.
هذا الانفتاح التكنولوجي عرى الكثير من ممارساتنا، وجعل الكل في مواجهة واضحة بين القول والفعل وهذا ما يضعنا في موقف ضرورة إعادة التفكير لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.
يقول أحد الأصدقاء إنه يسمي ذلك موالسة الرجال، وفى المعجم الوسيط يقال: ما لي في هذا الأَمر وَلْسٌ ولا دَلْسٌ: ما لي فيه خيانةٌ ولا خديعة.
أي أن الولس يأتي في مقام الخديعة، فالشخص يوالس لشخص آخر أي يمارس الخديعة لأجله.
نلحظ تلك الموالسة في مواقف عِدة أسهمت مواقع التواصل في كشفها، مثل الإدانة بالتحرش، حيث ينحاز كثير من أصدقاء الشخص المتهم بالتحرش له، وقد يكون الاتهام الموجه له حقيقي وصحيح وبعضهم يعترف بذلك في الدوائر المقربة، لكنه في العلن ينكر
وبينما ندين كثيرًا من علاقات الصداقة بين النساء؛ لأن الدعم بها مشروط بظروف اجتماعية ونفسية لطرفي الصداقة، نقف بنفس الإدانة إزاء صداقات كثير من الرجال التي تعتمد الدعم غير المشروط مهما كانت المشكلات.
نلحظ تلك الموالسة في مواقف عِدة أسهمت مواقع التواصل في كشفها، مثل الإدانة بالتحرش، حيث ينحاز كثير من أصدقاء الشخص المتهم بالتحرش له، وقد يكون الاتهام الموجه له حقيقي وصحيح وبعضهم يعترف بذلك في الدوائر المقربة، لكنه في العلن ينكر، ويتهم الضحية، بل أنه يبالغ حين يبدأ في تفنيد سلوك الضحية، والنبش في حياتها لانتقاء ما يدعم موقفه من كونها كاذبة أو مدَّعية بالباطل.
وقضايا النسب التي يظهر فيها صدق المدعية من مجرد النظر إلى ملامح الطفل، إذا تقدم دليلًا دامغًا على كذب ادعاء الرجل وإنكاره النسب، بينما رفقته يكذبون المرأة، ويدعون عليها بالباطل، فقط لنصرة صديقهم الذي تحميه جماعته وأحيانًا نفوذه.
هل ندعم أم لا ندعم؟
عند طرح علاقة الصداقة للمناقشة، خاصة مع الوضع في الاعتبار النوع (الجندر)؛ فإننا قد ننحاز في البداية للعلاقات القوية طويلة العمر، المانحة والداعمة لشركائها، أي إننا بشكلٍ مبدئي ونظري ننحاز لنموذج الصداقة الذكوري الذي يبدو مثاليًا في شكله الظاهر، وبقليل من التفكير والتحليل نقف عند مفهوم الدعم، ذلك الدعم القائم على الشخص وليس القيمة أو المبدأ، هذا الانحياز للفرد غالبًا ما يأتي ضد النساء بشكل كبير، فكثير من الرجال يدعمون أصدقاءهم ضد ادعاءات مقدمة من النساء، ولأن صوت الرجال أعلى في مجتمع بالأساس الذكر قوي لنوعه قبل نفوذه وماله ودوائره الاجتماعية، فإن النساء يدفعن الثمن طيلة الوقت سواء كن ضحايا حقيقيات أو مدعيات، حيث يتم وصمهن، هذا الوصم الذي يؤدي لاستبعادهن من دوائر العمل، وبعض الدوائر الاجتماعية، وكأنه عقاب كون المرأة صرحت بأنها تعرضت لتحرش أو انتهاك جسدي.
النساء يدفعن الثمن طيلة الوقت سواء كن ضحايا حقيقيات أو مدعيات، حيث يتم وصمهن، هذا الوصم الذي يؤدي لاستبعادهن من دوائر العمل، وبعض الدوائر الاجتماعية، وكأنه عقاب كون المرأة صرحت بأنها تعرضت لتحرش أو انتهاك جسدي.
وللأسف في بلادنا لا يوصم الرجال في قضايا التحرش والانتهاك الجسدي، فعلى سبيل المثال، الفنان سعد المجرد والمتهم في عدة قضايا تحرش واغتصاب، سجل أغنية مع الفنان محمد رمضان وأذيع الكليب، وكان مدعوًا للمشاركة في برنامج النجم أمير كرارة، ولولا حملة ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع ذلك كان اللقاء سيتم، وعلى الرغم من عدم إتمام المقابلة التليفزيونية إلا أن كرارة لم يخرج معتذرًا أو إدارة المحطة أو أيًّا من فريق الإعداد، عن استضافة فنان مدان بالتحرش، في حين أن القضية لو كانت متعلقة بامرأة كانت ستعيش في دائرة الظل وربما انتهى مسارها الفني.
كثيرون يدعمون الشخص وليس القيمة أو المبدأ وهو ما يأتي علينا ونسدد نحن النساء فواتيره ليس فقط في قضايا التحرش والعنف والانتهاك، بل في سائر الأمور، هذا ما يجعلنا في حاجة إلى تربية صحيحة تبدأ من الصغر، تربية تعتمد القيمة والأخلاق معيارًا وليس النوع أو موقفنا من أطراف الموقف، هل يحتاج الأمر طريقة معينة ومناهج دراسية وأنشطة تربي الأخلاق؟ ربما الأمر بمجمله يحتاج منظومة متكاملة تعتني بالتربية والتنشئة المنحازة لمبادئ واضحة لا تتوه في الصياغات الأدبية البليغة أو الانتقاء من النص بما يشوه المعنى، فانصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا لم تكن بقصد نصرته في الظلم بل تقويمه حتى لا يعود للظلم، لكنه قول حق أريد به باطل.