“ستختفي المساعدة القليلة التي نحصل عليها من المجتمع الدولي. وسوف يلقون بنا إلى الكلاب. إنهم لا يحبون اليهود، ناهيك عن اليهود الضعفاء”.
صباح الأربعاء الماضي، والذي يوافق ذكرى الانتصار العظيم في 6 أكتوبر 1973. أفرجت هيئة الأرشيف الإسرائيلية (ISA) عن وثائق رفعت عنها السرية حديثًا. تناولت جزءًا من يوميات الحكومة خلال الحرب.
وقال جهاز الأمن العام الإسرائيلي، في بيان: “المواد المتاحة الآن للجمهور تجعل من الممكن متابعة ديناميكية الحكومة على المستوى الدولي، والمشاورات التي عقدتها رئيسة الوزراء جولدا مائير. والتعمق في التبادلات والحجج والعلاقات بين رؤساء الدول، التي أدت إلى هذا القتال العنيف. وتعلمنا الكثير عن الحدث التاريخي الذي يؤثر على دولة إسرائيل حتى يومنا هذا”.
رفع السرية
ونقلت الصحف الإسرائيلية عن روتي أبرومفتش، المسؤولة عن الأرشيف، قولها: “لأول مرة منذ 48 عاماً يمكن متابعة الديناميكية التي حدثت داخل الحكومة بشأن حرب يوم الغفران، والاطلاع على الذهول والحيرة والنقاشات المعقدة بين قادة الدولة، الذين أداروا عملية القتال الصعبة وقاموا بإدارة السياسات.
وتابعت، في بيان: “الصفحات المفتوحة حالياً أمام الجمهور هي المواد الأرشيفية الأصلية التي كتبت خلال الأحداث الدرامية، سواء على الساحة السياسية أو العسكرية أو على الساحة الدولية، لأحد أهم الأحداث التاريخية لإسرائيل والمجتمع الإسرائيلي”.
ونقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن الدكتور أوري بار يوسف، رئيس لجنة التوثيق والبحث في مركز “حرب يوم الغفران”، قوله إن المواد التي كشف عنها “أعدت للنشر من قبل أرشيف الدولة قبل 8 سنوات، وأن المواد كانت جاهزة للنشر”.
ولفت يوسف إلى أن رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، قرر عدم نشرها “بعد أن رفض طلبنا أكثر من مرة دون أي توضيح، فتوجهنا إلى المحكمة العليا التي أمرت بنشر جميع المواد التي طلبنا نشرها”.
نصوص محذوفة
تشتمل المواد المتاحة على 14 نسخة من اجتماعات الحكومة، و21 نسخة من الاستشارات السياسية والأمنية -المُطلق عليها “خزانة مطبخ جولدا”- موزعة على 1،292 صفحة. تضم الفترة من 6 وحتى 25 أكتوبر، في أعقاب فض الاشتباك ووقف إطلاق النار.
وتضم الوثائق أيضًا 26 مقتطفًا مكتوبة بالاختزال، من يوميات مدير مكتب رئيس الوزراء إيلي مزراحي. وهي اليوميات المكتوبة بخط اليد. ولم يتم عرضها على لجنة “أجرانات”، التي جرى تكوينها في 21 نوفمبر، للتحقيق في إخفاقات الجيش الإسرائيلي أمام الهجمات المتزامنة والمفاجئة. من مصر في الجنوب، وسوريا في الشمال.
ورغم مرور ما يقرب على النصف قرن. تم حذف بعض الكلمات والجمل من النصوص المُفرج عنها. لما وصف بأنه أحد أهم الإخفاقات الاستخبارية في تاريخ إسرائيل.
لكن مسؤولي الأرشيف أعربوا عن أملهم في أن تنشر المؤسسات الأخرى المشاركة في الحرب، مثل القوات الجوية والبحرية، وثائقها الخاصة “هذا من أجل تمكين عامة الناس وجنود الحرب وعائلاتهم من أن يفهموا بوضوح ما حدث بالفعل في حرب يوم الغفران”.
درس قاسٍ
وكان القادة الإسرائيليون قد شاركوا في احتفال رسمي الشهر الماضي في مقبرة هرتزل العسكرية، بمناسبة الذكرى الـ 48 للحرب. حضره رئيس الوزراء نفتالي بينيت والرئيس إسحاق هرتسوج. الذي وصف الحرب بأنها “حدث وطني علمنا عدم المرونة والغطرسة”.
وقال الرئيس: “العديد من التحديات التي شكلتها حرب يوم الغفران لا تزال معنا حتى اليوم، ويجب أن تكون بمثابة ضوء تحذير لنا. مضيفًا: “يجب أن نفعل كل شيء حتى لا تتكرر مفاجأة مثل حرب يوم الغفران”.
وقال رئيس الوزراء نفتالي بينيت: “لقد أثبتت حرب يوم الغفران مدى خطورة التراخي والغطرسة. لقد علمتنا درسًا في التواضع، ولكن أيضًا علمتنا أهمية الاستعداد والتنظيم.”
مطبخ جولدا
تكشف الوثائق مدى حدة التوترات خلال الاجتماعات بين مائير وقادة الجيش. فقد أعربت رئيسة الوزراء عن مخاوفها الشديدة بشأن النقص المحتمل في المساعدة من المجتمع الدولي الذي كانت تعتبره غير متعاطف مع اليهود، حسبما أظهرت الوثائق الصادرة حديثًا.
وفي الساعة 6:10 من صباح 7 أكتوبر، أخبرها الجنرالات أن الوضع “غير جيد على الجبهتين”. حيث تدهورت الأوضاع في مرتفعات الجولان، وتم إخلاء البلدات الاستيطانية القريبة. وأن القوات الجوية بدأت في مساعدة القوات البرية بالقصف لصد قوات الجيش السوري المتقدمة.
عندها، قررت جولدا الاتصال على الفور بوزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر وطلب إعادة التسلح. قالت: “أخبروه SOS”. في إشارة إلى رمز الاستغاثة الدولية الشهير، وهو اختصار لعبارة Save Our Souls (أنقذوا أرواحنا).
تقييم خاطئ
وأفرجت الحكومة عن تقرير أوضح أن رئيس الموساد تسفي زامير. أبلغ رئيسة الوزراء أنه في 5 أكتوبر، التقى في لندن مع عميل إسرائيل وأرسل برقية بهذا الشأن – لكن كان هناك تجاهل شامل لذلك من قبل الحكومة. بينما تلقت أخبار خادعة من مدير مكتبها تؤكد أن الهجوم الإسرائيلي في الجنوب كان ناجحًا وأن الخط المصري سينهار.
ورغم التقدم الساحق للجيش المصري في الجنوب، اقترب الجيش الإسرائيلي من استعادة السيطرة على مرتفعات الجولان. بل، استعد لشن هجومًا مضادًا على سوريا. بينما وصفت الوثائق المعركة مع مصر بأنها “أكثر صعوبة”. حيث تمكنت القوات المصرية من التوغل في عمق شبه جزيرة سيناء.
وبسبب المصريين كانت جولدا تردد مرارًا وتكرارًا للمشاركين في الاجتماع: “نحن بحاجة إلى توجيه ضربات قاسية لهم”.
تكشف محاضر الاجتماعات المُفرج عنها الإخفاقات المستمرة التي واجهها وزير الدفاع الإسرائيلي -آنذاك- موشيه ديان. الذي فقد آلاف من قواته في عشرين يومًا. والذي وقف يتساءل عن سبب عدم وجود تحذير، وكيف تمكن المصريون من عبور قناة السويس. ونقلت عنه وثيقة بتاريخ 19 أكتوبر قوله: “ما كان يجب أن تكون النتائج كما كانت. كان علينا إيقافها. لم نقم بتقييم قدراتهم القتالية بشكل صحيح”.
عندها أخبرته رئيسة الوزراء في نفس الاجتماع إنها تعتقد أنه ينبغي التحقيق في الأمر.
وقف إطلاق النار
في 20 أكتوبر، التقت جولدا بالجنرال بارليف، الذي حاول إقناعها بمواصلة القتال، وأمر الجيش الإسرائيلي بعدم قبول وقف إطلاق النار الذي اقترحته الأمم المتحدة. ورغم أن رئيسة الوزراء قبلت ملاحظاته، في 24 أكتوبر، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بعدها، عُقد اجتماع لمجلس الوزراء وصفته الوثائق بأنه “في جو أكثر استرخاءً”، وتناول معظمه اتفاقيات وقف إطلاق النار الممكنة، واللوجستيات الخاصة بالمفاوضات.
وفي 27 أكتوبر، بعد ثلاثة أيام من سريان وقف إطلاق النار، تحدثت جولدا عن إمكانية السلام مع مصر. قالت: “نحن بحاجة إلى القيام بشيء عام، وتحقيق ذلك إذا كان لدينا عرض، والعرض يحل شيئًا. ليس من اليوم إلى الغد، ولكن المشاكل حتى يحل السلام “.
وتابعت: “نحن مستعدون للذهاب من أجل السلام على الفور. فنحن ليس لدينا الكثير لنحارب به المصريين”.
وفي 31 أكتوبر، تلقت جولدا تفسيرات بشأن اتفاقية السلام التي اقترحتها مصر، والتي بموجبها ستنسحب إسرائيل 30 كيلومترًا من قناة السويس.
وجاء ردها: “إذا لم تكن هناك قوة فلا قوة. كان بإمكاننا تحقيق ذلك بدون الحرب، ولكننا أصرينا على الخوض في معارك مع المصرين لم نستطع مجاراتها”.