ثمة انعكاسات عديدة للانتخابات العراقية، التي تنطلق غدا، على المستويين المحلي والإقليمي. خصوصا أنها تأتي بعد احتجاجات عنيفة ومتواصلة ضد الفساد السياسي والسلاح المتفلت بيد الفصائل والقوى الحزبية الطائفية المدعومة من إيران. وسط توقعات أن تؤثر انتفاضة “تشرين” التي اندلعت قبل عامين على حظوظ “أحزاب الإسلام السياسي” في نسختها الشيعية.
وبحسب مركز الفرات للأبحاث، فرغم كل الأزمات التي خلفتها فترة حكم التيارات الإسلامية، على مدار 18 عاماً. إلا أن غياب البديل يمثل الإشكال الجوهري في صلب صراع العلمانية والدين السياسي في العراق، أو قصور تنظيم الجهات العلمانية.
ويضاف لذلك “ابتعاد وانعزال الطبقة المثقفة عن الصراع السياسي أو العمل السياسي، وانغماس بعضها بالعمل الحزبي مع الإسلام السياسي. كما أن أغلب التيارات العلمانية والمدنية لم تصل بعد إلى التنظيم والثقافة السياسية التي من الممكن أن تؤهلها إلى منافسة قوى الإسلام السياسي التي تمتلك ثلاثية (المال والسلطة والسلاح)”.
ولذلك، فإن استقراء مسار أو مستقبل الإسلام السياسي الشيعي، لا يمكن أن يعتمد على مخرجات أو نتائج الانتخابات المقبلة، وفقاً للمركز العراقي. بقدر ما يعتمد على تكييف وضعه (السياسي والأمني والاقتصادي) المحلي، فضلاً عن وضعه (الإقليمي والدولي). بحسب المعادلة السياسية المعتمدة في العملية السياسية في العراق بعد عام 2003.
الانتخابات العراقية.. سيطرة حزبية قديمة
غير أن الأكاديمي العراقي، مهند العزاوي يشير إلى أنه لاتزال الكتل والأحزاب السياسية التقليدية تهيمن على المشهد السياسي التنفيذي والتشريعي النيابي. منذ انتخابات عام 2006 حتى الآن. وفقاً لقواعد المحاصصة الحزبية التي رسخها الاحتلال الأمريكي للبلاد، باعتبار أن العراق بلد ذو مكونات متعددة (شيعية، وسنية، وكردية).
ويردف في دراسته المعنونة بـ”الانتخابات العراقية بين الواقع والمأمول“: “تم هندسة النظام السياسي وفق نظرية المكونات، وإسقاط النتائج الانتخابية عليها، حيث جرى توزيع الرئاسات الثلاث بوصفه عُرفاً حزبياً وليس دستورياً، لتكون رئاسة الوزراء للسياسيين الشيعة حصراً. ورئاسة الجمهورية للسياسيين الكرد بعد أن كانت للسنة. وهو منصب شرفي توفيقي ذو صلاحيات محدودة جداً. ورئاسة مجلس النواب للسياسيين السنة، بعد أن كان للكرد، وهو الآخر منصب محدود الصلاحية قياساً بالسلطة التنفيذية. وبالعودة لنسبة المقاعد وسياق التصويت على القرارات للكتل السياسية داخل مجلس النواب. فإن الأغلبية الشيعية لها التأثير الأكبر في التصويت؛ ما يجعل اتخاذ القرار داخل المجلس توافقياً، ويخدم الكتلة البرلمانية الكبرى”.
خريطة انتخابية مضطربة
ويلفت الباحث العراقي في دراسته إلى أنه على ضوء تعديل قانون الانتخابات الأخير. فقد برزت خريطة انتخابية مضطربة، مصحوبة بمؤشرات الصراع الانتخابي الأفقي بين الكتل ذات اللون الواحد. كما يظهر فيها حراك انتخابي مختلط لم تألفه الانتخابات السابقة من قبل. وتديره الكتل السياسية نفسها، وإن بدلت أسماءها وتحالفاتها. وتجلى ذلك بتحول بوصلة التحالفات أفقياً بين كتل كردية وأخرى شيعية وسنية. كما يبرز في الخريطة مسار تقارب بين مرشحي الكتل وفق توافقات تقليدية تتعلق بتوزيع المناصب. بعد انتهاء العملية الانتخابية، ومن الممكن أن تتغير التحالفات بعد الانتخابات وعند الدخول إلى البرلمان، وتتحول عصا القيادة نحو الكتلة الكبرى، بالمقارنة مع ما تحققه من نتائج.
وتبين مؤشرات العملية السياسية التي انطلقت بعد عام 2003 الارتباط المرجعي والفكري لكثير من الأحزاب العراقية بالخارج، سواء على مستوى الأهداف أو الشعارات، حسبما يوضح العزاوي، كما تميزت بعدم وجود تغيير في قياداتها، نتيجة انتخابات داخلية إلا في حالات نادرة. ويمثل رأس كل حزب علامة بارزة يمكن أن يختصر فيها الحزب في كثير من الأحيان، وتسمت بعض الأحزاب بأسماء عوائل أو مناطق أو طوائف أو إثنيات، وبشكل غير موارب.
انتخابات البرلمان العراقي.. تحالفات الحزب والعشيرة
وفي حديثه لـ”مصر 360″ يوضح الباحث والأكاديمي العراقي الدكتور محمد نعناع أنه من المتوقه أن تأتي نتائج الانتخابات متقاربة بين الكتل التقليدية، ولن تأتي بجديد يغير موازنة القوى ومعادلة السلطة.
ويردف نعناع: “ومن الممكن أن تظفر القوى الجديدة ومنها القوائم التشرينية بعدد من المقاعد وسيكون نصيبها السياسي أو البرلماني تشكيل نواة المعارضة السياسية والبرلمانية، ولا يمكن اعتبار الصخب الدعائي الذي تقوم به الكتل السياسية وخصوصا التي تمتلك جماهيرية أو أذرع مسلحة أو وسائل إعلام كثيرة بأي حال من الأحوال مؤشراً مسبقاً على التنبوء بنتائج الانتخابات، وذلك لعدم وجود استطلاعات راي حقيقية ومهنية تدرس الخيارات الشعبية بعلمية واحترافية خارج حسابات القوى السياسية المتنافسة”.
مستقبل مرهون بنتائج البرلمان
وعليه، يبقى تحديد أي مسار سياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة الأولى في العراق مرتهناً بما ستفرزه نتائج الانتخابات. وكذا طبيعة الحوارات لتشكيل الحكومة، وفقاً للأكاديمي العراقي، والذي يرجح عدم تغير المسار التقليدي للسياسة والمتمثلة في “المسار المحاصصاتي لتقارب نتائج القوائم الانتخابية مع احتمالية ضئيلة بذهاب الكتلة الصدرية فيما لو حصلت على أكثر من 50 مقعدا للدخول إلى الجلسة الأولى ككتلة برلمانية أكثر عدداً ولا تخطئ الخطأ الذي ارتكبته كتلة “سائرون” بالاندماج بتحالف الإصلاح بعد انتخابات 2018 سيئة الصيت. مما يعني أن الكتلة الصدرية ستختار فعلاً رئيس الوزراء إلا أنها ستختاره بمعية الكتل الأخرى وليس منفردة فليس لها القدرة الانتخابية أو التفاوضية لجمع النصف زائد واحد لتمرير مرشحها وبرنامجه الانتخابي فضلاً عن عقد الجلسة الأولى للبرلمان بنصاب مكتمل”.
وقد كشفت استطلاعات قياس اتجاهات الرأي العام أن ثمة ثلاثة تيارات سياسية عراقية ستحقق المراكز الأولى في المناطق العراقية الثلاث الرئيسية. هي قائمة “سائرون” (التيار الصدري) في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية من العراق. فيما سيحرز “تحالف تقدم” الذي يقوده رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي نتائج بارزة في المحافظات الوسطى والغربية، وسيكون للحزب الديمقراطي الكردستاني الصدارة في إقليم كردستان العراق.
وأوضح الاستطلاع الذي أجراه مركز البيان للدراسات والتخطيط، بينما ظهرت نتائجه، قبل نحو أسبوع. وتضمن 3026 مواطن عراقي، من مختلف المحافظات، أن قرابة “ثلثي الناخبين العراقيين لن يصوتوا لنفس الجهات والقوائم والأحزاب والشخصيات الذين انتخبوهم خلال الانتخابات البرلمانية عام 2018. الأمر الذي يعني أن التصويت العِقابي سيكون أهم فاعل في السلوك الانتخابي للمواطنين العراقيين”.
وعلى المستوى الوطني العمومي، وحسب نتائج الاستطلاع، فإن قرابة 15 % من المصوتين سوف يمنحون أصواتهم لقائمة “سائرون”. فيما سيحل ائتلاف دولة القانون المرتبة الثانية بنسبة تقارب 12 %. ثم سيحل ائتلاف قوى الدولة وائتلاف فتح في المركزين الثالث والرابع على التتالي في المستوى الوطني”.