بعد سنوات من الدراسة والبحث لتطوير أسواق الجملة المصرية. استقرت وزارة التموين والتجارة الداخلية على قبول المقترح الفرنسي.
تطوير أسواق الجملة المصرية مشروع طويل الأمد شرعت الدولة في دراسته منذ عدة سنوات في ضوء خطتها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي. وتقليص عدد الحلقات الوسيطة.
وعلى مدار هذه السنوات عقدت الكثير من جلسات المباحثات. واستمع المسؤولون إلى العديد من المبادرات التسويقية. وخطط التطوير من بعض الشركات الأجنبية.
المشروع الفرنسي الذي يستغرق تنفيذه فترة تتراوح من 18 لـ 24 شهر. يفتح الباب للتساؤل عن سبب اختيار شركة فرنسية للقيام بهذا العمل الضخم. وكذلك المكاسب المتبادلة من وراء هذا التطوير سواء على الجانب الفرنسي أو المصري.
أسباب اختيار شركة فرنسية
بدأت وزارة التموين والتجارة الداخلية. استعدادها للدخول في المرحلة التنفيذية الخاصة بإقامة سوق جملة في منطقة برج العرب بخبرات وتمويل فرنسي من خلال شركة رانجيس.
وقال وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي في بيان رسمي. إن الجانب التنفيذي لمشروع تطوير أسواق الجملة جاء بعد زيارته إلى باريس استغرقت ثلاثة أيام والتقى عدد من الوزراء لتبادل الرؤى والأفكار حول التعاون المرتقب سواء في استيراد الأقماح أو في إنشاء أسواق حديثة وتطوير القطاع التجارة الداخلية.
وأضاف المصيلحي. أن وفد من المسؤولين الفرنسيين زار مصر بدراسة لتمويل يقدر بنحو 100 مليون يورو لإنشاء وإدارة سوق جملة في منطقة برج العرب على أن يتم بعد ذلك إقامة 14 سوق مماثل في عدد من المحافظات المختلفة.
وأرجع المصيلحي السبب في إسناد تطوير أسواق الجملة للجانب الفرنسي. لما تضمنته دراسته الوافية عن السوق المصري التي يمكن تصنيفها بأنها مهنية ومرجعية. مؤكداً أن تلك الخطوة ستعمل على تحقيق الأمن الغذائي.
شركة “رانجيس”
أما عن سبب اختيار الشركة المنفذة “رانجيس”. فبرر الوزير ذلك. بأنها صاحبة تاريخ طويل في فرنسا في توفير السلع في الأسواق التي تعتبر هي واحدة من ركائزها ولها تاريخ طويل معها منذ عام 1969.
وكانت جائحة كورونا رغم صعوبتها كاشفة لقدراتها في الأسواق الفرنسية فقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق الأمن الغذائي دون خلل ولم تكل سلاسل توريدها وتوزيعها رغم وقوع العالم تحت تأثير الأزمة العالمية.
وأكد المصيلحى أن التعاون المصري الفرنسي لن يكون قاصراً على أسواق الجملة. قائلا: هناك سعي للتعرف على خبراتهم في مجال التعاونيات الزراعية والاستزراع السمكي وطرق تنمية الثروة السمكية بشكل عام. وكذلك دراسة احتياجات مصر من الأقماح خاصة أن حجم الاستيراد المصري السنوي يصل لنحو 10 مليون طن.
وفي إطار بحث سبل التعاون المشترك تم تعديل المواصفات بالنسبة للقمح الفرنسي للسماح بنسبة رطوبة تبلغ 13,5%. إلا أن أسعار الشحن لازالت قيد النقاش لأنها تحد من تنافسية المنتج الفرنسي.
وتم طرح مقترح بإشراك شركة الملاحة الوطنية المصرية. في عمليات الشحن لجعل القمح الفرنسي أكثر تنافسية ع نظيره الروسي والروماني الأوكراني. فضلا عن احتمالية التعاون المشترك في إقامة المركز النموذجى للطحن والخبز لتدريب العاملين على التكنولوجيا.
عوائد العمل المشترك
تعمل وزارة التموين والتجارة الداخلية على انجاز خطة طموحة في قطاع التجارة الداخلية. وخلق كيانات تجارية يكن الاعتماد عليها كبنية أساسية في القطاع.
ويتضمن هذا المخطط. إنشاء مناطق تجارية ولوجيستية جديدة في مختلف المحافظات. وكذلك العمل على إنشاء أسواق جملة وتجزئة منظمة يستهدف منها العمل على تقليص الحلقات الوسيطة للتداول.
وتتلخص العوائد المباشرة لهذا المشروع العملاق في تخفيض السعر النهائي الذي يصل للمستهلك ولتمكين من عمل شبكة منتظمة للتوزيع. ومن ثم يصمن المواطن وصول السلع له بشكل سلس ودائم دون أي معوقات أثناء ذلك.
اعتبر رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، إبراهيم عشماوي. أن عوائد التعاون مع الجانب الفرنسي ستكون كبيرة وسيلمس تبعات ذلك المستهلك بشكل مباشر بعد تقليل حلقات الوساطة مع أسواق الجملة والاطاحة بالأرباح التي يحققها هؤلاء الوسطاء على حسابه في الفاكهة والخضروات واللحوم والأسماك وغيرها من المنتجات.
وأضاف عشماوي. أن المرحلة المقبلة سيشهد حوكمة شاملة لمنظومة تداول السلع. وبالتالي يمكننا الجزم بخفض السعر النهائي. خاصة أن الجانب الفرنسي أبدى استعدادا كبيرا لنقل كامل خبراته وتوطينها في مصر.
يذكر أن هناك عددا من الخطوات جاري العمل على تنفيذها قبل الشروع في إنشاء سوق الجملة الجديد والنموذجي في برج العرب لخصها وزير التموين الدكتور علي المصلحي في نقاط محددة جاء في مقدمتها إنشاء شركة مصرية فرنسية مشتركة لإدارة السوق الجديدة قبل مطلع العام المقبل وقبل ذلك إعداد دراسة جدوى اقتصادية.
وكانت الوكالة الفرنسية للتنمية. اختارت مكتب استشاري لإعداد الدراسة المنتظرة. وأعلنت خلال لقاء مسؤوليها بوزير التموين الأيام الماضية. أن اختيار الخبير في مرحلته الأخيرة وسيتم إنجازه قبل نهاية الشهر الجاري.
التجار خارج نطاق الخدمة
قال نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة، حاتم نجيب. إن الأسواق تحتاج إلى حوكمة وهو أمر إيجابي لا خلاف على أهميته من أجل الصالح العام واتحاد الغرف التجارية تحت مظلة رئيسه المهندس إبراهيم العربي. الذي اتخذ عددا من الخطوات في اتجاه التحول الرقمي وتدريب التجار على إدخال البيانات وتحديثها.
إلا أن نجيب ألمح إلى تجاهل للتجار بشكل عام فلم يتم حتى الآن توضيح الصورة لهم ولديهم الكثير من الشكوك والمخاوف. بشأن المستقبل الذي بات غامضاً. مؤكداً أنه يعلم ما يحدث بشأن سوق الجملة من خلال البيانات.
“الفرنسيين جايين يكسبوا”. بهذه العبارة حاول نجيب تلخيص دوافع الجانب الفرنسي من خدماتهم المقدمة. مؤكداً أن هناك مطورين مصريين من الممكن الاستعانة بها. وكذلك مستثمرين.
أسئلة يطرحها التجار
وطرح عدد من التساؤلات التي أكد أنه لازال يبحث لها عن إجابة حتى الآن. منها “هل ستعمل الشركة في حفظ وتخزين المنتجات، وهل سيشمل عملهم الاداري المحلات الخاصة بالتجار أم لا. وهل سيوفرون المنتج في حال نقصه كما هو الحال الآن بالنسبة للبطاطس. وفي حالة وجود فائض في الإنتاج هل ستعمل الشركة على استغلال ذلك الفائض المهدر؟
وأضاف نجيب: الأهم من اللجوء للخبرات والتمويل الفرنسي وعقدة “الخواجة فاهم بيعمل ايه”. معرفة حجم القيمة المضافة على الوضع الحالي، وهل سيتم إدماج الأسواق العشوائية في الأسواق الجديدة الجاري تنفيذها أم ستلغى، وا هو مستقبل التاجر الوسيط هل تم التفكير في حيثية وجوده وتأثير إلغاء تلك الحلقات على هذا القطاع أم لا”.
“محتاجين نفهم” عبارة أخرى رددها نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة في تعليقه على الأمر، قائلا: هناك عدد كبير من الأسواق العشوائية منها: ” الأميرية، وسرياقوس، والمرج ومنشية الجيزة، وشبرا الخيمة، ونكلة، والمريوطية، ومصر القديمة”. لا نعلم وضعها المستقبلي.
وأضاف: هناك أسواق جملة في كل محافظة تحت إشراف التنمية المحلية والمحافظات. ومستقبلها أيضا لازال غامضًا.
وأخيرا اعتبر نجيب. أن ثقافة مصر في السوق تختلف عن فرنسا. ما ينذر بوضع مبهم. مؤكداً أن تجار سوق الجملة لهم روابط تاريخية مع المنتجين وعلاقتهم بالفلاح. تبدأ مع وضع البذور في الأرض ثم تصل لمستوى التسويق مقابل العمولة وأيضاً بعض المبيعات تتم بالآجل دون أن يتحملها الفلاح الذي يحصل على قيمة مبيعاته التي تم عرضها أمام عينيه. قائلا: السوق يخضع لقانون العرض والطلب وطريقة التعامل التجاري في ظل وجود الجانب الفرنسي لازالت محض افتراض وهو أمر مطروح منذ أربع سنوات مضت. ولم يتم التحدث عن تفاصيله مع التجار المعنيين حتى الآن.
دراسة الجانب الفرنسي عن الأسواق المصرية
أبدى الجانب الفرنسي المتمثل في شركة رانجيس جدية كبيرة في التعامل مع الأسواق المصرية خلال الفترة الماضية. فأعد دراسة شبه وافية عن الوضع المحلى والقيمة المضافة التي سيعملون على توفيرها.
وتضمنت الدراسة تصور لعدد أسواق الجملة المطلوب إنشائها في مختلف المحافظات والاستثمارات الخاصة بها مع تحديد دقيق لأماكنها. لضمان وصول المنتج للمستهلك أينما كان دون الحاجة للنقل والحلقات الوسيطة.
واقترحت الدراسة تطوير الأسواق القائمة بالإضافة إلى الأسواق الجديدة التي تعد نموذجية من حيث الشكل والمحتوى والقيمة المكانية في المحافظات المترامية. بعد القيام بعدد من الزيارات لمختلف أنحاء الجمهورية.
وأكد الدكتور إبراهيم عشماوي رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية. أن مساحة الأسواق الجاري العمل على تنفيذها ستتراوح من 50 لـ 300 فدان. مضيفاً أن الأسواق ستكون على غرار نظيرتها الفرنسية وسيتم العمل فيها على تحويل المخلفات الصلبة وتدويرها للاستفادة منها. وأن الخطة الأشمل تستهدف إنشاء نوعين من أسواق الجملة أحدها قرب مناطق الإنتاج والآخر قرب مناطق الاستهلاك.
وأضاف عشماوي. أن المستهدف في الوقت الراهن هو إنشاء نحو 28 سوق جملة منظم على مستوى الجمهورية أشهرها “سوق العبور، و6 أكتوبر ،والحضرة “. وأن الفترة المقبلة ستشهد طرح فرص استثمارية من قبل القطاع الخاص لإنشاء هذه الأسواق بالإضافة إلى عقد الشراكة الموقع مع الجانب الفرنسي ممثل في شركة رانجيس.
وأكد بينويت جاستير مدير المشروعات بشركة “رانجيس” الفرنسية. أن للسوق المصري أهمية كبيرة ضمن خريطة استثمارات الشركة المقبلة في الشرق الأوسط. وأنهم يعملون على إدارة وتشغيل ودعم أسواق الجملة ليس في فرنسا وحسب. وإنما في عدد من الدول من بينها “روسيا، كازاخستان، بنين الفلبين، بودابست”. وأن حجم مبيعاتهم تتجاوز الـ 10 مليار يورو سنويا.
سبب الاستعانة بالشركة الفرنسية
الحديث عن التعاون مع شركة رانجيس الفرنسية ليس وليد اللحظة. بل هناك بيانات رسمية ولقاءات تمت خلال عام 2018 وتم تحديد المراحل المزمع العمل على تنفيذها آن ذلك. التي كانت محددة بمدد مختلفة وباشتراطات أيضاً متبادلة.
وأوضح رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية الدكتور ابراهيم عشماوي في المباحثات الأولى مع الجانب الفرنسي. أن وضع الأسواق المصرية كان يتطلب الاستعانة بالخبرات الأجنبية. لأن الأسواق النظامية لا تتعدى نسبة الـ 10% فقط. وأن هناك 90% من الأسواق يمكن وصفها بالعشوائية. واعتبر أن التوجه للجانب الفرنسي ليس له أي علاقة بحجم الكفاءة المصرية بينما يرتبط بالعمل على نقل نموذج ناجح بالفعل. واستغلال خبراته للارتقاء بالوضع التجاري المصري.
حلقات التداول
ولفت عشماوى إلى أن تقليل حلقات التداول يعد الهدف الرئيسي للشركة. خاصة أنها ستعمل أيضا على التسويق للمنتجات “كالبيع للفنادق والسلاسل التجارية وغيرها”. الأمر الذى يقلل من حلقات التداول ومن ثم يخفف من حدة ارتفاع الأسعار ففي السوق المحلى.
واعتبر أن عمل الشركة الفرنسية سيدعم الى حد كبير مخطط الدولة في تنظيم قطاع التجارة الداخلية. وسيكون له كبير الأثر خاصة أنه لن يكلف الدولة أموالا أو يزيد من حجم أعباءها بل على العكس سيساهم في فتح آفاق استثمارية جديدة.