تستمر اليوم وغدًا محادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة. وهي الأولى منذ الانسحاب الأمريكي، وعودة سيطرة الحركة على البلاد في أغسطس الماضي.
ورغم أن المتحدث باسم الحكومة الأمريكية، لم يحدد الشخصيات التي ستمثل الجانبين خلال الاجتماع المقرر. لكنه شدد على ضغط بلاده لتحترم طالبان حقوق جميع الأفغان، بمن فيهم النساء والفتيات، وتشكيل حكومة شاملة، تتمتع بدعم واسع “سنضغط أيضًا على طالبان للسماح للوكالات الإنسانية بالوصول الحر إلى المناطق المحتاجة”.
وكان اللقاء الأخير بين الجانبين، في أغسطس الماضي في كابول، ضم مسؤولين أمريكيين كبارا بينهم قائد القيادة المركزية، الجنرال فرانك ماكنزي. عندما استولت القوات الأمريكية على المطار من أجل النقل الجوي.
من بين القضايا التي يتناولها اللقاء، دعوة المسؤولين الأمريكيين إلى خلق ممر آمن في أفغانستان لمواطني الولايات المتحدة وبعض الأفغان المتعاونين. وهو استمرار لتعاون سابق، أفضى إلى السماح للمواطنين الأمريكيين بالخروج. لكن هناك نحو 100 شخص ما زالوا باقين، معظمهم أمريكيون من أصول أفغانية.
تعامل براجماتي
وتستمر العلاقة بين الولايات المتحدة وخصمها السابق في أفغانستان بشكل يحمل الكثير من الشد والجذب. مع إظهار جانب من النوايا الحسنة من الطرفين، بينما يبقى الهدف الأول هو حصد أية مكاسب تظهر على طاولة التفاوض.
ووفق وزارة الخارجية الأمريكية، لا تمثل مناقشات الدوحة سوى استمرار للتعامل البراجماتي مع القضية. في وقت تواجه فيه أفغانستان احتمال حدوث انكماش اقتصادي حاد، وأزمة إنسانية محتملة. لكن لا يعني بأي حال من الأحوال أن الولايات المتحدة تعترف بنظام طالبان في أفغانستان”.
وأضاف المتحدث الأمريكي: “نستمر بالقول بوضوح إن أي شرعية يجب أن تكتسب من خلال أفعال طالبان”.
وتواجه أفغانستان أزمة اقتصادية وإنسانية، مع محدودية المساعدة الدولية بشدة منذ انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو.
ويقود مفاوضات حركة طالبان الملا عبد الغني برادار. الشريك المؤسس للحركة، ونائب رئيس الوزراء بالوكالة، وهو أحد أربعة أسسوا الحركة عام 1994. وقد أُسر في عملية أمريكية باكستانية عام 2010 وقضى ثماني سنوات في السجن. ومنذ عام 2019، يشغل برادار منصب رئيس المكتب السياسي لطالبان في قطر.
وكان برادار هو من قام بالتوقيع، في فبراير 2020، على اتفاق الدوحة بشأن انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو من أفغانستان. كما كان أول زعيم لطالبان يتواصل مباشرة مع رئيس أمريكي، عندما أجرى محادثة هاتفية مع دونالد ترامب عام 2020.
المسمار الأخير
على الرغم من إنفاق 88.3 مليار دولار أمريكي على جهود إعادة الإعمار ذات صلة بالأمن في أفغانستان حتى مارس 2021. إلا أن الانهيار السريع للحكومة والأجهزة الأفغانية أصاب الجميع بالدهشة.
ففي فبراير 2020، جرى التوقيع على “اتفاق الدوحة”، الذي حدد موعدًا نهائيًا لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. كذلك تضمن الاتفاق التزام طالبان باتخاذ إجراءات لمنع جماعات مثل القاعدة من تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
وكان الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، وصف الاتفاق، أثناء الإدلاء بالشهادة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، بأن له “تأثير ضار حقًا” على الحكومة الأفغانية والجيش. كذلك أقر وزير الدفاع، لويد أوستن، أن الاتفاق “ساعد طالبان على أن تصبح أقوى”.
ونصت اتفاقية الدوحة على خفض الولايات المتحدة قواتها إلى 8600 من 13000 خلال الأشهر الثلاثة إلى الأربعة التالية، مع انسحاب القوات الأمريكية المتبقية في غضون 14 شهرا، أو بحلول مايو.
ورغم أن قوات طالبان لم تتعد 80 ألف من المقاتلين، مقارنة بـ 300 ألف و699 جنديًا ضمتهم حكومة الرئيس السابق أشرف غني. لكن تم اجتياح البلاد بأكملها فعليا في غضون أسابيع، بينما استسلم القادة العسكريون في كابول، دون قتال، في غضون ساعات.
وكانت هيئة مراقبة الإنفاق على المساعدات الأمريكية في أفغانستان قد حذّرت، في وقت سابق، من أنه ليس لدى الجيش الأمريكي وسائل كافية، أو لا توجد بالأساس، لمعرفة قدرة قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية عند الحاجة للعمل بشكل مستقل عن القوات الأمريكية.
وقال ماكنزي إن اتفاق الدوحة كان له تأثير نفسي قوي على الحكومة الأفغانية لأنه “حدد موعدًا يمكنهم أن يتوقعوا فيه انتهاء كل المساعدات”. وأضاف أن تخفيض عدد القوات الذي أمر به الرئيس بايدن، في أبريل الماضي، كان بمثابة “المسمار الآخر في النعش”.
فرصة ترامب
عقب الاتفاقية، كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سعيدًا، ويعتقد أنه قام بما لم يقدر عليه سابقيه. ما بدا في قول وزير خارجيته، مايك بومبيو، إن الإدارة “كانت تنتهز أفضل فرصة للسلام منذ جيل كامل”.
لكن ليزا كورتيس، خبيرة الشؤون الأفغانية، والتي عملت خلال إدارة ترامب كمديرة أولى لمجلس الأمن القومي لجنوب ووسط آسيا. وصفت اتفاق الدوحة بأنه “ضعيف للغاية”، وكان ينبغي للولايات المتحدة أن تحصل على المزيد من التنازلات من طالبان.
وأوضحت: “أرادت طالبان خروج القوات الأمريكية والسيطرة على البلاد عسكريًا. كان هذا واضحًا تمامًا”.
بعد عام ونصف من ذلك التاريخ، بدأ الرئيس الحالي جو بايدن، في توجيه اللوم للاتفاقية التي يقول إنها ألزمته بسحب القوات الأمريكية. وبالتالي مهد ذلك الطريق لسيطرة طالبان وانزلاق البلاد لهاوية الفوضى. محاولًا أن يُغطي على المشهد المُحزن الذي شاهده العالم خلال الانسحاب من مطار كابول.
خيارات بايدن
لم يكن بايدن صادقًا تمامًا في قوله. ففي الواقع كانت هناك فرصة للإفلات من تنفيذ اتفاقية الدوحة، التي تحتوي على بند ينص على إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية إذا فشلت محادثات السلام الأفغانية.
ورغم أن ذلك حدث بالفعل، لكن بايدن اختار الاستمرار. فقط قام بتأخير الانسحاب الكامل من شهر مايو إلى سبتمبر.
كذلك أعرب كريس ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، ومسؤول مكافحة الإرهاب في البنتاجون وقت توقيع الاتفاق الدوحة، عن استيائه من فكرة أن بايدن مقيد بموجب الاتفاقية.
وقال في مقابلة: “إذا اعتقد بايدن أن الصفقة كانت سيئة بالفعل كان بإمكانه إعادة التفاوض. كان لديه الكثير من الفرص للقيام بذلك لو رغب”.
لكن خطاب بايدن من البيت الأبيض، وقوله إنه لن يلتزم بإرسال المزيد من القوات الأمريكية للقتال من أجل مستقبل أفغانستان. أوضح أنه لم يكن قادرًا على إعادة التفاوض حقًا، كما أن الانسحاب من الاتفاقية كان من الممكن أن يجبره على إعادة آلاف الجنود.
أموال وأسلحة
أدى الخروج الأمريكي السريع إلى زيادة الترسانة العسكرية لدى طالبان بشكل ملموس. بعد أن استولت الحركة على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، التي كانت الولايات المتحدة زودت بها الحكومة الأفغانية المنهارة.
ونشرت طالبان لقطات تظهر بعض الأسلحة الأمريكية التي وقعت في أيديها، منها بنادق هجومية وعربات مدرعة وطائرات مسيرة.
لكن لم تتمكن الحركة المتشددة من وضع يدها على احتياطيات البنك المركزي الأفغاني، التي تقدر بنحو 10 مليارات دولار. حيث جمدت الولايات المتحدة معظم أصول البنك المركزي البالغة 9.5 مليار دولار، بعد انهيار الحكومة الأفغانية.
هذه الأصول قد تظل مجمدة في الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى. حيث لا يوجد وقت أو تاريخ أو مدة محددة للإفراج عنها. وقد يمتد ذلك لمئات السنين من الناحية القانونية.
وبدون المال تفتقر طالبان إلى التمويل الكافي. لذا، وفق روبرت هوكيت أستاذ القانون والتمويل بجامعة كورنيل، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن لطالبان من خلالها رؤية هذه الدولارات، هي “إذا تخلت الحركة عن نهجها”.
وأضاف في لقاء سابق مع موقع Insider: “إذا توقفوا عن كونهم طالبان، فربما يُنظر إليهم على أنهم حكومة شرعية لأفغانستان”.