باتت الأسر المصرية تهتم بالكليات المؤهلة مباشرة لسوق العمل، أو تلك التي تشهد إقبالاً متزايدًا على خريجها محليا. في الوقت الذي بات التعليم مرهقًا ماديًا مقارنة بفرص العمل المتوفر، في المقابل وجد الطلاب بابا مشرّعا على أملٍ ولو كان ضئيلاً عنوانه “التعليم التبادلي”.
كل ما تود معرفته عن التعليم التبادلي؟
وتقوم فكرة هذا النوع من التعليم، على الجمع بين الدراسة العملية والنظرية معًا. حيث ينخرط الطلاب في العمل منذ اليوم الاول للدراسة، بمجالات التخصص. لكنّ بمقابل مادي ضعيفًا، وهنا وضع المتابعون فوق كفتي الميزان ميزات وعيوب هذا النوع من التعليم. هل بات مجديًا حقًا في سوق عمل شحيحة، وهل الخبرات التي يكتسبها المتعلم مشجعة بغض النظر عن المقابل أثناء الدراسة.
يبقى هذا النوع من التعليم مفيدًا لقطاع كبير من الطلاب القادمين من محافظات إقليمية إلى القاهرة الكبرى. أو أؤلئك الذين يتحملون مصاريف تعليمهم ذاتيًا. باعتبار أنهم بالفعل يلتحقون بأعمال أخرى في غير التخصص بعد انتهاء اليوم الدراسي لتوفير متطلبات المعيشة.
ومؤخرًا طرحت جامعة حلوان برنامج بكالوريوس إدارة وتشغيل المطاعم بنظام التعليم التبادلي بكلية السياحة والفنادق. يؤهل البرنامج الطلاب للالتحاق بسوق العمل منذ اليوم الأول للدراسة. إذ يسمح للطالب بجانب الدراسة بكلية السياحة والفنادق بالتدريب في مجال التخصص في أحد المطاعم الشهيرة بمصر.
الجامعة أعلنت، في بيان، عن تخرج خمس دفعات من البرنامج. ومع بداية العام الدراسي 2021- 2022 يستقبل البرنامج الدفعة التاسعة. ويرجع تاريخ بداية البرنامج إلي عام 2021، حيث تم توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة حلوان وأحد الشركات. ويتم الالتحاق بالبرنامج عن طريق مكتب التنسيق.
يقبل البرنامج الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة أو ما يعادلها، أو الدبلومات السياحية والفندقية – التجارية – الزراعية – الصناعية. ويمنح الطالب شهادة بكالوريوس إدارة وتشغيل المطاعم من كلية السياحة والفنادق جامعة حلوان بعد اجتياز 123 ساعة معتمدة. ويحصل الطالب على مقابل مادي للتدريب شهريا من الشركة والحصول على وظيفة؛ حال توافر فرص عمل واحتياج الشركة للتعيينات مع إتاحة فرص للترقي.
تقييم التجربة
في تقييم التجربة، يرى خبراء التعليم أن الأمر يحمل شقين، الأول فرصة تتيح للطلاب التدريب والعمل معًا. لكن في الوقت نفسه ينتقدون ضعف المكافأة التي يحصل عليها الطالب.
مجدي دياب ولي أمر أحد الطلاب الذي قرر خوض تلك التجربة، قال إنه وجد طابورًا طويلاً للتقديم. ولفت إلى أن الأمر يقتصر على شركتي “ماكدونالدز وأمريكانا”، كما أن الراتب يتراوح بين 700 لـ1100 جنيه.
وتابع: “وجدنا الطابور طويلا، فقررت الذهاب للعمل ثم الحضور مرة ثانية. وبالفعل بعد المغرب وبعد انتهاء العمل توجهت بصحبة نجلي لمكان التقديم بمقر جامعة حلوان بالقرب من القصر العيني. لنجد نفس الطابور، مع دموع للطلاب”.
وأردف: “أرسلت كل شركة مندوبًا للاختيار من بين عدد الطلاب، وتم اختيار 300 طالب لكل شركة، ورفض باقي الطلاب”. حزن نجل مجدي على ضياع الفرصة التي كان يراها جيدة، وستؤهله لسوق العمل وأيضا تمنحه المال.
ولكن سهير ياسين والدة طالب آخر رفضت الذهاب للتقديم من الأساس. وتقول: “الراتب أو المكافأة التي سيحصل عليها الطالب قليلة مقابل عمله، كما أن الأمر والتعامل مع الطلاب سيكون خاضعا لصاحب الشركة. ولا نضمن حينها إن كان سيعامل الطلاب جيدًا أم لا”.
العمل في سن مبكرة.. هل الطلاب في خطر؟
الطلاب الملتحقون بهذه التجربة صغيرو السن. وبالتالي وجد أولياء الأمور سببًا آخر للخوف على أبنائهم من الالتحاق بسوق العمل في سن مبكرة. لذلك ترى سهير ضرورة تنظيم هذا الأمر بشكل جيد.
وتقول سهير: “لابد أن تكون هناك ضوابط لحماية الطلاب من تحكم صاحب العمل، وأيضا مع وضع رواتب معقولة تكفي احتياجاتهم. لأن المقابل لرفض تلك الفكرة البحث عن الجامعات الخاصة التي ستكون باهظة التكاليف على الأهالي”.
يقترب هذا النظام مما هو مطبق في الخارج. فالعديد من الدول تشترط ربط البرامج العملية مع الدراسة العلمية. ولابد من وجود تصريح مزاولة مهنة عند رغبة الشخص في العمل كسباك أو نجار وغيرها من المهن. وهنا يبحث الطالب عن أماكن للتدريب للحصول على الخبرة والمهارة أيضًا.
منار محمد واحدة من الطالبات التي التحقت بهذا البرنامج بشركة “ماكدونالدز”. ولكنها لم تكمل تقول: “التجربة رائعة، ولكن صاحب العمل كان يطلب مننا فتيات وفتيان النزول للعمل في الإجازات والأعياد بسبب ضغط الشغل. وفي المقابل لا يزيد الراتب عن 800 جنيها الذي لا يكفي الانتقالات. نعلم جيدا أن الشركات المشتركة في هذا البرنامج تبحث عن عمالة بسعر أقل. ولكن هذا السعر قليل جدا، وأيضا التحكمات كانت فوف الاحتمال”.
ورغم أن منار لم تكمل عامًا في تلك التجربة، إلا أنها ترى أنها ناجحة وتحتاج لتعديلات: “ما حدث معي لا يعني أن التجربة ليست ناجحة. ولكن يجب تعديلها والبحث عن قواعد وضوابط لحماية الطلاب. ومنع نزولهم في الإجازات، وتحسين المكافات التي يحصلون عليها. وذلك لضمان استمرارية الطلاب في تلك التجربة التي تؤهلهم لسوق العمل”.
عمالة بسعر زهيد.. كيف تستفيد الشركات؟
تستفيد الشركات من هذه التجربة بطرق عديدة، فهي توفر عمالة دائمة لمدة 4 سنوات متواصلة بما يقرب من نصف راتب. بالإضافة إلى أنها تتحمل مصاريف الجامعة و طباعة الكتب اللى تتكلف ما يقرب من 7 آلاف جنيه في السنوات الأربع. ولكن هذه المصاريف تخصم منها في الضرائب، فتكون بذلك قد وفرت مصاريف ورواتب لمدة 4 سنوات.
مريم أنيس خريجة الدفعة الأولى من التعليم التبادلي، ترى أن الفكرة مفيدة، ولكن يجب التفكير جيدًا قبل الالتحاق بها. ذلك أن هناك قواعد تطبق على العمال ستطبق حينها على الطلاب. منها حسن المظهر والاهتمام بالملبس يوميًا، مقارنة بضعف الراتب، فهل سيتمكن الطلاب من هذا الأمر؟
طريقة معاملة المديرين تشير إليها مريم إلى أنها تختلف من شخص لآخر: “في النهاية التعامال مع البشر مختلف. وهو نفس الأمر لأساتذة الجامعة، منهم من يعامل الطلاب بلطف وآخرون العكس. ومن المفترض عند تعرض الطلاب لمضايقات أو انتهاكات التوجه للشركة وتقديم شكوى”.
خريجون في خدمة الطلاب الجدد
خريجو الدفعات السابقة كوّنوا مجموعة عبر “فيسبوك”، للرد على استفسارات الطلاب الجدد الذين يرغبون في الانضمام لهذا النوع من التعليم. يشرحون لهم الطريقة من خلال تجربتهم، وكيف يتم الأمر، مع شرح الصعوبات والمعوقات وأيضا المميزات.
ياسر عمارة وكيل مديرية التربية والتعليم بالسويس يرحب بهذا النوع من التعليم. ويرى أنه طريقة تربوية حديثة تهدف إلى تفعيل دور المتعلم في العملية التعليمية. وذلك من خلال البحث والتجربة التي تجعله يبحث عن المعلومة، ولا يقصر فقط على تلقيها.
ورأى أن هذه التجربة تشجع على العمل التعاوني، ضمن فريق للوصول إلى أفضل النتائج من اكتساب المعلومات، والمهارات الهامة. كما يهدف إلى تنمية قدرات الطالب على التفكير المبدع، والتفكير بطريقة علمية مُرتبة يستطيع من خلالها التعامل مع المشكلات المختلفة وحلها.