خلال الأيام الماضية. وفي القاهرة، حضر وفد رفيع المستوى من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”. ليجري نقاشات بشأن عدة ملفات تتصدر قائمة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، والذي يتم عن طريق الوسيط المصري.

ولأول مرة تواجد في مصر جميع أعضاء المكتب السياسي للحركة. في أولى اجتماعاتهم بعد انتخاب التشكيل الجديد. بقيادة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي، ويحيى السنوار، زعيم الحركة في غزة، وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي في الخارج. إضافة إلى 19 قياديا قادمين من غزة وقطر وتركيا، حيث التقوا مع عباس كامل، مدير المخابرات العامة، واللواء أحمد عبد الخالق، مسؤول الملف الفلسطيني في الجهاز، ومسؤولين آخرين.

كان ذلك أحدث تحرك مصري في هذا الإطار، منذ الهبّة الفلسطينية الأخيرة في مايو الماضي. حين نجحت مصر في التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مؤقت بين الجانبين. لتستعيد الكثير من أوراق القضية بين يديها مجددا. وتلعب منذ ذاك الوقت دور المفاوض المحايد الذي يحاول التوصل إلى نتائج ملموسة، تضمن التهدئة وتُحدث خرقا في المسار المتجمد. 

تفاهم مصري- أمريكي

وجرت التحركات الأخيرة بتفاهم مع الإدارة الأمريكية التي ترغب في تصفير المشاكل بالمنطقة. وترتكن على مصر في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ضمن استراتيجيتها الجديدة لتوجيه تركيزها نحو آسيا والمحيط الهادئ، لتطويق الصين.

ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار، تحركت مصر في عدة مسارات. إذ زار عباس كامل غزة، في نفس الشهر، والتقى مع السنوار، ثم قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في القدس، في أغسطس. تبعه لقاء رئاسي مع محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، والملك الأردني عبد الله الثاني في مطلع سبتمبر. ثم استقبال بينيت في شرم الشيخ نهاية الشهر الماضي، ومؤخرا زيارة من مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، للقاهرة، تناولت عدة ملفات كان من بينها بالتأكيد الملف الفلسطيني الإسرائيلي.

اقرأ أيضا:

فلسطين: أمَّا بعد

 

أهم ملفات الزيارة

يمكن القول إن زيارة وفد حماس، التي اختتمت يوم السبت. تصدرها أربع ملفات أساسية هي: إعادة إعمار غزة، وتثبيت الهدنة مع الجانب الإسرائيلي، وصفقة تبادل الأسرى، والمصالحة الفلسطينية. التي لم تشهد أي جديد منذ تأجيل القاهرة لاجتماع بين الفصائل الفلسطينية لأجل غير مسمى، في يونيو الماضي، بسبب الفجوة الواسعة بين مواقف حركتي فتح وحماس، آنذاك.

وتركزت النقاشات بشكل أساسي على الملفات الأربعة دون الخوض فيها تفصيليا، ومحاولة تقريب وجهات النظر بشكل مبدئي، وسترتبط الخطوات القادمة بالالتزام بوقف إطلاق النار وتثبيت حالة الهدنة.

وقالت مصادر، كانت حاضرة للاجتماع وقريبة من المفاوضات، إن اللقاء الأول بين قادة الحركة مع رئيس المخابرات العامة، نجح في تحقيق اختراق بإجراءات بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وأوضحت أن الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار ووجود ضمانات مصرية مباشرة بعدم تكرار ما جرى، يعد أهم خطوة في الوقت الراهن، لأنه أهم إجراء لبناء الثقة بين الطرفين.

إعمار غزة

“السعي لإعادة تشكيل قيادة الشعب الفلسطيني”

وفي بيان الحركة الختامي -لم تقدَّم فيه أي تفاصيل محددة عن المباحثات- اعتمدت رؤيتها لإنهاء الانقسام التي تقوم على “السعي لإعادة تشكيل قيادة الشعب الفلسطيني وفق الأسس الديموقراطية والوطنية لتشكيل قيادة مركزية واحدة متمثلة بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، تضم الجميع لتكون منطلقا لتحقيق أهداف شعبنا وتطلعاته كافة”. 

وأكدت “الاستعداد للانخراط في عملية جادة لإعادة ترتيب القيادة الفلسطينية عبر بوابة الانتخابات. أو التوافق على تشكيل قيادة مؤقتة لفترة زمنية محددة ومتفق عليها تمهيدا للوصول للانتخابات”. 

وشددت على ضرورة “التوافق على استراتيجية وطنية نستلهم فيها مواطن القوة لشعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج. وصياغة برنامج سياسي وطني متوافق عليه بين كل مكونات شعبنا في الوطن والشتات. وتشكل هذه الاستراتيجية منطلق العمل السياسي والجهادي والميداني؛ كون شعبنا ما زال في مرحلة التحرر الوطني لاستعادة حقوقنا الوطنية كاملة بعودة اللاجئين وتحرير الأرض وإقامة دولتنا كاملة السيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس”.

ولفتت حماس إلى أنها “ستواصل العمل لكسر وإنهاء الحصار الظالم المفروض على شعبنا الفلسطيني في غزة. مرحبين وداعمين للجهود التي تبذلها كل من دولة مصر ودولة قطر الشقيقتين من أجل بدء الإعمار وكسر الحصار عن قطاع غزة. بما في ذلك استكمال المنحة القطرية وتأمين وصولها لأهلنا في غزة”.

إعادة الإعمار: تسريع الوتيرة

تصدر ملف إعادة إعمار غزة التفاهمات الأخيرة، أملا في تسريع وتيرته البطيئة، التي تُعقّدها إسرائيل. وتلقت الحركة وعودا مصرية بتسريع وتيرة إعادة الإعمار وتقديم تسهيلات تضع حدا لتدهور الأوضاع، ومنها السماح بإدخال العديد من البضائع عبر معبر رفح، بحسب ما قاله مصدر في الحركة.

ووصل وفد اقتصادي (غير حكومي) إلى القاهرة بالتزامن مع وصول وفد “حماس”. لبحث ملفات تجارية مُشتركة. وناقش موضوع معبر رفح البري وتسهيلات سفر المواطنين والتخفيف من معاناتهم، بالإضافة إلى التبادل التجاري. كما عقد وفد لرجال الأعمال لقاءات مع مسؤولين مصريين حول تعزيز العلاقات الاقتصادية.

رئيس اتحاد المقاولين في غزة أسامة كحيل. قال إن الوفد حمل جملة من المطالب المتعلقة بزيادة السلع التي تدخل لغزة وتنوعها في ظل منع الاحتلال إدخال عدد من السلع، والمطالبة بتسهيل أسعار النقل البري.

مشكلة الصادرات في قطاع غزة

وأشار إلى مشكلة الصادرات التي يعاني منها القطاع، خاصة وأن معظم السلع القابلة للتصدير من المنتجات الزراعية معرضة للتلف في ظل انتظار فتح سلطات الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري.

وتابع “سنبحث تصدير المنتجات من غزة لمصر عبر معبر رفح البري ومنه إلى الموانئ المصرية لتصديرها إلى أسواق أوروبا”.

وشرعت مصر في عملية تطوير مقطع من شارع الرشيد الساحلي الرئيسي شمال غزة، بينما لم تحدد “جداول زمنية” لإعادة الإعمار المتعلقة بالأبراج السكنية، بينما يتوقع أن تباشر قطر الأسبوع المقبل تنفيذ الجزء المتعلق بها من عملية إعادة الإعمار.

ناجي سرحان، رئيس اللجنة الحكومية لإعمار غزة. أوضح أنه من ضمن الاتفاقات مع الجانب المصري إنشاء 3 مدن سكنية في بيت لاهيا وجباليا، شمالي القطاع. وفي منطقة الزهراء (جنوب) بالإضافة إلى إنشاء جسور وطرق. 

المخططات المصرية

وبحسب سرحان، فإن الجانب المصري بدأ بتحضير المخططات والتصاميم اللازمة للشروع بالعملية. التي تشمل تطوير عدة شوارع، بالإضافة إلى تجهيز مخططات البنية التحتية لمنطقة مفترق الشجاعية، وتركيب جسر، للإسهام في معالجة المشكلة المرورية الخانقة. 

وأسفرت المباحثات مع المصريين -وفق رئيس اللجنة- عن توافق على تشغيل أكبر قدر من شركات المقاولات المحلية. وإدخال كافة المواد اللازمة للإعمار من معبر رفح البري. وذلك لضمان تشغيل المصانع المحلية، إضافة إلى تقديم تسهيلات لتنقل المقاولين ورجال الأعمال عبر معبر رفح.

في حين ستتولى قطر إعادة إعمار المباني من غير الأبراج السكنية. وهي ألف وحدة سكنية دمرت كليا. وتقدر قيمة إعمارها بـ40 مليون دولار، والمباني المتضررة بصورة بليغة وغير الصالحة للسكن تبلغ قيمة إصلاحها 10 ملايين دولار.

صفقة تبادل الأسرى: فرص صعبة

بحسب تقارير، عقد الوسيط المصري “مفاوضات غير مباشرة”، خلال تواجد وفد حركة حماس في القاهرة. مع الجانب الإسرائيلي، حول عقد صفقة تبادل الأسرى الجديدة. ونقلت القاهرة وجهة نظر الحركة، بعد أن عرضت عليها رؤيتها للصفقة، إلى الجانب الإسرائيلي. وذلك عبر لقاءات عقدت في القاهرة، واتصالات أخرى أجريت من القاهرة باتجاه تل أبيب.

وأكدت مصادر مطلعة على الملف أن المحادثات لا تزال جارية. وأن ما يعرقل التوصل للصفقة الشاملة هو “المماطلة الإسرائيلية”. وإصرار حكومة تل أبيب على عدم تلبية مطالب حماس الخاصة بإطلاق أكبر عدد ممكن من الأسرى القدامى. لا سيما من ذوي المحكوميات العالية، أو من تصفهم أن “أيديهم ملطخة بالدماء”.

القاهرة تحاول تقريب وجهات النظر بين الطرفين لعقد الصفقة إما على مرحلة واحدة أو مرحلتين. حيث ستنتظر الحركة ردا من إسرائيل على مقترحها، الذي وعد المسؤولين المصريين بالاستمرار في اتصالاته بوتيرة عالية، من أجل إنجاز الملف.

الطرح المصري لإنهاء أزمة الأسرى

وتوصل المسؤولون المصريون إلى صيغة تضمنت تخفيض أعداد أصحاب الأحكام طويلة الأمد في القائمة المقترحة من الحركة. مقابل زيادة أعداد أخرى من الأسرى غير المدانين بتنفيذ عمليات قُتل فيها إسرائيليون.

وتأسر حماس أربعة إسرائيليين، اثنان منهم جنديان وقعا في قبضة كتائب القسام خلال الحرب التي شنتها إسرائيل ضد القطاع صيف العام 2014، واثنان آخران دخلا غزة بطريقة غير رسمية. وتقول إسرائيل إنهما قُتلا قبل الأسر، لكن حماس ترفض تقديم أي معلومات حول مصيرهم، دون الحصول على أي ثمن مقابل ذلك.

وسائل إعلام فلسطينية وإسرائيلية كانت قد أشارت إلى تنفيذ الصفقة على ثلاث مراحل، الأولى تكشف فيها الحركة عن مصير الجنود الأربعة مع معلومات تفصيلية عن حالتهم مقابل أن تفرج إسرائيل عن النساء والأطفال والمرضى المحتجزين لديها. فيما تشمل المرحلة الثانية، تسليم الجنديين الإسرائيليين إفرام مانجيستو وهشام السيد مقابل إخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين المعاد اعتقالهم وعدد آخر من الصادر بشأنهم أحكام قضائية كبيرة. 

وفي المرحلة الثالثة يتم تسليم رفات الجنديين الإسرائيليين هدار جولدن وأرون شاؤول، مقابل أن تطلق تل أبيب سراح باقي القائمة التي تضم أكثر من ألف أسير فلسطيني، منهم مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح، فضلا عن الأسرى الستة الذين نجحوا في الهروب من سجن جلبوع وأعادت إسرائيل اعتقالهم وأحالتهم للمحاكمة مع خمسة آخرين، اُتهموا بالتستر على عملية الهروب.

هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع

اقرأ أيضا:

رحلة إسراء 6 أسرى

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال العوكل، يعتقد أن فرص نجاح إتمام صفقة جديدة لتبادل الأسرى “ضعيفة وقد تكون صعبة”. بسبب أن الحكومة الإسرائيلية ضعيفة وهشة لا تستطيع أن تأخذ قرارات ذات أهمية كبيرة، حسب قوله.

“حماس تريد أن تأخذ المبادرة”

وأوضح أن حماس تريد أن تأخذ المبادرة من قبلها حتى تقول إن المشكلة ليست عندها وأنها مستعدة لإبرام صفقة تبادل الأسرى. وإنما المشكلة موجودة لدى الجانب الإسرائيلي. مشيرا إلى أن إسرائيل أيضا لا تستطيع أن تدفع الثمن الذي تطلبه حماس أو تستجيب لها بالرغم من أن ذلك منطقي بالمقارنة بالثمن الذي دفعته في صفقة الجندي جلعاد شاليط.

وهنا تكمن العقدة وهو الثمن الذي تبدي إسرائيل استعدادها وقدرتها على دفعه مقابل صفقة من هذا النوع.

صحيفة “هآرتس” العبرية أكدت في تقرير لمراسلها العسكري أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت غير مستعد لصفقة تبادل يُقدم فيها تنازلات كبيرة. إذ يرى أن مثل هذه الصفقة بمثابة تهديد لاستقرار حكومته، وأنه سيتعرض لموجة انتقادات من اليمين.

وبحسب التقرير، فإن إسرائيل ستحاول الاكتفاء بتقديم “بعض الإيماءات المحدودة تجاه الفلسطينيين”. في محاولة لتأجيل أي تصعيد أو اتفاق في الوقت الحالي.

المصالحة الفلسطينية

يبدو أن هذا الملف هو الأكثر تعقيدا في الوقت الحالي، في ظل رفض محمود عباس تقديم أي تنازلات. 

شخصيات رفيعة في حركتي فتح وحماس تحدثت مع صحيفة “هآرتس“. قالت إن تشكيل حكومة وحدة احتمالية ضئيلة. ولكن سيضطر الطرفان إلى إبداء المرونة لعدم الظهور كرافضين إزاء الضغط الأمريكي والمصري.

نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، هادي عمر، زار رام الله الأسبوع الماضي. والتقى عباس، واقترح عليه تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها ممثلون من حماس، أو حكومة خبراء يتفق عليها الطرفان.

هنية وعباس

وقد علمت الصحيفة أن عباس أوضح لعمر أنه لن يوافق على تشكيل حكومة خبراء. بل على حكومة وحدة وطنية بمشاركة حماس.

مع ذلك، فقد صمم رئيس السلطة على ضم حماس بعد موافقتها على الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأثناء الزيارة أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي مكالمة هاتفية مع عباس، اقتبست فيها وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، قوله إنه يعمل على مصالحة داخلية فلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.

وتعتبر القاهرة أن كسر الجمود والقطيعة بين حماس والسلطة الفلسطينية سيشكل نجاحا للقاهرة ويضاف إلى جهودها في الوساطة بين غزة وتل أبيب. وذلك في الوقت الذي يدرك فيه النظام الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لهذه المسألة. 

رغم ذلك يُرجح ألا يحدث أي جديد في هذا الإطار المتجمد منذ زمن. والذي يعمق الانقسام الفلسطيني. ويضيّق أفق التغيير السياسي، الذي ترى حماس -والجهاد الإسلامي- جوهره في إعادة بناء منظمة التحرير. فيما يرفض عباس أي انتخابات لأنها قد تعني خسارة مؤكدة لحركته “فتح”.

وهنا يظل مسار الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية أعقد الملفات على طاولة المفاوض المصري.