للوصول إلى أضواء اللوكيشن، يلزم العبور عبر غرف خافتة الإضاءة، ينخرط فيها الطامحون إلى مستقبل تمثيلي مبدع، يحاكون أعمالاً فنية. يخرجون فيها إبداعاتهم، وينظرون بشغف إلى اللحظة التي يخرجون من هذه الغرفة إلى الجمهور، تلك مرحلة مليئة بالتوتر والترقب والشغف.
فجأة تنقطع هذه الأجواء، فإحداهن كبست على زر إضاءة الغرفة. هنا تتكشف أسرار، وتخرج حكايات حين تقرر فتيات أن يتحدثن عن ما دار خلف كواليس التدريب. فيتحول المشهد التمثيلي إلى واقع اسمه “هتك عرض داخل الاستديو”، وهذا الأخير ليس فصلاً في رواية فنية. لكنه واقع كشفته مؤخرًا شهادات أحاطت بالممثل شادي خلف، الذي قبض عليه لاتهامه بهتك عرض 7 فتيات داخل “ورشة” لتعليم التمثيل.
هذه القضية فرضت نفسها بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وروت الفتيات الوقائع، لتقرر النيابة العامة إحالته للمحاكمة الجنائية. بتهمة التحرش الجنسي ومحاولة “هتك عرض سبع فتيات”، داخل ورشة تمثيل يديرها في استوديو يملكه.
“كله هيتعرف”
البداية كانت في شهر يونيو الماضي، عبر وسم #كله_هيتعرف. وقتها كان الحديث عن تحذير الفتيات من مدرب تمثيل تحرش بفتيات أثناء ورشات تدريب. ولم يكن اسم شادي متداولاً في الشهادات التي أدلت بها فتيات لاحقًا، ثد بدأ البعض يشير إليه بالأحرف الأولى. إلى أن ذكره البعض بالاسم كاملاً وهنا انفجرت الفتيات في سرد الوقائع، ومعها تحولت القضية لرأي عام.
كان الممثل عبد الرحمن مجدي، صاحب البادرة الأولى بنشر شهادات لعدة فتيات عبر حسابه الشخصي في “انستجرام”. تتضمن قيام فنان التحرش بفتيات. إحداهنَّ قالت “كنت باخد ورش تمثيل مع الممثل (ش.خ) كان دايمًا حريص إنه يخلي المكان مريح لينا علشان نعرف نعبر عن نفسنا ونحكي حاجات شخصية. بس للأسف كان بيستخدم ده لمصلحته علشان يتحرش بالبنات”.
ومع توالي الشهادات أحالت النيابة خلف للمحاكمة الجنائية بتهمة التحرش الجنسي ومحاولة “هتك عرض سبع فتيات”. وذلك داخل ورشة تمثيل يديرها في استوديو يملكه. وأوضحت مصادر قضائية، أن هذا القرار جاء بعد استماع نيابة شرق القاهرة لأقوال نساء تقدمن ببلاغات ضد الممثل شادي خلف. واتهمنه بهتك عرضهن والتحرش الجنسي بهن، وأمرت النيابة بحبسه.
وتحت وسم #متسكتش_متسكتيش، نشرت صفحة Assault Police الشهيرة في “انستغرام”، وهي مخصصة لكشف جرائم التحرش ومساندة ضحاياها، شهادات نساء تحدثن عن جرائم جنسية اقترفها شادي خلف.
ضوابط ورش التمثيل
تلك الواقعة، تثير السؤال حول المعايير التي تقام على أساسها ورش التمثيل. وهنا يرى الناقد الفني سيد سلام أن العديد من تلك الورش لا تهتم بالتعليم، ولكنها تسعى لتحقيق الأموال فقط. بل والإساءات الجنسية للفتيات، ووصف بالـ”دكاكين”، التي تبتعد عن المعاهد والأكاديميات التي تعمل على تعليم الشباب.
يقول سلام إن تعليم فن التمثيل أو كتابة السيناريو والإخراج ليس مجرد كورس أو محاضرة، بل هو عمل يحتاج إلى معرفة ما إن كان الطالب موهوبًا أم لا. ولكن كثير من تلك الورش تحولت لبيزنس مثل بيزنس الدروس الخصوصية، وهو ما فتح الباب لخروج تلك الوقائع.
ويشير الناقد الفني إلى أنه في السنوات الماضية كانت هناك ضوابط تحكم تلك العملية، أصبحت غير موجودة حاليا. ففي الماضي من كان يريد الالتحاق بالتمثيل كان عليه المرور على الأكاديميات والمعاهد التعليمية. ومن لم يتمكن من الالتحاق بتلك الأماكن يجد ورشًا جادة، منها ورشة الفنان خالد جلال، والفنان أشرف عبدالباقي. فهما لم يكتفيان بالتعليم، بل أدخلا كل منتسبي الورش في اختبارات صعبة. ليصبح الأمر حقيقيًا ويشعر من يقدم على تلك الورش بالجدية.
حماية الفتيات
القواعد التي يتحدث عنها سلام حول مهنية الأمر، ولكن هناك قواعد أيضًا داخل تلك الورش لحماية الطالبات. وهي التي تحدث عنها الفنان شادي أسعد، أحد منظمي الورش، فهو يرى أن الفن ليس حكرًا على أحد. لأنه موهبة يمكن العمل عليها وتنميتها. ولكن يجب أيضًا وضع ضوابط لحماية من يسعون للانضمام له.
تلك الضوابط التي يتحدث عنها أسعد، تتمثل في منع التلامس بين الطلاب، ووضع ضوابط تكون واضحة بين الشباب والفتيات. والتأكيد على منع تجاوزها، وعند تجاوزها يجب الاعتراض فورًا، واتخاذ موقف مع المخالف. فأي حركة أو فعل غير مقبول من طرف للطرف الآخر في الورشة يواجه بصرامة.
“فاطمة. م”، واحدة من الفتيات اللاتي حلمن بدخول عالم الفن وتحديدًا مجال الإخراج، تعرضت لموقف مشابه. عندما أرادت الالتحاق بإحدي ورش التمثيل والإخراج، فقابلت القائم على الورشة: “كان رجلا يكبرني في السن في سن مقارب من والدي. شجعني وحمسني أنني سأكون كاتبة ومخرجة منتظرة، وأيضًا قال لي إنني أشبه ابنته التي توفت من قبل”.
صدمة فاطمة والهروب من المجتمع والحلم
شعرت فاطمة أنّ هذا الشخص في مقام والدها كما ذكرت. ولم تتوقع منه أي فعل مخالف، تقول: “للأسف مع المرة الثانية للورشة طلب مني الانتظار عقب خروج جميع الطلاب. وأخبرني أنه يريد التحدث معي في فكرة متعلقة بالإخراج، وبالفعل انتظرت وجدته يقترب مني ويطلب مني حضن لأني أذكره بابنته. في البداية وافقت لأنني تخيلت أنني فعلاً شبيهة بها، ولكنه بدأ يتحسس جسدي. فخرجت مسرعة وذهبت للمنزل دون استيعاب مع حدث. وأغلقت هاتفي وقررت عدم الذهاب للورشة مجددًا”.
لم تستطع فاطمة الإبلاغ عن الواقعة أو اتخاذ موقف أكثر من تركها تلك الورشة. وتقول: “كل ما استطعت فعله هو الانسحاب وفكرت عند التقدم ببلاغ فسأتعرض لهجوم من المجتمع والمحيطين، ففضلت الهروب”. ما وصفته فاطمة بالهروب كان هروبًا أيضًا من كل إعلانات ورش التمثيل التي كانت تقابلها فيما بعد.
تابعت فاطمة: “مر على تلك التجربة ما يقرب من عام. ومع كل إعلان أتصفحه عن ورشة للتمثيل، أشعر وكأن الحادثة وقعت أمس. هروبي من الورشة كان هروبًا من حلمي أيضا، فأصبحت غير قادرة على التقديم في أي ورشة جديدة خوفا من التعرض لموقف آخر”.
التلاعب بأحلام الفتيات
الناقدة ماجدة موريس تتفق في أن أحلام الشباب في التمثيل يمكن التلاعب بها. فعلى سبيل المثال تقرأ إعلانات عدة عن ورش اليوم الواحد للتمثيل، وتتساءل كيف يمكن التعلم ليوم واحد. خاصة أن تلك الورش تخرج من أسماء غير معروفة، وهنا يمكن التلاعب بأحلام الشباب واستغلالها. إما بتحقيق الغرض المادي، أو المضايقات وحالات التحرش والإساءات للمشاركات بها.
وأضافت موريس أن النقابات عليها دور كبير للتصدي لتلك الورش. فمع رصدها ورصد من خرج منها وعمل بالفعل أو استفاد بشكل حقيقي، يمكن حل المشكلة والتصدي لها. وأيضًا توفير ورش تحت إشراف النقابات الفنية لمن يحلمون بدخول المجال.
نقابة المهن التمثيلية تسعى لإصدار بيان حول الواقعة، وفقا لما أكدته مصادر لـ”مصر 360″. وذلك بعد خروج نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي في تصريحات تليفزيونية سابقة، قال خلالها إن النقابة لم تتلق أي شكاوى. كما أنها لا يمكنها التحرك دون تلقى شكاوى أو شهادات.
العقوبات المنتظرة
أقر مجلس النواب في يوليو هذا العام تعديلا تشريعياً ينص على تشديد عقوبة التحرش الجنسي الذي يطال النساء. وبموجب هذا التعديل، تحول التحرش من جنحة إلى جناية، فتنص المادة 306 مكرر (أ) على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز أربع سنوات، كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة. بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى.
وتنص المادة 306 مكرر (ب)، على أنه يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكررًا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية. ويعاقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 من هذا القانون. أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا، تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، ووفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
وسائل التواصل تنتصر للفتيات
ورغم قدِم الحملات الداعية للإفصاح عن المضايقات التي يتعرضن لها الفتيات على مستوى العالم. لكن وسائل التواصل الاجتماعي شكلت عاملاً مهما لتشجيع الفتيات على الإدلاء بشهاداتهن. حتى بات الوضع أشبه بتظاهرة إلكترونية، فاضحة للمتحرشين.
هذا التطور، جعل مصر تشهد مؤخرًا تغيرًا واسعًا وتزايدًا في عدد النساء اللاتي يتحدثن عن تعرضهن لجريمة التحرش. وهو الأمر الذي تقابله السلطات القضائية بمحاكمة عاجلة، استجابة للضغط الجماهيري والرأي العام.