الاشتياق سحر لا يُمكن الإمساك به، تسيل نبضاته داخل كل الخلايا، فلا نعرف كيف نرتبك؟ أو لماذا لا نتمالك أنفسنا، يُصبح هذا الشعور أشبه بتيار كهربي نرى تأثيره لكننا لا نُمسك به.
ثرية هي اللغة العربية تضع العديد من المفردات الاشتياق/ الفقد/ الوحشة فنتبادل مواقع الكلمات حتى نؤكد على تجديد هذا الشعور الذي يُحركنا نحو ما لا نقوى على مواجهته.
حين نشتاق نفقد بوصلة الفعل الصحيح أو المفروض حسب الموقف، وحين نشتاق قد نَهِنْ ونضعف، في دوائر الشوق، يدور حامليه، فننسى ما قد مضى، ونغفر ونقفز على مواطن الاختلاف دون أن نرى حيث يخلق الاشتياق حالة ضبابية فيبدد الواضح، ويصنع تشويشًا يجعلنا لا نرى ولا نشعر إلا بالاشتياق الجارف.
ثمة علاقة طردية بين الاشتياق والبعد، فنحن نشتاق البعيد، أما ما قالته الست أم كلثوم “واحشني وانت قصاد عيني” فيمكن إدراجه في باب الاستعارات والتأكيد على شِدة الحب.
وعلى كل أهمية الاشتياق لدفع العلاقات في التطور والنمو إلا أن سؤالًا يظهر هل يُفسد الاشتياق العلاقات؟
المشاعر هي قضبان قطار الحياة، فلا يُمكن تخيل شكل حياتنا بدون مشاعر، والاشتياق عامل محفز في تطوير العلاقات، والقرب الذي يُساهم في نمو العلاقة ونضجها، لا يُمكن للوهلة الأولى أن نرى الاشتياق كأحد أدوات إفساد العلاقات، بل إنه من المفترض أن يكون أكثر المشاعر تأثيرًا لزيادة القرب لكنه قرب مؤقت يمكن أن يتلاشى إن لم ننتبه ونجعله قرب واقعي قوي.
اشتياق بمقياس الشريك
تنبت المشاعر بداخل الفرد لكن تأثيرها ومداها ينعكس على الشريك، فأي كانت المشاعر فإن طريقة إظهارها وتدفقها قد تُحدث تأثيرات إيجابية أو سلبية حسب الطرف الآخر وقدرته على استيعاب تلك المشاعر، والاشتياق هو مؤشر على القرب والمحبة، ومن ثم يسعى كثيرون للتعبير عن اشتياقهم للتأكيد على المحبة، واستمراريتها، المؤكد أن المفرطين في اظهار مشاعرهم يخسرون كثيرًا، لإن المغالاة في اظهار الاشتياق تُفقده قيمته.
كما أن اعتياد الشريك على مثل هذه الكلمات تُبهت رد الفعل ومن ثم قد تتسبب في إحباط صاحب الاشتياق، وهو ما يجعلنا نجد بعض النساء في أعمار مختلفة يشكون فتور الحب، وأنها لم تعد تشعر باشتياقه لها.
التناغم بين طرفي العلاقة مهم وفارق هذا التناغم يظهر في طريقة إظهار المشاعر، فالسائد أن النساء هن الأكثر تعبيرًا عن المشاعر، وإظهارًا لها، في حين يبدو الرجال أقل في درجة إظهار مشاعرهم. وإن كانت هذه الأفكار هي صور ذهنية في العقل الجمعي ليست بالضرورة أن تكون قاعدة عامة.
وفى كل الحالات فعلى الطرف الذي يشعر بالاشتياق أن تكون حساسيته تجاه شريكه فاعلة بحيث ينتبه إلى الطريقة الأفضل لإظهار تلك المشاعر، فأحيانا تكون المبالغة في الكشف عن المشاعر هي الطريقة الأفضل في البدايات. لكنها تفقد تأثيرها بعد فترة، لذلك الاستمرار في طريقة واحدة لتوضيح حجم وقدر الاشتياق قد يؤدي لإضعاف تأثيره وصُنع حالة من الملل والفتور الذي يكبر مع الوقت.
فقبل أن تُبادر للحديث عن اشتياقك اكتشف شريكك هل يُحب التعبير عن مشاعره، هل يفعل ذلك بكثرة، أم قليل الحديث عن مشاعره، فبرغم الصورة الذهنية الشائعة عن كون النساء عاطفيات ومفرطات في إظهار مشاعرهن فإنه في بعض الأوقات قد يأتي الأمر معكوسًا بحيث يكون الرجل هو المفرط في الكشف عن مشاعره حد الملل.
أسوأ ما يواجه أي علاقة هو الاعتياد، فان اعتاد شريكك حالة الاشتياق فإن ذلك يحفر مسارًا نحو فتور ثم فشل العلاقة. فمن الذكاء العاطفي ألا نكشف عن المشاعر طيلة الوقت، بل نجعلها متغيرة في توقيتها وقدرها، ففي حالات الاشتياق البالغ علينا أن ننتبه لما نقوله ونفعله، حيث من الجائز أن يُعمي هذا الإحساس صاحبه عن تلقي الإشارات، فربما كان الطرف الآخر في حالة لا تسمح له بالتفاعل الصحيح مع حالة الوحشة التي يُبديها شريكه، بحيث تأتى ردود أفعاله مُحبطة ومخيبة للآمال.
علينا حين نشتاق أن نقوم بأي فعل من شأنه تهدئة تلك الحالة قبل أن تنفجر بشكل لا يناسب الطرف الآخر. فقوة المشاعر تتحقق بتوقيت وقدر التعبير عنها، والسعي بوعي ووضوح ألا نصنع حالة اعتياد في التعبير عن مشاعرنا، فليس من الضرورة الحديث عن كل ما نشعر به، وليس كل وقت مناسب لنقول لمن نحبهم أننا نفتقدهم أو نشتاق إليهم، وحتى تنجح علاقاتنا علينا أن نسمح للعقل بالتدخل قليلًا، الاشتياق إحساس رائع ومُربك فلا تسمح لهذا الارتباك أن يُفسد علاقتك ويضعها على طريق الفتور والضعف وربما النهاية.