أسبوع حافل بالحراك المتعلق بملف سد النهضة، على وقع تسريبات عن استعداد إثيوبيا للملء الثالث، بينما تتحرك مصري أوروبيًا بشكل مكثف لتأمين موقف مؤيد لها حيال الأزمة الآخذة في التعقيد.
البداية بتسريبات نقلتها وسائل إعلام واسعة الانتشار عن دبلوماسيين سودانيين يكشفون عن بدء إثيوبيا تعلية الممر الأوسط لسد النهضة ووضع جدران خرسانية استعدادا للملء الثالث للسد.
إثيوبيا بدأت استعداداتها تمهيدًا للملء الثالث لسد النهضة
قال مصدر في وزارة الخارجية السودانية لقناة “الشرق” السعودية إن “إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، لبدء الملء الثالث للسد، وأن بلاده تنتظر دعوة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيلكس تشيسكيدي، الذي يترأس الاتحاد الإفريقي، لاستئناف التفاوض.
وأَضاف أن “السودان سلم وزير خارجية الكونغو، ملاحظاته بشأن منهجية التفاوض في أزمة سد النهضة”. ويجري ملء خزان السد خلال موسم الأمطار الذي يستمر من يونيو حتى سبتمبر كل عام، ويرتبط مستوى التخزين السنوي بارتفاع الممر الأوسط للسد.
وفي يوليو الماضي، أعلنت إثيوبيا “اكتمال المرحلة الثانية من ملء السد بنجاح”، رغم حضّ دولتي المصب مصر والسودان، إثيوبيا، على تأجيل هذه الخطوة حتى التوصل إلى اتفاق شامل. ولم تعلن إثيوبيا على وجه التحديد حجم المياه المخزنة خلف السد، إلا أن المرحلة الثانية كانت تتطلب الاحتفاظ بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه، إضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب سبق تخزينها في الملء الأول، ليصل إجمالي المستهدف إلى 18.4 مليار متر مكعب.
لكن خبراء مياه، قالوا إن أديس أبابا لم تنجح في الوصول إلى هدفها أثناء الملء الثاني، إذ تم تخزين 9.6 مليار متر مكعب فقط من المياه، وهو ما يقل عن المطلوب بنحو 4 مليارات متر مكعب.
أحدث صور للحوائط الخرسانية لسد النهضة
في هذه الأثناء، كشف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في مصر عباس شراقي، عن تفاصيل تلك الحوائط الخرسانية استعدادًا للملء الثالث لسد النهضة.
كما أوضح شراقي، على صفحته بموقع التواصل الاجتماع “فيسبوك”، أن سد النهضة خرساني، ويتم الصب مباشرة على جسم السد، مضيفا أن المياه تفيض حتى الآن من أعلى المرر الأوسط، وسيستمر ذلك حتى نهاية الشهر الجاري على الأقل. وتابع: “بعد ذلك، سيتم إما تشغيل توربين أو اثنين لإمرار المياه بدلاً من أعلى الممر الأوسط”.
وأردف: “حالة استمرار فشل التشغيل سيتم فتح بوابتي التصريف السفلى، التي تم فتحهما في أبريل حتى منتصف أغسطس الماضي، ثم تجفيف الممر، وإنهاء الأعمال الهندسية على جانبي السد حتى منسوب 595 على الأقل، وحينئذ يتم تجهيز الممر الأوسط وبدء الخرسانة غالبا في فبراير القادم”.
مصر تتحرك أوروبياً للضغط على إثيوبيا
وأمام هذه التطورات، كثّفت مصر تحركاتها على المستوى الأوروبي للضغط على إثيوبيا، بشأن قضية السد، في ضوء البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الدولي، وما تضمنه من ضرورة امتثال أطراف النزاع لتوقيع اتفاق خلال فترة وجيزة. وبينما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته إلى المجر، بـ”دور مؤثر لحل هذه القضية، التي تمسّ بمصالح مصر المائية”، استضافت القاهرة جلسة مشاورات دبلوماسية، بحضور مسؤولين أوروبيين، للتباحث حول عدد من قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا، وعلى رأسها قضية السد الإثيوبي.
وعقد السيسي، مباحثات قمة مع رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوروبان، بمقر رئاسة الوزراء في بودابست، في ثالث أيام زيارته الرسمية للمجر، التي تضمنت المشاركة في اجتماع دول “فيشغراد”.
ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، فإن المباحثات تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، ومختلف تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط.
السيسي يطالب بدور دولي مؤثر
وأضاف السفير بسام راضي أنه تمت، خلال اللقاء، “مناقشة مستجدات قضية سد النهضة، في ضوء صدور البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن، وما تضمنه من ضرورة امتثال الأطراف للتوصل إلى اتفاق ملء وتشغيل ملزم قانوناً، خلال فترة وجيزة، على نحو يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، حيث أكد الرئيس السيسي مدى الالتزام، الذي أبدته مصر تجاه مسار المفاوضات، موضحاً أن على المجتمع الدولي “القيام بدور مؤثر لحل تلك القضية بالغة الأهمية”، التي تمسّ مصالح مصر المائية.
وتتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا بشكل متقطع منذ 10 سنوات، دون نتيجة، على أمل الوصول إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، واعتمد مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً، منتصف سبتمبر الماضي، يشجع الدول الثلاث على استئناف المفاوضات، برعاية الاتحاد الأفريقي، بهدف الوصول لاتفاق ملزم “خلال فترة زمنية معقولة”.
اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد
في السياق ذاته، عقد السفير بدر عبد العاطي، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأوروبية، مساء أول من أمس في القاهرة، جلسة مشاورات مع نائب سكرتير عام جهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنريك مورا، والوفد المرافق له، حيث بحث الجانبان، بحسب بيان وزارة الخارجية، العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات.
كما تناولت المشاورات تبادل وجهات النظر إزاء عدد من الملفات السياسية، وعلى رأسها التحضيرات لعقد القمة الثانية لرؤساء دول وحكومات جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة موضوع سد النهضة، ودعا الوفد المصري إلى ضرورة “التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد”.
مصر تطالب بإبراز حسن النية
وفي اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أكد الرئيس السيسي ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومتوازن حول ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك على نحو يحفظ الأمن المائي المصري.
وأوضح السيسي أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومتوازن حول ملء وتشغيل السد، وذلك على نحو يحفظ الأمن المائي المصري، وكذلك يحقق مصالح جميع الأطراف، ويحافظ على الاستقرار الإقليمي، أخذاً في الاعتبار ضرورة استمرار المجتمع الدولي في الاضطلاع بدور جاد في هذا الملف.
وتابع السيسي: “فضلاً عن إبراز حسن النية والإرادة السياسية اللازمة من كافة الأطراف في عملية المفاوضات، بما يتسق مع البيان الرئاسي الصادر في هذا الصدد عن مجلس الأمن الدولي”.
وفي لقاء آخر، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية الالتزام بتطبيق ما ورد في البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن من ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم خلال فترة وجيزة يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة، ويحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس السيسى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، السيناتور روبرت مينينديز، بحضور سامح شكرى، وزير الخارجية، وعباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، والسفير الأمريكى بالقاهرة، جوناثان كوهين.
وزير الري المصري يحذر من غياب الاتفاق القانوني
شارك الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الموارد المائية في الجلسة المنعقدة بتقنية الفيديوكونفرانس عن “تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية في منطقة شرق المتوسط”، الخميس، ضمن فعاليات “المؤتمر الثانى الدولى لتغير المناخ في شرق المتوسط” والمنعقد تحت رعاية الرئيس القبرصى.
وقال وزير الري إن الزيادة السكانية تمثل تحديا رئيسي للموارد المائية في مصر، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يصل إجمالي السكان في مصر لأكثر من 175 مليون نسمة في عام 2050 وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على الموارد المائية.
وأضاف أن تحديات الموارد المائية تشمل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة، وكذلك ما تشهده مصر وغيرها من دول العالم من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة مثل الأمطار الشديدة التي تضرب مناطق متفرقة من البلاد، بالإضافة لارتفاع منسوب سطح البحر وتأثير ذلك السلبي الخطير على المدن والمناطق الساحلية وخاصة دلتا نهر النيل.
كما أوضح وزير الري ان الندرة المائية التي تعاني منها مصر بالإضافة للتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية تجعل الموقف المائي في مصر شديد الحساسية تجاه أي مشروعات أحادية يتم تنفيذها في دول حوض النيل، دون وجود اتفاقيات قانونية عادلة وملزمة لتنظيم هذه المشروعات والحد من تأثيراتها السلبية على المياه في مصر.
عبد العاطي: لسنا ضد التنمية في حوض النيل
وأكد عبدالعاطى أن مصر ليست ضد التنمية في دول حوض النيل، بل على العكس فمصر تدعم التنمية في دول حوض النيل والدول الأفريقية من خلال العديد من المشروعات التي يتم تنفيذها على الأرض موضحا أن مصر بإنشاء العديد من سدود حصاد مياه الأمطار ومحطات مياه الشرب الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية في المناطق النائية البعيدة عن التجمعات المائية مع استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية في عدد كبير من الآبار الجوفية بما يسمح باستدامة تشغيلها.
وأضاف وزير الري أن مصر قامت بتنفيذ مشروعات في دول حوض النيل لتطهير المجاري المائية والحماية من أخطار الفيضانات، وإنشاء العديد من المزارع السمكية والمراسى النهرية، ومساهمة الوزارة في إعداد الدراسات اللازمة لمشروعات إنشاء السدود متعددة الأغراض لتوفير الكهرباء ومياه الشرب للمواطنين بالدول الأفريقية، بالإضافة لما تقدمه مصر في مجال التدريب وبناء القدرات للكوادر الفنية من دول حوض النيل.
إدارة إثيوبيا للسد بشكل منفرد ستتسبب في ارتباك كبير
وأشار إلى أن مصر وافقت على إنشاء العديد من السدود بدول حوض النيل مثل خزان أوين بأوغندا الذي قامت مصر بتمويله والعديد من السدود في إثيوبيا مثل سدود تكيزى وشاراشارا وتانا بلس التي لم تعترض مصر على إنشائهم، ولكن إنشاء سد بهذا الحجم الضخم وبدون وجود اتفاق قانونى عادل وملزم لملء وتشغيل هذا السد، وإدارته بشكل منفرد من جانب إثيوبيا، سيتسبب في حدوث ارتباك كبير في نظام النهر بأكمله، وتتكلف دول المصب مبالغ ضخمة تقدر بمليارات الدولارات لمحاولة تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن هذه الاجراءات الأحادية، خاصة مع قيام الجانب الاثيوبى بإصدار العديد من البيانات والمعلومات المغلوطة التي تزيد من حالة الارتباك في منظومة النهر.
المفاوضات سد النهضة شبه مجمدة
كشف وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، أن مفاوضات سد النهضة شبه مجمدة، لافتاً إلى أن القاهرة تلقت اتصالات من دول مختلفة وعلى مستويات عدة لوضع حلول للأزمة، غير أنها ليست على مستوى الطموحات.
وقال عبد العاطي في كلمته خلال ندوة نظمها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالقناطر الخيرية شمال البلاد، إن القاهرة تطالب بآلية واضحة ومدة زمنية محددة مع وجود مراقبين دوليين لهم دور للتوصل لاتفاق عادل وجاد حول قواعد ملء وتشغيل وسد النهضة.
كما أوضح أنه من الطبيعي أن يكون هناك قلق لدى المواطنين حول السد لكن لا يجب أن يكون مرضياً، واصفاً الوضع فيما يتعلق باستئناف المفاوضات بأنه في “شبه تجمد حالياً”، وأكد على ضرورة أن يثبت الطرف الآخر في ملف السد جديته، قائلاً إن “مصر لا تنتظر حدوث ضرر بالغ، ومن يحدث ضررا بالغا يتحمل مسؤوليته”.