حسم رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك. موقفه في العديد من الأزمات التي تشهدها بلاده فيما يتعلق بالانتقال الديموقراطي خلال خطابه الأخير.
حمدوك أعلن رفضه استقالة حكومته. مؤكدا استمراها في أداء مهامها. ليغلق الباب في وجه كل محاولات المكون العسكري الإطاحة بالقوى المدنية.
رئيس الوزراء السوداني الذي أعلن انحيازه للمكون المدني. رفض في الوقت نفسه ما وصفه بالمزايدات. ودعا إلى وضع مصلحة الوطن كأولوية قصوى، وإدارة الخلافات بنضج. وإلى إنهاء كل أنواع الشقاق بين مكونات الحرية والتغيير كافة. لتوسيع قاعدة الانتقال، وكي تكون قادرة على استيعاب كل قوى الثورة والتغيير.
رسالة أخرى تضمنها خطاب حمدوك. تمثلت في الإشارة إلى أن المؤسسة العسكرية ملك لكل السودانيين. رافضا استغلال مؤسسات وأجهزة الدولة. في الصراع السياسي.
نوشك أن نضع مصير بلادنا وشعبنا وثورتنا في مهب الريح”.. قال عبدالله حمدوك
رسائل حمدوك التي جاءت واضحة. لم تنه المخاوف بشأن مستقبل التحول الديموقراطي. ومن انزلاق البلاد لصراعات عرقية. خاصة مع إعلان الميثاق الوطني المنشق عن القوى والتغيير والمشكل من عدد من الجماعات المسلحة للتظاهر اليوم.
اللجوء للشارع
ولجأ المكونان العسكري والمدني إلى الشارع السوداني. بما يشي بالعودة إلى نقطة الصفر لحسم الصراع وعلاج الانسداد السياسي.
ودعت القوى المنشقة عن تحالف الحرية والتغيير، أو ما يعرف بتحالف “الميثاق الوطني”، وتضم أحزاب وحركات مسلحة. إلى مليونية جماهرية للمطالبة بحل الحكومة الحالية وتوسيع دائرة المشاركة في السلطة واستكمال مسار السلام وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية فيه
ووقع الميثاق الذي تشكل في 2 أكتوبر الجاري 16 كيانا. أبرزهم حركة تحرير السودان مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير كوش برئاسة أسامة دهب، إضافة إلى رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية على عسكري ورئيس البعث السوداني يحي الحسين.
ورفع الميثاق أهداف جاء على رأسها قضايا المجموعات المهمشة. وطالب مناوي بضرورة الإسراع في تشكيل هياكل السلطة الانتقالية مثل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية. كما طالب بمراجعة الوظائف التي تُوليت بعد سقوط النظام السابق في 11 أبريل 2019، موضحًا أن القضايا غير محصورة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء وإنما في جميع بقاع السودان.
سليمان صندل، أحد المشاركين في “الميثاق الوطني”. قال في تدوينة له على فيسبوك إن الاحتجاجات تسعى لاسترداد الثورة وإنهاء اختطافها والعودة بقوى الحرية والتغيير إلى منصة التأسيس، وسنجدد التمسك بالوثيقة الدستورية، الإعلان السياسي للانتخابات، ووحدة الشعب ونبذ الكراهية.
وردت قوى مشاركة في التحالف الحكومي على التظاهرة بالدعوة إلى مليونيه أخرى في الواحد والعشرين من أكتوبر الجاري بالتزامن مع ذكرى الثورة على البشير. والحشد لها على نطاق واسع على مستوى لجان تنسيقيات المقاومة والقوى الثورية في الولايات المختلفة، للتمسك بالحكومة الحالية والمطالبة بتسليم رئاسة مجلس السيادة من العسكريين للمدنيين.
القدرة على الحشد
وتخدم المليونية التي دعت إليها القوى المنشقة عن قوى الحرية والتغيير أهداف المكون العسكري بشكل مباشر. في حين يجد المكون العسكري نفسه غير قادر على دعوة المواطنين إلى النزول، وقد لا تلقى دعوته أصداء لأنه طرف غير مرحب به من قطاعات ترى ضرورة تسليم السلطة للمدنيين.
ويبدو أن قدرة كل طرف في الحشد. ستعطيه إمكانية أكبر لتمرير أهدافه وإجبار الطرف الأخر على الانصياع لها .
وتفاقمت الأزمات بين بين المكونين المدني والعسكري خلال الأشهر الماضية. وارتفعت وتيرة التناقض بينهما مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمكون المدني في نوفمبر المقبل طبقا لاتفاق تقاسم السلطة.
ومنذ نحو 3 أسابيع. يتصاعد توتر بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية. على خلفية إحباط محاولة انقلاب، في 21 سبتمبر الماضي.
وساهمت الخلافات بين قوى الحرية والتغيير إلى انقسام النواة الصلبة للمكون المدني في الحكومة السودانية. في وقت ساهمت هشاشة الوثيقة الدستورية التي من المفترض أنها كانت ستمثل محددا للعلاقة بين المكونين.
المبعوث الأمريكي
في الموازاة، قال إعلام القصر الرئاسي في بيان إن رئيس مجلس السيادة تلقى اتصالا هاتفياَ من المبعوث الأمريكي، للقرن الأفريقي، جيفري فليتمان. وقال البيان :أطلع البرهان المسؤول الأمريكي على الأوضاع في البلاد والمشاورات بشأن تحقيق التوافق الوطني». كما «أطلع رئيس مجلس السيادة المبعوث الأمريكي أيضا، على سير عملية الانتقال في البلاد والتحديات التي تجابه الفترة الانتقالية» مؤكدا أن «قضية شرق السودان قضية سياسية يجب حلها عبر الحوار والوسائل السلمية». وأكد البرهان «التزامه بحماية الفترة الانتقالية، وصولا لمرحلة الانتخابات والتحول الديمقراطي».
وحسب بيان للبيت الأبيض. تحدث فيلتمان إلى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في 12 أكتوبر وإلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في 13 أكتوبر. وأكد المبعوث الخاص فيلتمان على أهمية التزام مجلس الوزراء ومجلس السيادة بالمرحلة الانتقالية، والنظام على النحو المنصوص عليه في الإعلان الدستوري لعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020».
دعوة لعدم التراشق
وتابع البيان: جدد المبعوث الخاص التأكيد على أن جميع مكونات المرحلة الانتقالية، بما في ذلك أعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير. يجب أن تتجنب سياسة حافة الهاوية والاتهامات المتبادلة، وأن تعمل بدلا من ذلك معا لحل أي مجالات خلافية من خلال الحوار بدون شروط مسبقة.
في السياق، وضع القيادي في مجموعة الميثاق الوطني المنشقة على قوى الحرية والتغيير، مبارك أردول. 4 خيارات للخروج من الأزمة السياسية، بين طرفي قوى الحرية والتغيير. تشمل أن «تتوحد قوى الحرية والتغيير على أسس جديدة بعد مكاشفة ونقاش واضح وشفافة، أو أن يتم التعامل مع مركزين مختلفين للقرار في الحاضنة السياسية، والخيار الثالث أن يقصي أحد الأطراف الآخر ويظفر بما تبقى ويستمر في الشراكة مع العساكر، أو الذهاب لانتخابات مبكرة».
في المقابل ترفض قوى الحرية والتغيير التنازل عن استلام رئاسة مجلس السيادة من المكون العسكري.
وقال عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير معتز صالح في تصريحات صحافية: نحن في قوى الحرية والتغيير، نعتقد أنه لا تنازل عن استلام رئاسة مجلس السيادة من قبل المدنيين، وهذه مسألة ليس فيها تفاوض على الإطلاق.
وتابع: لكن المكون العسكري قبل أسبوع أو أكثر قام بتمرير منشور من الجهة القانونية التابعة له يخطر فيها كل الجهات بأنهم سوف يقومون بتسليم السلطة للمدنيين في بدايات يوليو 2022».
الوثيقة الدستورية
وطبقا للوثيقة الدستورية الموقعة في 17 أغسطس 2019. كان مقررا أن يترأس العسكريون مجلس السيادة (رئاسي) لمدة 21 شهرا. ثم يترأسه المدنيون 18 شهرا. ابتداء من مايو الماضي.
لكن الحكومة وقعت مع حركات مسلحة في 3 أكتوبر 2020. اتفاقية سلام في جوبا. أضافت عاما إلى الفترة الانتقالية التي بدأت في 21 أغسطس 2019، عقب عزل البشير. ما يعني أن يتسلم المدنيون رئاسة مجلس السيادة في نوفمبر المقبل. بعد تقسيم الـ12 شهرا الإضافية مناصفة بين مكوني المجلس، بواقع 27 شهرا للعسكريين و24 للمدنيين
ويتشكل المجلس من 14 عضوا. هم: 5 عسكريين، و6 مدنيين، و3 من الحركات المسلحة، وهو يتولى قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية، رفقة حكومة مدنية يترأسها عبد الله حمدوك منذ 2019.
يأتي ذلك وسط معاناة في السودان من نقص في السلع الأساسية نتيجة لإغلاق أحد أهم الموانئ السودانية الرئيسية على البحر الأحمر بعد حصارها من قبل متظاهرين معارضين للحكومة السودانية.