في أعقاب الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس بن سعيد أصبح حزب النهضة في موقف لا يحسد عليه. يتهدد معه وضع الإسلام السياسي في المنطقة، انطلاقا من كونه آخر معاقله. التي تطالب بعض القوى السياسية بإعلانه تنظيما إرهابيا.
وأثارت قرارات الرئيس قيس سعيد بالسيطرة على الحكومة وإقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان. عاصفة من الجدل على الساحة التونسية والعربية بشكل عام، وهي الخطوات التي اعتبرها زعيم النهضة راشد الغنوشي انقلابا. ولكنه خفف لهجته لاحقا معبرا عن استعداده للتفاوض وتقديم تنازلات، كما حث أيضا أنصاره على التزام الهدوء وعدم الخروج إلى الشوارع.
جاءت تحركات سعيد، التي يصر على أنها دستورية، في أعقاب احتجاجات واسعة في أنحاء تونس واشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وطالب المحتجون باستقالة الحكومة وحل البرلمان وسط غضب متزايد من النظام. بسبب انتشار فيروس كورونا والتدهور الاقتصادي والسياسي.
ولكن التطورات الأخيرة في تونس، والتي تعيد إلى الأذهان فشل تجربة حكم الإخوان في مصر. ودول عربية أخرى تطرح سؤالا مفاده هل تلحق الهزيمة بحزب النهضة، ويأذن بأفول تيار الإسلام السياسي؟
الغنوشي الذي سعى إلى تخفيف حدة لهجته تجاه اجراءات قيس بن سعيد، ودعا إلى حوار وطني في البلاد. ومبديا استعداد حزبه لـ “أي تنازلات من أجل إعادة الديموقراطية”. نبّه في الوقت نفسه إلى أنه إن لم يكن هناك اتفاق حول الحكومة القادمة. “سندعو الشارع للدفاع عن ديموقراطيته”. على حد قوله.
الورقة الاقتصادية تطارد النهضة
سبق ذلك هجوم محتجين على فروع الحزب خلال المظاهرات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد والتي دفعت سعيد إلى التحرك. وقال سعيّد إن استيلاءه على السلطة مشروع بموجب الدستور لتجنب الاضطراب الناجم عن جائحة كوفيد-19 والخلل السياسي. موضحا أن البرلمان سيُجمد لمدة 30 يوما فقط.
ولكن يدعم موقف سعيد في ذلك الضعف الذي أحاط بمشاركة النهضة السياسية في عدد من الحكومات. والتي لم يجد المواطن العادي نتيجة مباشرة، أو إحراز تقدم خاصة في الملف الاقتصادي. كما أن الخلافات بين التيارات داخل الحزب، تقوض من قراراته تجاه بن سعيد.
وكانت مصادر عديدة مطلعة قالت إن نقاشا داخليا حول أفضل السبل للتعامل مع الأزمة أثار خلافات غاضبة داخل حزب النهضة. مما أدى إلى تفاقم الانقسامات القائمة بالفعل بين مسؤولي الحزب حول استراتيجيته وقيادته.
وقال قيادي كبير في حزب النهضة لرويترز، مشترطا عدم كشف هويته: “لا أحد يستطيع أن ينكر وجود خلافات واضحة وحادة أحيانا داخل النهضة، الخلافات أكثر وضوحا بعد الزلزال السياسي الأخير”.
مساعد رئيس البرلمان راشد الغنوشي ماهر مذيوب، قال إن “هناك وعي داخل النهضة أنه يجب تجنب التصعيد. لا أحد يريد عنفا وحربا أهلية.. نرغب في الحفاظ على الهدوء في الديمقراطية التونسية”.
وأضاف مذيوب: “لا أحد يرغب أن يرى سيناريو مصر يُعاد في تونس. لذلك التهدئة يجب أن تقود إلى استئناف المسار الديمقراطي بسرعة وأن يستمر قطار الديمقراطية مع جهود جماعية للتغلب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.
ومع ذلك عارضت القرار شخصيات أخرى داخل حزب النهضة ترى أن التراجع سيسمح لسعيّد بقمع الحركة بسهولة.
ملفات الفساد والإرهاب
وقد أعادت حكومة نجلاء بودن فتح العديد من ملفات الفساد التي ييتهم بها النهضة. فيما جدد الحزب الدستوري الحر وهيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، مطالبهما بفتح ملفي التمويل الانتخابي، والاغتيالات.
وكان القضاء التونسي فتح تحقيق بشأن ثلاثة أحزاب، بينها “حركة النهضة” و”قلب تونس”. أكبر حزبين في البرلمان، بتهم تلقي أموال أجنبية خلال الحملة الانتخابية في 2019.
ويجري التحقيق في الأمر بعد شكوى تقدم بها حزب “التيار الديمقراطي”، القريب من الرئيس قيس سعيد.
وتشمل التهم، الموجهة أيضاً إلى حزب “عيش تونسي”، تلقي أموال أجنبية مجهولة المصدر وتمويل أجنبي خلال الحملة الانتخابية في 2019.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل دعا لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي. بالكشف عن التحويلات المالية للأحزاب والجمعيات وعرضها على القضاء.
ورغم تأييده الأولي لرئاسة سعيّد، انضم الغنوشي لاحقا لحزب القروي، قلب تونس. في دعم رئيس الوزراء هشام المشيشي بعد ظهور خلافات جدية مع سعيد.
ويواجه النهضة تراجعا في شعبيته ظهرت خلال الانتخابات الأخيرة التي لم يستطيع الحصول من خلالها على الأغلبية التي يتطلع إليها. نتيجة اتباعه أيدلوجية مرتبكة لم تضمن له جمهوره الإسلامي، او الشارع العام.
تناقضات النهضة.. إخفاقات
على الرغم من تعهده بالابتعاد عن الإسلام السياسي، كافح حزب النهضة للتخلص من أجندته الإسلامية وتعرض لانتقادات لعدم امتثاله لوعده، على سبيل المثال. في سبتمبر 2017، انتقد كل من الأمين العام التونسي، محسن مرزوق، والرئيس التونسي الباجي قايد السبسي. النهضة لفشلها في رفض رؤيتها الإسلامية التقليدية وتحولها إلى حزب مدني.
كما أن حزب نداء تونس الذي يتزعمه الرئيس الراحل السبسي كان متحالفًا مع النهضة لأكثر من ثلاث سنوات. ففي يناير 2018، أعلن الحزبان انقسامهما وعزمهما على التنافس ضد بعضهما البعض في الانتخابات البلدية في وقت لاحق من ذلك العام.
وفي مايو من ذلك العام، حصل حزب النهضة على 28.6٪ من الأصوات في الانتخابات البلدية التونسية.
وحصل المرشحون المستقلون على 32.2%وحزب نداء تونس على 20.8%.
سياسات متناقضة
ومع ذلك التناقض يشوب سياسات النهضة، على سبيل المثال، وافق حزب النهضة على ضمان المساواة بين الجنسين أثناء المساعدة في صياغة دستور تونس في عام 2014.
لكن في أغسطس عام 2018، رفض حزب النهضة مبادرة رئاسية لمنح المساواة بين الجنسين في قانون الميراث التونسي، والذي يسمح للرجل بالحصول على ضعف الميراث الذي تحصل عليه المرأة.
آنذاك أعلن مجلس شورى النهضة -الهيئة الرئاسية الرئيسية للحزب- أنه يدعم الجهود المبذولة لضمان حقوق المرأة “بطريقة لا تتعارض مع النصوص الآمرة للدين وأحكام الدستور”.
من الناحية الأمنية واجه حزب النهضة مزاعم باحتفاظه بجهاز أمن سري متهم بتدبير اغتيالات سياسية.
ففي أكتوبر عام 2018، اتهمت لجنة الدفاع عن الشهداء شكري بلعيد ومحمد براهمي. النهضة بتدبير جريمة قتل السياسيين التونسيين عام 2013.
وتزعم اللجنة، المكونة من مجموعة من المحامين، أن لديها وثائق تربط حزب النهضة بجماعة أمنية سرية داخل الحكومة والاغتيالات.
وفي نوفمبر عام 2018، اتهم السبسي حزب النهضة بتوجيه تهديدات شخصية ضده، في المقابل ونفى حزب النهضة أي تورط له في أعمال عنف.
وفي يناير 2019، أعلن الغنوشي أن حركة النهضة ستشارك في الانتخابات الرئاسية. لكنه لم يعلن عن ترشحه لهذا المنصب.
مع إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر وأكتوبر من عام 2019، واصل حزب النهضة إعلان المرشحين.
مرشح حزب النهضة للانتخابات
وأعلن حزب النهضة أنه سيرشح نائب زعيمه، عبد الفتاح مورو، في الانتخابات الرئاسية التونسية. ولكن حل مورو في المركز الثالث في انتخابات الإعادة الرئاسية في 15 سبتمبر 2019، بحصوله على 12.9٪ من الأصوات.
ومع افتقار مرشحهم لمسار واضح للرئاسة، أعلن حزب النهضة دعمه لقيس سعيد. الذي حصل على 18.4٪ من الأصوات.
ولكن كانت حظوظه أوفر في البرلمان فبالرغم من خسارته 16 مقعدا عن حصته في البرلمان السابق. إلا انه حظي بالحصة الأكبر بواقع 52 مقعدا، ورشح زعيمه الغنوشي رئيسا له. ونظرًا لعدم حصول حزب النهضة على أغلبية في البرلمان، فقد رشح الحبيب الجملي المستقل في محاولة لبناء ائتلاف واسع.
ولكن رفض البرلمان التونسي حكومة الجملي المقترحة في يناير عام 2020، ورشح سعيد لاحقًا إلياس الفخفاخ رئيساً للوزراء. وأشار الفخفاخ إلى أنه لن يضم سوى حلفاء سعيد في حكومته المقترحة، مما يضعه على خلاف مع حزب النهضة.
ولكن استقال الفخفاخ في يوليو عام 2020، بعد خلافات متزايدة مع حزب النهضة. الذي اتهمه بتضارب المصالح بسبب الحفاظ على المصالح المالية في الشركات التي حصلت على عقود حكومية.
لاحقا عيّن الرئيس التونسي، في يوليو عام 2020، هشام المشيشي رئيسا للوزراء، والذي اقاله سعيد لاحقا. بمساعدة المادة 80 من الدستور، ولازال الخلاف في أوجه بين الفرقاء في تونس. كما ان مخاوف تحيط بإجراءات سعيد التي يخشى منها على ملف الحقوق، والحريات في الدولة الأبرز عربيا من حيث مؤشر الديمقراطية.