ارتفعت أسعار النفط العالمي خلال الربع الأخير من 2021؛ حتى بلغت ذروتها بالوصول إلى 84 دولارًا للبرميل. ما يعني أن ارتفاع سعر الطاقة سيفيد العديد من الحكومات المنتجة للبترول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والتي تضم احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، في حين ستتأثر بعض الحكومات التي لا تزال تعتمد على السوق العالمي في تدبير احتياجاتها. فكيف ستتأثر مصر وموازنتها جراء الارتفاع العالمي للنفط والغاز؟.
وصل مستوى أسعار النفط حاليا إلى 84 دولارًا للبرميل، ربما لن يكون ذلك هو الحد الأقصى للسعر خلال الأشهر المقبلة. مع استمرار تعافي الطلب العالمي وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل قياسي. خاصة وأن هناك احتمالات بارتفاع نسب الطلب على المنتجات النفطية لتوليد الكهرباء بديلا للغاز خلال أشهر الشتاء.
سيناريوهات تضرب الموازنة
يفتح تحرك أسعار النفط بالسوق العالمي المجال للتنبؤ بسيناريوهات تأثير هذه الزيادة على السوق الداخلي في مصر. وما إذا كان سيتبعه تحرك في تسعيرة بيع المنتجات البترولية أو الكهرباء؛ لتقليص الضغط على الموازنة العامة للدولة.
خلال مناقشة بنود الموازنة العامة للدولة للعام المالي 21/2022؛ كان مستوى تداول أسعار خام برنت تتراوح بين 55: 60 دولارًا للبرميل. ما دفع الحكومة لاعتماد سعر الـ 62 دولارًا كتسعيرة للنفط العالمي ضمن الموازنة الجديدة. وكانت الاعتقاد السائد حينها أن تعافي السوق العالمي لن يدفع الأسعار العالمية لمستوى يتجاوز الـ 62 دولارًا.
لكن مع بداية الربع الأخير بالتحديد من 2021، اتجهت أسعار النفط العالمي للتعافي بشكل كبير -بفضل الالتزام بتوصيات خفض الإنتاج-. حيث ارتفع سعر برميل خام برنت ليتجاوز حاجز الـ 84 دولارًا للبرميل من منتصف أكتوبر الجاري، مقابل 49 دولارًا نهاية 2020. وذلك كأعلى مستوى سعري منذ ما يزيد عن 3 سنوات، مدعومًا بتفاؤل المستثمرين الحذر حول عودة الطلب العالمي على النفط واستعادة النشاط الاقتصادي.
كيف ستتأثر الموازنة؟
فاتورة استيراد المنتجات البترولية –التي تسد فجوة الاستهلاك المحلي- من الخارج يتم تقديرها سنويًا. بحيث تكون في محيط هذا التقدير ارتفاعًا أو انخفاضًا وفقًا لرؤية الحكومة ووزارة البترول. وبالتالي فإن تجاوز الأسعار العالمية لمستوى هذا التقدير بشكل ضخم، قد يضاعف من قيمة فاتورة الاستيراد الشهرية، وفق عمرو مصطفى نائب رئيس هيئة البترول السابق.
وباعتبار مصر واحدة من الدول التي تلبي 30: 40% من احتياجاتها من الوقود عبر الاستيراد الخارجي. فقد باتت السوق المحلية مُعرضة للتأثر بشكل مباشر بارتفاعات النفط العالمي. بعدما تجاوزت حاجز السعر المقدر لبرميل بالموازنة العامة بما يزيد عن 22 دولارًا. وهنا تكون الموازنة العامة للدولة أكثر عرضة لتحمل أعباء إضافية بنهاية العام المالي الحالي.
وكان وزير المالية أكد في وقت سابق أن كل دولار زيادة في سعر برميل البترول، عن السعر المقدر له في الموازنة الجديدة. يضيف تكلفة إضافية على الحكومة بقيمة 2.3 مليار جنيه. ما يعني أن هناك مزيد من الأعباء ستُلقي بظلالها على الموازنة العامة للدولة.
كيف ستتعامل الحكومة مع الأزمة؟
ووفقًا للتقديرات العالمية فمن المنتظر أن ينمو مستوى الطلب على النفط خلال الربع الحالي من 2021 ليبلغ نحو 99 مليون برميل يوميا. ارتفاعا من 97 مليون برميل يوميا خلال الربع الثالث من العام الجاري. حينما ارتفع الطلب العالمي بمقدار 6% مقارنة بالربع الثالث من 2020.
وبالتالي فإن الحكومة مضطرة للتعامل مع الأزمة بحلول ملموسة على أرض الواقع وليس الاكتفاء بتحريك أسعار بيع الكهرباء والطاقة على المواطنين. لتعويض نسب العجز في الموازنة بعد تجاوز السعر العالمي للمستوى المقدر بالموازنة.
ورغم ذلك كانت أولى الخطوات التي لجأت إليها الحكومة هي تحريك تسعيرة بيع المنتجات البترولية بداية من أكتوبر الجاري. حيث قررت لجنة التسعير التلقائي للوقود رفع أسعار البنزين والسولار 25 قرشًا. وقررت تحديد سعر بيع المتـر المكعـب مـن الغـاز الطبيعـي المـضغوط المـستخدم كوقود للسيارات بمحطة التموين بـ 375 قرشًا للمواصفات العادية.
ووفق مصادر بوزارة البترول؛ فإن السيناريو الذي تسعى الحكومة إلى اتباعه. هو تكثيف أنشطة البحث والتنقيب للوصول إلى مزيد من الاكتشافات النفطية القادرة على سد فجوة الاستهلاك. بجانب التوسع في أنشطة التكرير وإقامة مصافي جديدة توفر استهلاك السوق.
يقوم حاليًا قطاع البترول بتنفيذ 7 مشروعات لتكرير الوقود باستثمارات 86 مليار جنيه. لإنتاج 6.2 مليون طن سنويا، ما يضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي من البنزين والسولار في عام 2023 -تضيف المصادر لـ “مصر 360”-.
أشارت المصادر إلى أن السيناريو الثاني الذي ستلجأ إليه الحكومة. يتعلق بزيادة الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي ودعم برامج التوسع في الاعتماد عليه كوقود أساسي -بالمنازل والسيارات والمصانع- بدلًا من المنتجات البترولية. وسيمكن نجاح الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال 2018 في دعم برامج إحلاله بدلًا من المنتجات الأخرى، استغلالًا للفائض الحالي بالإنتاج.
أحد الاتجاهات المحورية التي ربما تستحوذ على جزء من أجندة الحكومة في التعامل مع تقلبات أسعار الطاقة. هي الاتجاه للتوسع في الاعتماد على السيارات الكهربائية -وإن كانت الخطوات الحالية أقل سرعة مما يجب أن تكون- في محاولة للاستغناء على مختلف المنتجات النفطية والغازية في تشغيل المركبات داخل مصر.
توقعات متباينة
ورغم الارتفاع غير المتوقع في تسعيرة النفط العالمي؛ فقد تباينت توقعات خبراء الطاقة بشأن مدى تأثر السوق المحلية ومردوده على حياة المواطنين. فيؤكد الدكتور رمضان أبوالعلا أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس، أن السوق المصرية باتت مهددة بشكل واضح بسبب الفارق الكبير بين سعر برميل النفط المقدر بالموازنة والسعر العالمي. ومن ثم قد يشهد السوق عدد من التحركات المتتالية في تسعيرة بيع الوقود محليًا، وزيادة تكلفة المعيشة خلال العوام المقبلة.
أضاف لـ “مصر 360″، أن التحرك الأخير في بيع المنتجات البترولية جاء تزامنًا مع زيادة سعر النفط والغاز عالميًا. حيث تعتمد آلية التسعير التلقائي للوقد على تقييم منحنى سعر برميل خام برنت ومن ثم اتخاذ قرار بتثبيت الأسعار محليًا أو ارتفاع حال استمرار صعود الذهب الأسود عالميًا.
قطاع الكهرباء بدوره ليس بعيدًا على تأثيرات الأسعار العالمية بعد تجاوز سعر الغاز حاجز الـ 5.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية. في الوقت الذي تبيع فيه وزارة الكهرباء الغاز بسعر 3 دولارات فقط إلى وزارة الكهرباء. وبالتالي فإن قطاع الكهرباء الذي يستحوذ على 60% من الغاز المحلي سيكون عرضة للتأثر بالتداعيات العالمية.
من جانبه قال مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق، إن مصر لا تستورد كميات كبيرة من البترول العالمي. وبالتالي فإن ارتفاعات خام برنت لن يكون تأثيرها كبيرًا على ميزان التجارة لمصر.
أضاف أن تأثير ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضه على الاقتصاد المصري لن يكون مؤثرًا بشكل كبير. كون مصر في اتجاهها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية اعتمادًا على إحلال الغاز الطبيعي محل المازوت والبوتاجاز والبنزين والسولار.
“أوبك+” وخطط إعادة التوازن للسوق
ويرى عدد من المحللين، أن جائحة كورونا لا تزال عاملًا بين العوامل المهمة، التي تؤثر على السوق العالمية للنفط. ولكن أثرها على الاقتصاد العالمي والطلب على الطاقة بدأ يتلاشى. وبات هؤلاء يتوقعون -رغم التباين بين بلدان في الطلب على النفط- وصول مستوى الطلب عليه إلى مستويات ما قبل الجائحة قريبا.
ومع استمرار التعافي في الطلب، يضع جانب العرض أيضًا ضغوطا على أسعار النفط، بعد أن قرر تحالف “أوبك+”، الأسبوع قبل الماضي. الإبقاء على خططه في زيادة الإنتاج دون تغيير، رغم نداءات بزيادة العرض من قبل البلدان المستهلكة. وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد قرر التحالف زيادة العرض خلال شهر نوفمبر كما كان مقررًا بمقدار 400 ألف برميل يوميًا. ورغم أن البعض كان يقترح أنه يمكن للتحالف رفع الإنتاج خلال شهر نوفمبر بمقدار 800 ألف برميل. ثم عدم زيادة مستوى الإنتاج خلال شهر ديسمبر، فإن البعض الآخر كان يرى أن ارتفاع مستوى العرض بهذه الطريقة. ستكون له آثار قصيرة المدى فقط، وستعاود الأسعار ارتفاعها.
الطاقة المتجددة بديلًا للنفط والغاز
الطاقة النظيفة ليست بمنأى عن التأثر بتقلبات أسعار النفط والغاز، لكن حاليًا قد يكون الأمر أكثر إيجابية بالنسبة لها. وقد يدفع ارتفاع أسعار النفط -مع عودة الطلب العالمي على الوقود- الشركات وحتى الدول إلى الاستغناء مؤقتًا عن الوقود الأحفوري والاتجاه للاستثمار في الطاقات البديلة النظيفة.
واعتبر إيهاب إسماعيل، نائب الرئيس التنفيذي لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة. أن ارتفاع أسعار النفط سيشجع الجهود الرامية لتطوير الطاقات المتجددة والحد بشكل كبير من الاستثمارات الموجهة إلى الطاقة التقليدية الأحفورية. وبالتالي سيعزز ذلك توجه الشركات إلى اقتناص مشروعات جديدة بالطاقات البديلة.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد تزيد تمسك الحكومات المختلفة بشأن الانتقال إلى الطاقة البديلة “شمس ورياح”. من خلال زيادة القدرة التنافسية للطاقات المتجددة، وهو ما قد يهدد تطوير الوقود الأحفوري.
أشار إلى أن بعض الدول استهوتها تراجعات النفط الأخيرة في التسارع لشراء كميات ضخمة من هذه الطاقات الأحفورية على حساب الاستثمار في المصادر الجديدة، كمحاولة لتحقيق ربح في ميزانياتها.
وباعتبار مصر واحدة من الدول التي لاتزال تعتمد بشكل أساسي على محطات الكهرباء التقليدية. فإن قطاع الكهرباء سيتأثر بسبب كميات الوقود والغاز الضخمة المستهلكة داخل المحطات. ومن ثم قد تتجه الحكومة إلى تبني برامج جديدة لطرح مشروعات الطاقة المتجددة أمام المستثمرين.