يبدو أن القضية رقم 173 المعروفة إعلاميا بـ”قضية التمويل الأجنبي”، التي تحقق فيها جهات التحقيق مع عدد من النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان. تسير بخطى ثابتة في طريقها للتفكيك، حيث أصدر اليوم المستشار علي مختار رئيس محكمة استئناف القاهرة، قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق. فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع في القضية. أمرا بـ”ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية” لعدم كفاية الأدلة بالنسبة لكلا من مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ومركز دعم التنمية والتأهيل المؤسسي، ومركز السلام للتنمية البشرية، وجمعية نظرة للدراسات النسوية.
وقال قاضي التحقيق، إن القرار صدر بعد انتهاء التحقيقات والموازنة بين ما قدم من أدلة وقرائن. قد تشير إلى ثبوت الاتهام والموازنة بينها وبين أدلة النفي، ونظرا لعدم تحقق اليقين الكامل على ثبوت الاتهام ومن ثم تقديم الأوراق للمحاكمة الجنائية، وهو ما تعين معه التقرير في الأوراق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وبناء على القرار يتم رفع الأسماء المتضمنة به من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول. وأيضا من قوائم المنع من التصرف في أموالهم سائلة كانت أو منقولة، وذلك فيما يخص ما تضمنه من وقائع فحسب دون مساس بأي وقائع أخرى قد تكون محلاً للتحقيق سواء في القضية الماثلة أو غيرها من القضايا.
قرار اليوم، يؤكد التصريحات السابقة لرئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، بقوله إن الدولة لديها نية لغلق هذا الملف. مشيرًا إلى أنه كان يتحدث دومًا عن ضرورة وجود آذان تسمع الأصوات، مؤكدا أن هناك جمعيات ترحب بالإشهار والإجراءات اللازمة للعمل تحت مظلة القانون.
ويرى السادات أن البداية تكون من خلال توفيق أوضاع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني. وذلك لأنه من حق الدولة متابعة تلك المؤسسات، والتأكد من أن أنشطتهم مشروعة، وليست ضد الدولة.
75 كيانا في قائمة الانتظار
أوضح المستشار على مختار، أنه منذ قيامه بالتحقيق في القضية، تم تحديد الموقف القانوني لبعض الجمعيات والمنظمات والكيانات المعنية بهذا التقرير محل التحقيقات. وصدور ستة أوامر بألا وجه لإقامة الدعوى بتواريخ متعاقبة قبل بعضهم ‘ما لعدم الجريمة أو لعدم كفاية الأدلة. مشيرا إلى أنه بصدور هذا القرار يكون عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي تم صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها. فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع –سواء كان الأمر صادراً لعدم الجريمة أو لعدم كفاية الأدلة– 75 كياناً كان قد عني بالاتهام فيها ما يربو على مائتي وعشرين شخصاً.
وقال قاضي التحقيق في بيانه “ولئن كان على الدولة أن ترعى المجتمع المدني إيماناً بدوره ورسالته. إلا أنه وبالمقابل فلزاماً على المجتمع المدني أن يؤدى هذا الدور وتلك الرسالة في ضوء أحكام الدستور والقانون. وأن يربأ بنفسه عن موطن أي شبهة حال أداء مهمته تعد مساساً بسيادة الدولة وتمثل خطراً على وحدتها الاجتماعية. فالحفاظ على سيادة الدولة والزود عنها هو التزام وإلزام بطريق اللزوم”.
وتابع البيان “القضاء هو عنوان الدولة وأهم مظاهر سيادتها فلا يعلو على ولايته أي ولاية، والدفاع عن استقلال القضاء وحيدته. هو سؤددٌ عظيم يحمله القضاة فهذا ديننا وديدننا، فالقضاء هو الزائد والحامي لحقوق الانسان ورسالته تحقيق العدل ليس بين أفراد هذا الوطن فحسب. بل تمتد لتشمل تحقيق العدل في صورته الشاملة، وذلك بالزود عن السيادة الوطنية من كل ما قد يمثل مساساً بها. وضمان السيادة الوطنية برفض أي تدخل يهدف إلى التأثير على رأي القضاء من غير عاقل رشيد يأباه هو على نفسه. ثم يسعى إليه مرتضياً إياه لنا، ولن نرضاه أبداً، سيما وأن التدخل في رأي القضاء هو في حقيقته انتهاك لحقوق الإنسان. والتي تسعى لحمايتها الدولة ومؤسساتها، ويهدف إليه المجتمع المدني، واستقرت عليه مبادئ القانون الدولي”.
سرعة توفيق الأوضاع
وفي نهاية البيان، أهاب قاضي التحقيق بمنظمات وجمعيات المجتمع المدني العاملة في مصر والكيانات التي تمارس عملاً من أعمال المجتمع المدني ونأخذ على أيديهم بسرعة توفيق أوضاعهم.
وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2021 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي الصادر بقانون 149 لسنة 2019. والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 11/1/2021 والذي نص في بابه الثاني. على مواد نظمت إجراءات توفيق أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات والمنظمات والكيانات الأجنبية غير الحكومية والكيانات المصرية. خلال عام من تاريخ اصدار اللائحة التنفيذية، سيما وأن المشرع قد أفرد لمن لم يقم بتوفيق أوضاعه منها. في المدة المحددة جزاءً جنائياً يصل حده الأقصى لغرامة قدرها مليون جنيه مصري وهوما نربأ به عنها.
قضية التمويل الأجنبي.. متى بدأت؟
في يوليو 2011، أمر مجلس الوزراء وزير العدل -آنذاك- بتشكيل لجنة تقصي حقائق. للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني. وتحديدًا لمعرفة ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب القانون 84. وقد تم استكمال التقرير في سبتمبر 2011.
وفي يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. وكانت معظم الأحكام غيابية، أما العاملين المصريين الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي: المعهد الجمهوري الدولي، المعهد القومي الديمقراطي، فريدوم هاوس، المركز الدولي للصحافة، مؤسسة كونراد أديناور.
أعيد فتح هذه القضية مرة أخرى في 2016، حيث أدرج عدد من المحامين الحقوقيين. ضمن قوائم الممنوعين من السفر ومنعهم من التصرف في أموالهم. استنادًا إلى تحريات أمنية بأن نشاطهم يضر بالأمن الوطني.
منع من السفر واطلاع على الحسابات البنكية
وشملت قائمة الممنوعين من السفر بتلك القضية أسماء بارزة مثل المحامية عزّة سليمان رئيس مجلس أمناء “مؤسسة قضايا المرأة المصرية”. التي خرجت من القضية بألا وجحه لإقامة الدعوى، وجمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وحسام بهجت مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومحمد زارع مدير مؤسسة القاهرة للدراسات حقوق الإنسان. وهدى عبد الوهاب المديرة التنفيذية للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة. وتضمنت القائمة أيضا مزن حسن المديرة التنفيذية لـنظرة للدراسات النسوية. التي صدر قرار اليوم لتخرج من تلك القضية.
وخلال القضية، كان يحق للقضاة، الاطلاع على الحسابات البنكية الخاصة بعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. والحسابات الخاصة ببعض المنظمات، وسماع أقوال موظفي البنوك بشأن التحويلات الخاصة بالحسابات المعنية. واستدعاء بعض المسؤولين الماليين ومديري البرامج بتلك المنظمات للتحقيق معهم بشأن نشاط وتمويل وإدارة منظماتهم. إذ تعتبرهم الدولة يعملون بشكل غير قانوني. وفي المقابل يرى أصحاب تلك الجمعيات أنهم يعملون بشكل قانوني.
وفي نهاية عام 2016، قدمت لجنة التضامن الاجتماعي مشروع قانون معني بتنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر. ووافق عليه البرلمان في 29 نوفمبر 2016 بعد الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.
وفي 24 مايو عام 2017، نشرت الجريدة الرسمية القانون الجديد رقم 70 لسنة 2017. بشأن تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، بعد موافقة رئيس الجمهورية.
وصدرت اللائحة الخاصة بالقانون في ديسمبر الماضي، والتي تباينت حولها الآراء. واعتبرها بعض الحقوقيين بداية لتأسيس علاقة متوازنة بين المجتمع المدني والدولة، مع تفادي العوار القانوني.