لايزال الجدل مستمرا حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية. منذ عرض هذه التعديلات على مجلس النواب العام الماضي. ما دفع الغرفة البرلمانية لتأجيل مناقشته إلى الدورة التشريعية الجديدة.
حملت التعديلات حول قانون الأحوال الشخصية الكثير من الآراء التي تراه “تمييزا”. كما عبر عدد من المتخصصين عن تخوفهم من أن مشروع القانون ينهي الأهلية القانونية للمرأة من خلال عريضة تم جمع عدد من التوقيعات عليها.
ومن بين الانتقادات التي وجهها المتخصصون لمشروع القانون. أنه لا يتناول “التحديات” التي تواجه الأسرة المصرية لدى الانفصال أو زواج الأب من سيدة أخرى بما يتسبب عادة في “ضياع الكثير من الحقوق”.
في حين يرى البعض أن إيجابيات مشروع القانون تتمثل في النص على معاقبة من يتعدى على حقوق رؤية واستضافة الأطفال. كما اعتبر آخرون تغيير القانون لترتيب الحاضنين “وجعل الأب في المرتبة الرابعة بدلاً من السادسة عشر”.
إشكاليات على المستوى الإجرائي والموضوعي
وتقول المحامية المدافعة عن حقوق المرأة نهاد أبو القمصان. إن مشروع القانون به مشكلة كبيرة على المستوى الإجرائي والموضوعي. وأن جوهر المشكلة في المشروع أنه ينزع عن المرأة “الأهلية القانونية والشخصية القانونية”.
ووصفت أبو القمصان، القانون على مستوى الإجراءات بـ”العبث”. وقالت إن الإجراءات طويلة ومعقدة وغير منصفة. مشيرة إلى أنه في 2004 تم إصدار قانون محكمة الأسرة لتجمع كل قضايا الأسرة في ملف واحد. الآن يتم رفع دعاوى قضائية تصل عددها إلى 14 أو 15 قضية. في إشارة منها إلى تعقيد الإجراءات. ويكفي قضية النفقة التي تساعد على إطعام الأطفال تظل مدة عام على الأقل متداولة في المحكمة. وإذا تم طرد السيدة من منزل الزوجية لا يتم تمكينها أو إرجاعها لمنزلها إلا بعد 6 أشهر.
أما على مستوى الموضوع، فترى أبو القمصان أن مشروع قانون الأحوال الشخصية “متخلف”. يتعامل مع السيدات على اعتبار أنها أشياء يتم امتلاكها. ويتعامل مع عقد الزواج باعتباره غير مبني على المشاركة وإنما على السلطة المطلقة للزوج. الذي يستطيع أن يمنعها من السفر.
وأوضحت أبو القمصان. أن القانون بني على مذهب أبي حنيفة الذي يشير إلى أن الرجل ملزم بدفع مهر وعدم مساعدة المرأة له، وهو الأمر المختلف عن الواقع
“تمرير مثل هذه التعديلات أقرب لسرقة المرأة”. تقول أبو القمصان، وتوضح أن عادات وتقاليد الزواج مبني على الشراكة لكن القانون لا يعكس ذلك. حيث يمكن للمرأة أن تطرد من منزل هي من قامت بتأسيس نصفه.
وتابعت أبو القمصان: قانون غير صالح على الإطلاق، وسيء إلى أقصى درجة، حيث يجعل المرأة حاضنة لطفل لعمر الـ 15 عاما ولكن لا يضمن لها النفقة، مع تهديدها في حال تزوجت بإسقاط الحضانة عنها.
ومن المقرر بدء العودة لمناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية، في دورة الانعقاد الثانية، وعن الخوف من إقراره. تقول أبو القمصان: لم نر القانون ولم يتم الرجوع لأي من المتخصصين. وما يحدث ليس قانونا جديدا انما قص ولزق من مواد القانون القديم. يتضمن ذات المشاكل والإجحاف فذلك ليس بقانون جديد. وإن كان هناك جديد فلابد من التشاور مع المجالس المتخصصة، ولا يتم التشريع داخل كهف مغلق.
مراحل تطور التعديلات
عرفت مصر خلال القرن الماضي قوانين الأحوال الشخصية. أعقبه 14 تعديلا مختلفًا كان آخرها عام 2019.
وكان أول قانون أحوال شخصية عرفته مصر. هو القانون رقم 25 لسنة 1920. الذي ضم 13 مادة، وتضمن بعض أحكام النفقة، والتطليق لعدم الإنفاق، أو فقد الزوج.
لم يدم هذا القانون طويلًا. حيث جاء القانون رقم 25 لسنة 1929. وكان أكثر تفصيلًا. وتناول أحكام الأسرة، وقضايا الطلاق، والنسب، والنفقة، والعدة، والمهر، والحضانة، والمفقود.
رغم إلغاء المحاكم الشرعية المختصة بالنظر في الدعاوى الشخصية في سبتمبر 1955. استمر العمل بالقانون نفسه حتى عام 1979. ولم يتواكب مع التغيرات التي حدثت في المجتمع المصري طيلة نصف قرن تقريبًا. حتى صدر القانون 44 لسنة 1979. الذي عُرف إعلاميًا باسم “قانون جيهان”، نسبة إلى الراحلة جيهان السادات.
عدّل القانون أحكام سابقيه، وضم 7 مواد. شملت الطلاق، النفقة، نفقة المتعة، توثيق الطلاق، إعلان المطلقة. كذلك تضمن حق التطليق عند إثبات الضرر في حال تزوج الزوج بأخرى. لكنه واجه اعتراضات كثيرة، انتهت بالحكم بعدم دستوريته.
وشهد عهد الرئيس الراحل حسني مبارك عدة قوانين للأحوال الشخصية. أولها القانون 155 لسنة 1985. الذي حل محل “قانون جيهان”. واستمر حتى تم تعديله بالقانون رقم 1 لسنة 2000، والمعروف إعلاميًا بـ “قانون الخُلع”، وأعقبه القانون 10 لسنة 2004 الخاص بإنشاء محكمة الأسرة.
آخر القوانين
وكانت آخر قوانين الأحوال الشخصية هو القانون رقم 126 لسنة 2008. الذي تضمن تعديلات قانون الطفل، ليصير سن الزواج 18 عام، مع إعطاء الولاية التعليمية للأم الحاضنة.
وشمل مشروع مقترح القانون الجديد العديد من المواد المستحدثة. فجاءت في المواد من 14 وحتى 16 شروط تنظيم تعدد الزوجات، وليس التقييد أو المنع. كذلك المادة 18 الخاصة بوثيقة الزواج، والمادة 19 التي تقضي باقتسام العائد المشترك بين الزوجين بعد الطلاق.
واحتوت المادة 77 على آلية التطليق بيد المحكمة. وتناولت المادة 105 تعديل دور الأب في حضانة الطفل. والمواد من 111 إلى 115 الخاصة بحضانة الطفل. كما تناول المقترح إنشاء شرطة خاصة بالأسرة، تكون مهمتها تنفيذ الأحكام تحت إشراف نيابة الأسرة.
قانون أكثر عدالة
عزة سليمان مدير مركز قضايا المرأة المصرية، تقول: نحتاج إلى قانون أحوال شخصية أكثر عدالة للأسرة المصرية، وينبع من مبدأ المواطنة والمساواة الذي تسعى إليه الدولة حاليًا. قانون يرى السيدات كاملات الأهلية. وقانون يحل كافة المشاكل الإجرائية المتعلقة بالنفقة والرؤية وترتيب الحضانات. نحن نطالب بترتيب الحضانات أن تكون رقم اثنين للرجالة. وكذلك أن لا تسقط الحضانة على الأم المتزوجة إلا في حالة وقوع ضرر واضح على الأطفال.
وتشير سليمان، إلى ضرورة المطالبة بأن تكون حضانة الأم المسيحية لا تسقط إجرائيا في حالة إن الأب مسلم أو إنه دخل في الإسلام، وتكون أقل من المرأة المسلمة.
أما عن الطلاق. ترى مدير مركز قضايا المرأة المصرية. إن الطلاق يكون بيد المحكمة وسريع، وكذلك تعدد الزوجات، ويكون في نفس اللحظة الذي تعطي فيها المحكمة تصريح للرجل بالزواج بأخرى، هي نفس اللحظة التي يتم فيها تسوية وحقوق السيدات، للزوجة الأولى هي وأطفالها قبل أن يعطى تصريح للزوج بالتعدد.
“نحن نحتاج قانون، يفتح كل المشاكل الحساسة ليضع لها حلولا جريئة وشجاعة”. كما نحتاج إلى الحديث عن حماية الأطفال والمصلحة الفضلى لهم. نحتاج لرفع شعار “عدالة أكثر للأسرة المصرية”، تقول سليمان.
مقترحات بقانون قضايا المرأة
من جانبها عملت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، منذ عام 2003. على الخروج بمقترح قانون أحوال شخصية أكثر عدالة لجميع أفراد الأسرة. والذي تم إرساله لرئيس مجلس النواب، أملا في أن يتبناه أعضاء المجلس.
ويطرح المقترح عدة تعديلات على التشريعات الموجودة. منها أن يكون الطلاق بيد المحكمة. وذلك بأن يقوم كل من الزوج والزوجة الراغبين في الطلاق. بتقديم طلب للمحكمة يتم فيه إبداء أسباب الطلاق وبعد محاولات الإصلاح عن طريق اللجان المتخصصة. وفي حال إصرار الزوج على الطلاق تقوم المحكمة بإجابة طلب طلاق زوجته مع إعطائها كافة الحقوق المترتبة على الطلاق “العدة، متعة، مؤخر الصداق”، وتحديد نفقة الأطفال إن وجد.
وفي حال ما إذا كانت الزوجة هي مقدمة الطلب. ووجدت المحكمة أسباب منطقية للطلاق، طلقتها مع إعطائها كافة حقوقها القانونية. بينما في حال عدم وجود أسباب منطقية. وإصرارها على الطلاق. يتم الطلاق مع تنازلها عن كافة حقوقها القانونية. ما يؤدي إلى توفير الكثير من الوقت والتكاليف والمجهود؛ ومن ثم المساعدة على الاستقرار النفسي والمعنوي لكثير من الأسر والأطفال.
ويضم المقترح احتفاظ الأم بأولادها في حالة زواجها للمرة الثانية. مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل وبما يساعد على إيجاد حياة نفسية مستقرة سواء للطفل أو للأم. وضرورة احتواء وثيقة الزواج على بند للشروط المضافة، مع إعطاء أمثلة لتلك الشروط.
اقتسام الثروة
كذلك تضمن الاقتراحات إمكانية اشتراط الزوجين اقتسام ما تم تكوينه من عائد مادي مشترك أثناء العلاقة الزوجية في حالة الطلاق. على أن يترك لهم تحديد النسبة المئوية بما يتم الاتفاق عليه طبقًا لما يراه كل زوجين على حده. كذلك تعويض الزوجة في حالة الطلاق سواء كان لديها أطفال أم لم تنجب وذلك باحتساب سنوات الزوجية. والنص على تعويضات مختلفة مراعاة لتلك السنوات. كما يطرح مشروع القانون حق الأم المسيحية المطلقة في الاحتفاظ بحضانة أولادها من زوجها المسلم. أو الذي كان مسيحيًا واعتنق الإسلام، حتى يبلغ سن 15 عام، مساواة بالأم المسلمة.
العديد من المؤسسات طالبت بتعديل قانون الأحوال الشخصية. فتشير عزة سليمان، رئيس مجلس الأمناء بمؤسسة قضايا المرأة المصرية. إلى أن مشكلة هؤلاء أنهم يتحدثون بنفس المنطق الذي صدر به أول قانون للأحوال الشخصية في مصر عام 1920. الذي يتعامل من منطق دونية المرأة وكونها أقل من الرجل وخاضعة له، حتى لو كان ذلك من منطلق حمايتها.
ولفتت سليمان إلى رغبتها في إطلاق مدونة قانونية تختص بالتشريعات المصاحبة للأحوال الشخصية. مثل لائحة المأذونين، والعنف الأسري، وقانون المرافعات وغيرها، وفقًا لهذه المبادئ.
ثورة حقيقية
“نحن في توقيت مناسب للغاية وهو إطلاق الجمهورية الجديدة، ولدينا قائد مؤمن بدور المرأة ومعزز له، ما نراه في مستويات عديدة”، تقول نشوى الديب عضو مجلس النواب.
وتضيف أن المجتمع في حاجة إلى ثورة حقيقية فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. وأن هناك فرصة جيدة ومواتية.
وأشارت، إلى أن القانون الحالي صادر من زمن طويل ولا يعطي المرأة حقوقها. ولا حتى الأهلية الكاملة لممارستها :”فإذا قمت بتزويج نفسي. يُمكن أن يظهر فرد من العائلة يقوم بالإبطال القانوني لهذا الزواج. باعتباره يرى الزوج غير كفؤ ويقوم بتطليقي أيضًا”.
وأشادت الديب بمقترح مؤسسة قضايا المرأة المصرية لمشروع قانون لأحوال الشخصية. خاصة أنه جاء شامل ويتفادى ثغرات القانون الحالي، حسب قولها. وأعلنت تبنيها لهذا المقترح والعمل على مناقشته خلال دور الانعقاد المقبل.
وقال المحامي عبد الفتاح يحيى، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية. إن كثرة التعديلات الموجودة في قانون الأحوال الشخصية، قد تُصيب بعض المحامين بالارتباك خلال عملهم. موضحًا أن اللوائح التنفيذية والمواد الإجرائية عديدة ومليئة بالثغرات “كذلك لا توجد مدة زمنية مُحددة لفترة التقاضي. هذا يُثقِل كاهل الطرف المظلوم”.
ويقول المحامي كريم عزت، قبل أي دعوة طلاق يسبقها جلسة التسوية وهي جلسات تقوم على الصلح بين الطرفين، أشبه بالجلسات العرفية يحضرها خبير نفسي واجتماعي، ذلك إجراء حميد ولكن جرى العرف إنه إجراء شكلي، وبنسبة 99% ذلك لا يحدث، وأغلب تلك الجلسات لا تنعقد، وليس لها أي شكل إلزامي.
عريضة انتقادات
وفي عريضة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع توقيعات الرافضين لمشروع القانون. جاء بها أن مواد القانون تتنافى مع ريادة مصر التشريعية في المنطقة. وكذلك تتعارض مع التزامات مصر الدستورية بحماية حقوق المواطنة، وتخالف التزاماتها الدولية أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية السيداو.
وذكرت العريضة التي أعدتها مريم هشام. أن مواد المشروع الجديد ألغت الشخصية القانونية للمرأة المصرية. وتمادت في اعتبارها ناقصة الأهلية فيما يخص مباشرة حياتها الشخصية. كما لم تعط المسودة الأمهات الحق في الولاية على أبنائهن في تجاهل تام للواقع العملي. كما لم يتطرق القانون إلى أكثر القضايا الملحة فيما يخص هذا البند. مثل حل المشاكل المتعلقة بالنفقة وإثبات دخل الزوج وتوفير السكن بعد الطلاق وسبل الحماية من التعنيف الجسدي والنفسي للأم والأبناء في حالات الانفصال.
طالبت العريضة بقانون مدني موحد لكل المصريات دون تفرقه على أساس الدين ينطلق من واقع المرأة المصرية اليوم. كما طالبت أيضا كل من مجلسي النواب والشيوخ. بالإضافة للحكومة المصرية. بالتشاور مع منظمات حقوق المرأة المصرية والخبيرات في القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الأحوال الشخصية في مصر والمنطقة العربية، للاطلاع على مجهوداتهن في هذا الشأن والبناء عليه.
الولاية حقي
وأطلقت ناشطات نسويات حملة إلكترونية بمبادرة من “مؤسسة المرأة والذاكرة” بعنوان “الولاية حقي”. لمواجهة مشروع القانون الذي خرج فجأة من أدراج الحكومة ليوضع على جدول أعمال مجلس النواب.
تقول المحامية الحقوقية عزيزة الطويل. إن القضاة يتعاملون مع قضايا ولاية المرأة من منطلق “ذكوري” وحسب. “القاضي في النهاية بيحكم من منطق ذكوري اللي هو أنت عاوزة ولاية تعليمية ليه، مش الراجل بيصرف ويدفع”. وهو أمر يضر بالمرأة في النهاية ويجعلها عرضة لرحلة المحاكم التي تتواصل لشهور.